على وقع التهديدات التركية بشن عملية عسكرية محتملة في مناطق من الشمال السوري، وفي ظل الغضب الذي أشار إليه عديد المراقبين من قبل روسيا تجاه تركيا، بعد موافقة الأخيرة على انضمام فنلندا والسويد إلى “حلف شمال الأطلسي” (الناتو)، يقام اجتماع رئاسي ثلاثي الأسبوع المقبل يضم كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، إضافة إلى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.

لقاءات ثلاثية وثنائية

لقاءات عدة ثنائية وثلاثية ستحصل في طهران، وتجمع رؤساء الدول الثلاثة “الضامنة” لمسار “أستانا” حول سوريا، وستحمل معها الكثير حول الملف السوري، لاسيما وأن الغضب الروسي المشار إليه آنفا برز بشكل واضح بعد تصعيد القصف الروسي على إدلب خلال الأيام الماضية، هذا التطور وإن كان يؤشر على توتر ما، في العلاقات الروسية التركية داخل الملف السوري، إلا أن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال القطيعة النهائية بين الطرفين، ولعل اجتماعات طهران المرتقبة ستحدد معالم التطورات التي ستحصل في الملف السوري خلال الفترة القريبة المقبلة.

لعل بحث الحضور الإيراني على الأراضي السورية في ظل استمرار القصف الإسرائيلي، ومؤشرات الانسحاب الجزئي الروسي من سوريا لتغذية غزو موسكو ضد أوكرانيا، أحد الملفات المهمة خلال تلك الاجتماعات، فضلا عن أن حسم التهديدات التركية للعملية العسكرية المحتملة سيكون حاصلا في اجتماعات طهران، وقد تكون هناك أيضا ملفات ثنائية، يتم بحثها سواء داخل الملف السوري أو ما يتصل فيه، وذلك في ظل الضغوط التي تواجهها الدول الثلاث (إيران، تركيا، روسيا) سواء كانت اقتصادية أو سياسية بفعل عوامل متعددة.

قد يهمك: أزمة غذاء عالمية بصناعة روسية؟

الباحث السياسي سامر إلياس، يعتبر أن هناك العديد من القضايا الساخنة في الملف السوري سيتم التطرق إليها خلال القمة القادمة في إيران، أهمها العملية العسكرية التركية، والعلاقات الإيرانية الروسية في ظل استمرار القصف الإسرائيلي.

العملية العسكرية

ويقول إلياس في حديث خاص لـ“الحل نت“: “الموقف الروسي هام جدا بشأن العملية العسكرية التركية، لتحديد فيما إذا كانت ستُنفذ هذه العملية أم لا، وأيضا الموقف الإيراني. الجانب الروسي لا يريد أن يبدو ضعيفا، وبأن تسيطر تركيا على مناطق أوسع في الشمال السوري“.

كما يعتقد إلياس أن رفض روسيا للعملية، ينطلق من مهمة موسكو في الحفاظ على الطريق الدولي بين الحسكة واللاذقية مرورا بحلب، وبالتالي فإن توسع النفوذ التركي ربما يهدد ذلك الطريق الواقع تحت سيطرة دمشق.

وحول موقف إيران من التحرك العسكري التركي يضيف إلياس: “إيران تريد أيضا ألا تكون تركيا الطرف المهيمن في هذه المنطقة، هذه النقطة الأساسية التي عليها خلاف بين الأطراف الثلاثة“.

العلاقات الروسية الإيرانية

يرى الباحث السياسي، أن العلاقات الروسية الإيرانية ستأخذ حصة جيدة من المباحثات القادمة، خاصة وأن الجانب الروسي وصل إلى الحقيقة، وهي “أنه يجب عليه الاختيار بين تحالفاته مع إيران في سوريا، وبين تحالفاته مع إسرائيل“، فإسرائيل ماضية في هدف تقويض إيران في سوريا عبر استمرار الهجمات العسكرية، في المقابل  روسيا بحاجة إلى إيران في الملف الأوكراني.

وحول ذلك يضيف: “أعتقد أن روسيا تقيّم المكاسب والخسائر، من فض الشراكة مع طرف من الطرفين، الإسرائيلي أو الإيراني في الملف السوري، هذه القمة ستضبط التفاصيل بين الطرفين“.

وبشأن تطور ملف مسار “أستانا” يختم إلياس حديثه بالقول: “بالنسبة للتوصل إلى التفاهمات، الأهم ربما هو المحافظة على شكل أستانا من قبل هذه الأطراف، لكن إيجاد حلول جذرية للملف السوري لا يعتمد على دول أستانا لوحدها، لا يزال هناك فرق كبير في رؤية هذه الأطراف لمستقبل سوريا وطريقة إدارتها. الأرجح أن تبقى الخطوط المرسومة بين الأطراف على حالها“.

بدأت محادثات أستانا عام 2017 برعاية الدول الضامنة تركيا وروسيا وإيران من أجل إيجاد حل للأوضاع المتأزمة في سوريا، كما نتج عن هذه المباحثات العديد من اتفاقيات التهدئة في سوريا بين الأطراف العسكرية، لكنها دائما ما كانت تتعرض للاختراق ويعد القصف خاصة على مناطق شمال غربي سوريا.

وشهدت العلاقات بين أطراف أستانا مؤخرا توترا واضحا بسبب العديد من الملفات، أبرزها ربما العملية العسكرية التركية في الشمال السوري، التي ترفضها كل من روسيا وإيران.

ويؤكد مراقبون للوضع الميداني في سوريا، أن العملية التركية لا يمكن أن تتم دون موافقة أميركية وروسية، بحكم عوامل كثيرة.

الكاتب السياسي، حيان جابر قال في حديث سابق لـ“الحل نت“: إن “العملية التركية تبدو اليوم مستبعدة أو مؤجلة قليلا، نظرا لتكلفتها الباهظة، فثمن الموافقة الأميركية أو الروسية على العملية هو اصطفاف تركي واضح مع أحدهما، وهو ما تحاول تركيا تجنبه بشتى السبل حتى الآن“.

هذا وتواجه تركيا رفضا أميركيا للعملية العسكرية، التي هدد بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أكثر من شهر، بحجة إقامة “المنطقة الآمنة” التركية في سوريا.

رفض واشنطن تجدد قبل أيام حيث أكد البيت الأبيض، عقب القمة الأميركية التركية في مدريد على هامش اجتماعات “الناتو“، على أن كلا من الرئيسين، جو بايدن، ورجب طيب أردوغان، اتفقا على أهمية الاستقرار في سوريا، بالإضافة إلى العديد من المواضيع التي نوقشت، وتم الاتفاق عليها خلال اللقاء.

ومنذ أن أطلق أردوغان تهديداته، أكد المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأميركية، ساميويل وربيرغ، في مقابلة صحفية خاصة مع موقع “الحل نت” أن واشنطن تدين أي تصعيد في الشمال السوري، وتدعم الإبقاء على خطوط وقف إطلاق النار الحالية في سوريا، مبديا القلق الشديد للولايات المتحدة بشأن التقارير حول زيادة النشاط العسكري المحتمل في شمال سوريا، لما في ذلك من تأثير على المدنيين السوريين.

اقرأ أيضا: ما قصة المنافسة الإسرائيلية التركية بسبب اليونان؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.