بعد أيام من انعقاد قمة طهران الثلاثية التي جمعت كل من رئيس إيران، إبراهيم رئيسي، ونظرائه الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان، حيث بحثوا فيما بينهم الملف السوري بشكل رئيسي إضافة إلى ملفات مشتركة أخرى. تنتظر مدينة سوتشي الروسية، انعقاد قمة جديدة؛ ثنائية هذه المرة، تجمع الرئيسين التركي والروسي، في الخامس من شهر آب/أغسطس المقبل.

القمة الثنائية، تأتي في وقت حساس سواء في ظل وجود عدة نقاط خلافية بين الطرفين داخل الملف السوري، أو في التطورات المتوقع أن تشهدها أروقة الملف السوري، وذلك بعد تهديدات تركية بشن عملية عسكرية في مناطق من الشمال السوري قابله رفض روسي، وتصعيد عسكري وسياسي روسي، بدأ في استهداف مناطق من محافظة إدلب، قبل أن يتم تأجيل الجولة التاسعة من اللجنة الدستورية السورية، إلى موعد غير محدد بعد شروط روسية اعتبرها مراقبون بأنها تهدف لنسف هذا المسار.

تسوية خلاف طهران

في السنوات السابقة، لم تحظَ قمة بين بوتين وأردوغان ورئيسي بالاهتمام الذي حظيت به القمة السابقة في طهران، فالقمة السابعة في مسار “أستانا” كانت الأولى بين الرؤساء الثلاثة منذ بداية جائحة “كورونا”، وأول زيارة للرئيس الروسي خارج المنطقة منذ بداية غزو قوات بلاده لأوكرانيا.

عودة انعقاد قمّة جديدة بين بوتين وأردوغان بعد أقل من شهر على لقاء لهما، يقرأه المحلل والسياسي الروسي، أليكاس موخين، كدليل على وجود خلاف عميق لم يُسوّى في القمة السابقة بطهران، ويبدو أن خلاف طهران وأنقرة، هو لب القضية، كون القمة القادمة لم تدع إليها إيران.

وبحسب حديث موخين لـ”الحل نت”، فإن أردوغان خرج خالي الوفاض من القمة السابقة، والتي كان يأمل فيها الحصول على ضوء أخضر للعملية العسكرية في سوريا، والتي كان يروّج لها منذ شهر أيار/مايو الفائت، فالصدام كان واضحا مع طهران بشكل أكبر من روسيا.

ووفقا لتحليل موخين، للموقف بعد القمة الثلاثية في طهران، فإن أردوغان حصل على رسالة واضحة بأن موسكو وطهران وثقا تحالفهما ضده، خصوصا بعد الاتفاق العسكري الذي حصل بين الطرفين، ودخول إيران العسكري في الحرب بأوكرانيا، التي تقف فيها تركيا ضد روسيا، ولذا فإن ذهابه إلى موسكو هو لمحاولة تسوية الخلاف.

مصير عملية تركيا في سوريا

بحسب السفير الروسي لدى أنقرة، أليكسي ييرخوف، سيناقش الزعيمان خلال قمة سوتشي المرتقبة ملفات عدة بشكل أوسع، قياسا بقمة طهران، مشيرا إلى أن الوضع في سوريا، سيكون ضمن أجندة اللقاء.

خلال قمة طهران، أكدت أنقرة مجددا على حقها في “مكافحة الإرهاب” وأن العمليات العسكرية في شمال سوريا لا تزال على جدول أعمالها، وفقا لتصريحات قادة الدول الثلاث قبل وبعد الاجتماع قال أردوغان، في رسالة نصية “سنستأنف قريبا نضالنا ضد الجماعات الإرهابية”.

غير أنه في سياق سياسي، يرى موخين، أن موسكو وطهران أكدتا مجددا الحاجة إلى تهدئة المخاوف الأمنية لتركيا، وشدد بوتين على “ضرورة إعادة كل الأراضي إلى السيادة السورية، بينما حذر رئيسي، من وجود أعمال تتعارض مع السيادة السورية، وأن العملية التركية ستؤثر على تركيا وسوريا والمنطقة، وهذا بدوره يعد “تحذيرا أو تهديدا من طهران إلى أنقرة”، وفقا لحديث موخين.

ونتيجة لهذا فإن البيان الختامي، مثله في ذلك كمثل سابقيه، كان غامضا وتضمن عناصر ربما تستخدم لدعم قصة كل بلد بشكل مستقل. ولكن المتفق عليه طبقا لحديث موخين، أن تركيا لم تنجح في إقناع شريكيها بدعم العملية العسكرية المخطط لها فيما يتعلق بالملف الأكثر أهمية وهو سوريا، على الرغم من أنهما أظهرا فهما لمتطلبات أمنها القومي ورغبة واضحة في سد الفجوة فيما يتعلق في “المنطقة الآمنة” التي تروّج لها.

وعليه، يعتقد موخين، أن نتائج القمة ستنحصر بالإعلان عن اتفاق ثنائي لتصدير الحبوب من أوكرانيا، وتجديد التعاون العسكري والتقني بين البلدين، لمنع صدام عسكري للبلدان الثلاثة في أوكرانيا، خصوصا بعد دخول طهران على خط الحرب هناك.

قمة مفصلية

المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، أعلن يوم الثلاثاء الفائت، أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، سيلتقي نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، في قمة ثنائية بمنتجع سوتشي يوم الـ 5 من شهر آب/أغسطس المقبل، حيث يعقدان جلسة مباحثات.

وأعلن بيسكوف، أمس الأربعاء، أن الكرملين لا يستبعد أن تناقش روسيا وتركيا خلال لقاء سوتشي التعاون العسكري التقني وتنفيذ “صفقة الغذاء”، مضيفا أن “الوضع في سورية وأوكرانيا والبحر الأسود” سيكون ضمن الموضوعات الرئيسية خلال هذه القمة.

من جانبها، ذكرت صحيفة “ملييت” التركية، أن الرئيسان سيناقشان خلال قمة سوتشي موضوعات مكافحة “الإرهاب” في سوريا، إلى جانب العملية العسكرية التركية شمالي البلاد، ضد “وحدات حماية الشعب” و” قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، التي ستكون على رأس جدول الأعمال.

وتهدد أنقرة، بأن عمليتها العسكرية سوف تنطلق “في أي وقت”، حسبما ورد على لسان المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، أمس الأربعاء.

من جانبه، ذكر وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، أمس الأربعاء، أن مركز تنسيق الحبوب في مدينة إسطنبول بدأ عمله، من أجل تأمين نقل الحبوب العالقة في الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود. وبحسب آكار، فإن مدة الاتفاقية 120 يوما فقط، وستبقى حيز التنفيذ طالما لم يطالب أحد الأطراف بإنهائها، ومن المقرر نقل 25 مليون طنا من الحبوب العالقة بموجب تلك الاتفاقية.

إلا أن الملف الأبرز، هو ما ذكره موقع “سي إن إن” الناطق بالتركية، حول أن بوتين، عرض على نظيره التركي، إنشاء مصنع لإنتاج طائرات بدون طيار في روسيا، من قبل شركة “بايكار ماكينا” التركية.

الجدير ذكره، أن القمة الثلاثية التي عُقدت في طهران، في التاسع عشر من الشهر الحالي لم تتمكن من إزالة الخلافات بين الدول الثلاث، روسيا وتركيا وإيران، على الرغم من أن البيان الختامي الذي جاء روتينيا، في محاولة لإظهار اتفاق الدول، في الوقت الذي حملت المباحثات خلافات تبدو عميقة بينها، وخاصة في الملف السوري.

ففي سوريا، تحاول كل من هذه الدول تحقيق مصالحها بالتنسيق مع الدول الأخرى، إلا أن بعض القضايا في الملف السوري تشكل نقاطا خلافيا لا يبدو أنه سيتم التوصل إلى حلها بسهولة، مع تعقيدات بالغة في بعضها الآخر، وخاصة الاستهداف الإسرائيلي للمواقع الإيرانية في سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة