نزاع ينتهي حتى يكاد يبدأ آخر بين الدولتين المتجاورتين؛ أرمينيا وأذربيجان، اللتان تتصارعان على منطقة حدودية منذ عدة عقود من الزمن، أزمات قديمة تتجدد وتزداد عمقا في كل مرة. في أحدث جولة من الصراع الطويل الأمد بين البلدين اللذين خرجا من رحم الاتحاد السوفيتي السابق، تجدد القتال بين أرمينيا وأذربيجان خلال الساعات الماضية، مما يوحي باندلاع اشتباكات جديدة بين الطرفين تُذكّر بما حدث في أزمة ناغورني قره باغ، التي هدأت بعد تفاهمات روسية تركية، ومن هنا تثار تساؤلات جمة حول إمكانية تجدد القتال إلى معركة طويلة الأمد بين الطرفين، وما الذي أجج القتال بينهما في الوقت الحاضر.

كما يجدر التساؤل عن تداعيات هذا الاقتتال الحالي الذي يرجح أن يتجه إلى حرب طويلة الأمد، وكذلك السؤال الأبرز حول الصراع على النفوذ الذي كان يدور في تلك المنطقة بين الروس والأتراك، وفيما إذا كان قد يعود مجددا، وهل هذا القتال بين أرمينيا وأذربيجان سيكون محطة لانهيار التفاهمات الروسية التركية، وفرصة لاندلاع صراع النفوذ بينهما.

كيف تجدد القتال؟

يوم أمس الثلاثاء، أفادت الأنباء أن العشرات من الجنود قتلوا في تجدد الاشتباكات الحدودية بين أرمينيا وأذربيجان، في أسوأ قتال منذ أن انخرط البلدين الجارين في معارك عام 2020 حول منطقة ناغورني قره باغ التي انتزعتها يريفان (عاصمة أرمينيا) في أوائل تسعينيات القرن العشرين، قبل أن تسيطر باكو (عاصمة أذربيجان) معظمها قبل عامين.

وزارة الدفاع الأذربيجانية اتهمت أرمينيا بارتكاب “أعمال تخريبية واسعة النطاق” بالقرب من مقاطعات داشكسان وكلباجار ولاشين على الحدود، وادعت أن “مجموعات تخريبية” من القوات الأرمينية زرعت ألغاما على أراض وطرق بين مواقع الجيش الأذربيجاني، مما أدى إلى اندلاع اشتباكات بين الجانبين.

وزارة الدفاع الأذربيجانية نوّهت إلى قيام القوات الأرمينية باستهداف مواقع الجيش الأذربيجاني في محافظات داشكسن وكلبجار ولاتشين بأسلحة مختلفة بما فيها مدافع الهاون، مما أدى إلى وقوع خسائر في صفوف قواتها وأضرار في البنية التحتية العسكرية.

في المقابل، قالت أرمينيا إن القوات الأذربيجانية “شنت قصفا مكثفا بالمدفعية والأسلحة النارية من العيار الثقيل، على مواقع عسكرية أرمينية في اتجاه مدن غوريس وسوتك وجيرموك”.

قد يهمك: نجاحات أوكرانية متتالية في استرداد مدن محتلة.. ما النتائج؟

صراع إقليمي

ضمن هذا السياق يرى الكاتب والمحلل السياسي، ميّار شحادة، أن الخلافات بين أرمينيا وأذربيجان قديمة جدا. بالنظر إلى أن أرمينيا دولة دينية أرثوذكسية وحليفة لروسيا قبل الحرب العالمية الأولى، وبالتالي فهو صراع قديم جدا، وقد تم استخدام القضية الأرمنية-الأذربيجانية تاريخيا في نزاعات كبيرة.

بحسب تقدير شحادة، الذي تحدث لـ “الحل نت”، فإنه لا أهمية لترسيم الحدود بين المناطق المتنازعة الأرمنية الأذربيجانية، مثل إقليم ناغورني قره باغ، ولكن الآن بعد أن أصبحت أذربيجان مزعجة لإيران، حيث أن للأولى علاقات مع إسرائيل، وبالتالي كانت مفتوحة دائما لنقل المعلومات اللوجستية والاستخباراتية ضد إيران، على حدّ تعبير شحادة.

بوتين يفتح صراعا آخر مع الغرب

تركيا حليف تقليدي لأذربيجان، وبالتالي فإن تركيا حاليا في موقف صعب، كما أوضح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أيام، أن مطالب الغرب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين “غير معقولة”، وأنه يجب الاستماع للرواية الروسية، ولكن، بالطبع لأردوغان حسابات دولية أخرى؛ مثل اتفاقية البحر الأسود و”الممر الآمن” بشأن نقل الحبوب والغاز.

تاليا، ووفق اعتقاد الكاتب والمحلل السياسي، ميّار شحادة، فهو الآن في خضم الصراع، وهذا الأمر أدى إلى فتح ملفات أخرى، ألا وهو فتح أرمينيا لهذا الملف، وهذا واضح من خلال الهجوم الأرمني على الجانب الأذربيجاني خلال اليوميين الماضيين.

مناورات عسكرية مشتركة بين القوات الجوية التركية والأذربيجانية تسمى”النسر التركي الأذربيجاني 2022″، في 5 أيلول/سبتمبر 2002- “الأناضول”

وأردف شحادة في حديثه لـ”الحل نت”، أن رد أذربيجان الفوري على اعتداءات أرمينيا يدلل على أنها التحرك الأرميني جاء بطلب روسي، خاصة وأن موسكو تريد إشغال “الناتو” في حرب ضد حليف لإسرائيل وحليف آخر لـ”للناتو”، وهما؛ أذربيجان وتركيا (عضو في الناتو)، وعليه، روسيا أرادت فتح جبهة على الحدود مع “الناتو”، لفك الضغط عليها دوليا من خلال حربها في أوكرانيا.

وأضاف “كما أن الصراع الأذري-الأرمني، جزء منه صراع ديني، مسيحي أرثوذكسي-إسلامي، وبالطبع الأذربيجانيون لا يعتمدون على الأساس الطائفي في هذه الحرب، وبما أن أذربيجان وقعت اتفاقيات الغاز مع الاتحاد الأوروبي، وبالتالي بوتين يريد تدمير كل دولة تزود أوروبا بالغاز، لأنه الآن في وضع ضعيف وليس لديه سوى آلة حرب عسكرية، ويمكن القول هنا أن جزءا من هذا الصراع هو من أجل الغاز، كما كان في سوريا” على حد قول شحادة.

قد يهمك: نزاع عسكري بين أذربيجان وأرمينيا.. ما الأسباب؟

الأرمن لا يثقون بتركيا

في سياق النزاع الأرمني الأذربيجاني المتجدد، قال شحادة إنه مع قرب الانتخابات المقبلة في تركيا، فإن دعم أذربيجان سيكون مطلبا من الأتراك، ولكن أيضا لدعم روسيا حتى استقرار وضع الطاقة والتهرب المالي على حد سواء على الجانبين، إذن لدى أردوغان خياران، أحلاهما مرّ في الجبهة الداخلية.

أما بالنسبة للتفاهمات الروسية التركية فهي بالأساس كانت “بيضاء” ومؤقتة وليست “جوهرية”، وكان معروفا أن هذه التفاهمات ستنتهي في أي وقت لأن الصراع لم يهدأ وهو طويل جدا، وفق تعبير شحادة.

وعليه، ما دامت أرمينيا ترى أنه يجب أن يكون هناك تفاهم بين فرنسا وروسيا حتى يتم حل الأمور، ويبدو أن الأوروبيين سيدعمون الأذربيجانيين في مواجهة الأرمن، وسيؤدي ذلك إلى تفاقم المشكلة في أوروبا، حيث تاريخيا كانت أوروبا داعمة للقضية الأرمنية، وتحديدا فرنسا، لذلك يطالب الأرمن اليوم بحوار بين روسيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي، وليس بين تركيا وروسيا، لأنهم لا يثقون بأردوغان ولا بالسلطات في تركيا. خاصة بعد المجزرة التي ارتكبت بحق الأرمن من قبل العثمانيين.

رغم أن الطرفين تبادل الاتهامات بالاستفزاز، فمن الواضح أن عقدة الحل بين البلدين، تتعلق بممر زانجيزور، وهو ممر مقترح وفقا للاتفاق الذي عقد بوساطة روسيا، وفق تقارير صحفية.

آثار قصف أرمينيا لأذربيجان”ويترز”

هذا الممر، يفترض أن يربط بين أذربيجان وجمهورية ناختشيفان وهي إقليم أذربيجاني يتمتع بالحكم الذاتي، ولكنه مفصول عن بقية أراضي أذربيجان بمنطقة أرمينية تدعى زانجيزور، كما أنه ملاصق لتركيا من جهة الغرب.

قد يهمك: الانتخابات البرلمانية في السويد.. استقرار سياسي مقابل رفض المهاجرين؟

الضحايا من الطرفين

وبالعودة إلى تطورات التصعيد العسكري، فقد قُتل ما لا يقل عن 100 جندي أرميني واذربيجاني الثلاثاء في أعنف معارك بين البلدين منذ عام 2020، ودعت الجهات الدولية إلى “ضبط النفس” وتسوية النزاع سلميا.

مساء الثلاثاء، أعلنت وزارة الدفاع الأذربيجانية في بيان أن “50 جنديا أذربيجانيا قتلوا بعد استفزاز أرميني على نطاق واسع” عند الحدود بين البلدين.

من جهته أعلن رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان صباحا مقتل 49 جنديا أرمينيا خلال مداخلة أمام البرلمان في يريفان، موضحا أنه “للأسف ليس الحصيلة النهائية”، ومن المتوقع أن يرتفع العدد.

في غضون ذلك، قالت وزارة الدفاع الأذربيجانية، في بيان لها، إن الجيش الأذربيجاني بدوره اتخذ التدابير اللازمة لإسكات مصادر النيران الأرمينية ومنع توسع الاشتباكات.

بعد عدة ساعات من القتال العنيف على الحدود ليل الثلاثاء، ناشدت أرمينيا زعماء العالم المساعدة، قائلة إن القوات الأذربيجانية تحاول التقدم على أراضيها. وأعلنت أذربيجان الثلاثاء أنها حققت أهدافها العسكرية على الحدود مع أرمينيا في أعقاب أسوأ جولة من القتال بين البلدين منذ حرب عام 2020.

اشتباكات بين أذربيجان وأرمينيا “رويترز”

مطلع التسعينيات، شهد البلدان حربا عنيفة أسفرت عن مقتل 30 ألف شخص، نتيجة الصراع على تبعية الإقليم، الذي أصبح يُعرف بالإقليم الملتهب أو إقليم الدم جراء الأعداد الكبيرة للقتلى التي تسقط من الجانبين.

في خريف عام 2020، واجهت أرمينيا وأذربيجان بعضهما البعض مرة أخرى للسيطرة على إقليم ناغورني قره باغ، وانتهت بتفاهمات روسية تركية، يمكن وصفها بتحويل أرمينيا وأذربيجان في القوقاز إلى حلقة جديدة من سلسلة القتال بالوكالة بين موسكو وأنقرة، ورغم الهدنة الدبلوماسية الخجولة هذه، فإن احتمالية وقوع حرب بين الدولتين ما زال واردا، حيث لا يزال التوتر على أشده بين الطرفين، ويبلغ كلا البلدين بانتظام عن اندلاع أعمال عنف وسقوط ضحايا في صفوف الجنود، الأمر الذي ينذر بانهيار التفاهمات، وبالتالي تجدد الصراع إلى مرحلة أكثر دموية.

قد يهمك: القضاء على أحلام بوتين في أوكرانيا.. متى تكون معركة الخسارة الأخيرة؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.