إذا كان من طرف سيقع عليه ضرر جسيم نتيجة للأزمات التي يمر بها اليوم حزب (العدالة و التنمية) بزعامة (رجب طيب أردوغان)، فلا شك في أنه المعارضة السياسية السورية. و بكل تأكيد ثمة أطراف كثيرة قد ينالها هذا القدر أو ذاك من النتائج السلبية نتيجة لأزمة الحكومة التركية الراهنة، لكن المعارضة السورية وحدها هي التي ستدفع الثمن الأكبر لكل التطورات السلبية التي أصبح من شبه المؤكد أنها ستترتب على هذه الأزمة التي تعصف بزعامة (أردوغان) و حزبه اليوم.

و لئن سأل سائل عن سبب ذلك، فالجواب يتلخص في أن الأمر سيكون متعلقاً لا بمجرد الآثار السلبية المباشرة و القريبة التي ستواجه المعارضة السورية، بل إن الأمر يتعدى الآثار السلبية إلى وضع وجود المعارضة السورية ذاتها موضع شك فيما إذا خرج حزب العدالة و التنمية من السلطة.

و يبدو أن كل التقارير الواردة من تركيا و التي تشخص الأزمة السياسية هناك تدل على أنه لم يعد بمقدور أردوغان في المستقبل أن يتصرف كما كان يتصرف خلال العقد المنصرم. لن يعود بوسعه أن يتصرف تصرف السلاطين الأتراك الذين كانوا يحكمون الامبراطورية العثمانية. إن السياسة التركية في العقد الماضي قد صادفت نجاحات كثيرة، غير أنها، فيما يبدو، قد عانت من إخفاق في أهم أهدافها، على الأقل حتى الأن و نعني بذلك إنتاج إقليم واسع جغرافياً يمكن أن يكون مجالاً حيوياً للنفوذ التركي السياسي و الاقتصادي مدعوماً بأيديولوجية إسلامية معتدلة تسمح لتركيا بأن تلعب دور الوسيط – و المهيمن إلى حد ما- بين الإقليم الذي يشكل مجالاً حيوياً لها – و هو في جملته واقع في المنطقة العربية- و بين العالم الأوروبي الذي ودت تركيا دوماً أن تكون جزءاً منه من خلال اكتساب عضوية الاتحاد الأوروبي.

و تكفي نظرة سريعة على القرن المنصرم من تاريخ الشرق الأوسط لنكتشف مبدأً سياسياً جوهرياً سارياً، على الأقل في هذه المنطقة، و أن كل طرف لم يستطع تحقيق أهدافه لدى طرف آخر قد نجح الطرف الآخر في تحقيق أهداف معاكسة و مناقضة لدى الطرف الذي حاول فرض أجندته السياسية و ما يتفرع منها من عناصر اقتصادية و اجتماعية و استراتيجية على الطرف المقابل. و المثال على ذلك الصراع العربي الإسرائيلي. فقد مني العرب دوماً بانتكاس أهدافهم في كل الحروب التي وقعت بينهم و بين إسرائيل، بينما نجح الطرف الإسرائيلي في فرض أجندته – و لو جزئية- على الأطرف العربية. و يستوي في ذلك بين أن يكون الطرف العربي قد فضل الحرب على السلام أو السلام على الحرب أو حتى الاكتفاء بدور سلبي مختف وراء شعارات براقة جداً.

في ضوء ما تقدم نقول إن التحولات السياسية المتوقعة في تركيا تؤذن بضعف يكاد يكون مؤكداً في أي انتخابات قادمة بلدية كانت أم برلمانية يخوضها أردوغان. و حتى إذا تمكن حزب العدالة و التنمية من تأليف حكومة ائتلافية، فلن تكون له السلطة المطلقة فيها على كل حال.

و هنا تكمن العقبة الرئيسية التي على المعارضة السياسية السورية أن تفكر فيها. فإذا كانت الحكومة التركية التي قد تفرزها الانتخابات البرلمانية تنطلق من موقف سياسي مختلف –جزئياً أو كلياً- عن ذاك الذي اتخذته حكومة العدالة و التنمية لعقد من الزمن فما الرؤية التي ستواجه بها المعارضة السورية وضعاً محتملاً كهذا؟ ذلك لأن حكومة من هذا النوع ستتقارب مع إيران، و تستعيد العلاقة مع إسرائيل، و تصبح أكثر انخراطاً في الاستراتيجية الأمريكية، و ستكون أكثر ولاء لعضويتها في حلف شمال الأطلسي. حيال ذلك ما الذي سيكون بمقدور المعارضة السورية أن تفعله، و خاصة أن النظام السياسي الحاكم في دمشق يبدي مقدرة متزايدة على التلاؤم مع الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط بحكم التداخل الوثيق و الترابط القوي بين المصالح الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط، و خاصة في سورية و لبنان و بين الموقف الأمريكي و الغربي عامة من ضرورة وضع حد للبرنامج النووي الإيراني.

و إذاً لن يكون مؤتمر جينيف الثاني هو التحدي الأخير للمعارضة السورية لأن هذا المؤتمر لا يتطلب إلا قراراً بالمشاركة فيه أو مقاطعته. و على أهمية هذا القرار و خطورته، و من جانبنا ندعوا المعارضة السورية إلى المشاركة فيه،  فإن سؤال الوجود، الوجود الفعلي للمعارضة السورية في المستقبل القريب و البعيد، ينبغي أن يظل هو الشاغل الأول و الأخير لكل الأطراف التي تعتقد أنها شريك حقيقي في بناء المعارضة السورية.

و بما أن القرارات التي نتخذها اليوم لا يمكن تصورها و لا فهمها بمعزل عن مستقبل الصراع، فإن من واجب المعارضة السورية أن تفكر منذ الآن بإعادة تعريف نفسها و رسم حدودها و اختيار الاستراتيجيات و التكتيكات التي قد يكون من شأنها أن تحقق للمعارضة السورية هدفين: حفظ الوجود و البقاء، و القيام بدور فاعل و مؤثر في الإقليم الذي تمارس نشاطها فيه.

 

يوسف سلامة ـ كلنا شركاء

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.