طلاب مشردون، أساتذة مهاجرون، وشهادات مزورة.. الكارثة التعليمية السورية

طلاب مشردون، أساتذة مهاجرون، وشهادات مزورة.. الكارثة التعليمية السورية

 جامعة

جمال بيطار

خلال إحدى المحاضرات التي كان يُلقيها على طلاب السنة الرابعة “هندسة الحاسبات” في جامعة تشرين، وبعد قيامه بالاستفاضة بالشرح ومحاولة الإسقاط على أرض الواقع، يُخبرنا معيدٌ في تلك الجامعة أنّ إحدى الطالبات أخبرته “أستاذ لا تعذب حالك، نحنا راح ندرس كيف منحل الأسئلة يلي بيجي منها بالفحص وبكفي ليش لنعرف كل هالأمور، ما آخرتنا وظيفة ما أكتر”.

كان ذلك قبل بدء الثورة في سوريا، حيث قد يسهل رصد مستوى التعليم الجامعي في سورية، إلا أن ما فرضته الظروف الراهنة يصعب من خلاله هذا الرصد، بل ويتجه تقييم الوضع إلى ما هو أبعد من مجرد أسلوب تعليمي، حيث يصعب حتى تصور إلى أين يتجه البعد المعرفي والعلمي، وما هي القيمة الحقيقة لمؤسسات التعليم العالي في مجتمعٍ مزّقته الحرب وبات معظم سكانه يعاني إمّا من لجوءٍ أو من فقرٍ شديد يجعله بعيداً عن مناقشة الوضع التعليمي أصلاً.

عند النظر إلى حال الطلاب الجامعيين السوريين، يُمكننا تصنيفهم ضمن عدة فئات لعلّ أبرزها: الطلاب الموجودون في مناطق تخضع لسيطرة النظام والذين يستمرون في الذهاب إلى جامعاتهم بشكل منتظم إلى حدٍ ما، والطلاب الموجودون في مناطق تخضع لسيطرة المعارضة والقسم الأكبر منهم يخشى مغامرة السفر إلى جامعته الأم لمتابعة الدراسة وهذا الخوف هو خوفٌ من الاعتقال، الخطف أو الموت، أما القسم الثالث فهو اللاجئون في الخارج ولهؤلاء قصة مختلفة تماماً.

التعليم الجامعي قبل الثورة وبعدها..

من غي الممكن المقارنة ما بين التعليم الجامعي قبل آذار 2011 وبعده، كون ما تشهده الأرض السورية من أحداث ومواجهات ما زال مستمراً، وكون المؤسسة التعليمية عملياً لم تتأثر إلا بما هو سلبي على اعتبار أنها خاضعة لسيطرة النظام، بينما الجزء الخاضع منها لسيطرة المعارضة هو إما مدمر أو تابع لسيطرة تيارات متشددة حتى الآن.

يقول أحمد، طالب هندسة ميكاترونيك في جامعة البعث “حمص” لدى سؤاله عن مدى الفرق الذي شعر به في العملية التعليمية قبل بدء الثورة وبعده “لا فرق أبداً في مستوى كادر الجامعة، فالتعليم يتجه من سيء إلى أسوء”… الأمر سيّان لدى أحمد بين ما قبل وما بعد الثورة حيث يرى أنه واجبنا وضع حد  فاصل بين التعليم الجامعي وبين الثورة حالياً، فالمشكلة في التعليم “هيكلية، لقد كان سيئاً قبل بداية الثورة وكل ما قامت به الثورة أنّها زادت درجة السوء لا أكثر… أنا ولستُ متفائلاً أبداً بأي تطور يمكن أن يحدث في التعليم الجامعي” وفق المعطيات الواقعية.

يمكن البناء على ما قاله أحمد برؤية المستوى التعليمي الجامعي في سوريا، فما يصفه الطالب هي أوصاف يطلقها غالبية الطلاب سراً وعلناً وتتمحور حول أفكار أهمها أن “التعليم العالي في سورية روتيني وظيفي لا يُجهّز الطالب بالأدوات الإبداعية التي يمكنهم من خلالها التفوق بعد التخرج من الجامعة ولا يمكنهم الاعتماد على مؤهلاتهم الشخصية لإبداع مشاريعهم الخاصة… فهذا التعليم يؤدي إلى تحويل الطالب إما إلى عاطلٍ عن العمل أو إلى شخصٍ ينتظر فرصة الحصول على وظيفة إدارية في الغالب”.

اختلفت رؤية  قمر طالبة هندسة العمارة في جامعة دمشق عن رؤية أحمد، وقمر هي طالبة  نزحت مع أهلها من مدينة داريا في ريف العاصمة فتقول “قبل بدء الثورة، كان الاهتمام بدراسة الطالب أفضل ولم يكن هناك مقدارٌ كبير من التساهل، أما بعد قيام الثورة بدأ الطالب بالتغيب عن المحاضرات سواء العملية أو النظرية وأصبحت العلامات التي يحصل الطالب عليها لا تعبر أبداً عن المجهود المبذول من قبله”.

لهذه الحالة خصوصية معينة، فهندسة العمارة كانت من بين القليل من الفروع التي تحظى باهتمامٍ خاص، ربّما نتج هذا الاهتمام عن كونها من أولى أقسام الهندسة في سورية حيث بدأ تدريسها في الجامعات السورية في وقت مبكر، غير أنّ واقعها لا يعكس أصالتها كمادة تعليمية فهي كبقية الكليات في الجامعات السورية.

ووفقاً لقمر هناك سببٌ آخر أدىّ إلى تراجع العملية التعليمية في الجامعات السورية بعد الثورة حيث أن “نخبة جيدة من الأساتذة الجامعيين تركوا التدريس وبدأت الجامعة تعتمد على كوادر لا تمتلك الخبرة الكافية طلاب الماجستير مثلاً.

 هجرة المختصين

الطالبة هلا في جامعة دمشق توصف الحالة من جهة تأثرها بالأحداث بشكل أعمق فتقول “الجانب التعليمي والمعرفي هو الأكثر حساسية في حالات الصراع وفي كثير من الأحيان يُصبح الوضع التعليمي في البلد الذي يُعاني من صراعٍ ما، مؤشراً على المرحلة التي وصل إليها الصراع وهذا التناسب بين الاثنين تناسبٌ خطي، فكلما زاد الوضع التعليمي سوءاً في بلد الصراع، يمكننا الاستنتاج منطقياً أنّ الصراع تشتدُ وتيرته.

يظهر جلياً لنا أنه ومع تعمق الصراع في القاعدة المجتمعية للبلد، تبدأ كوادر التدريس الجامعي بهجرة البلد، هذه الهجرة تنعكس مباشرةً على واقع التعليم العالي في، حيث يقوم الأساتذة الجامعيين بترك البلد بحثاً عن فرصة أفضل للعمل وعن بلد مستقر.

ومن ناحية أخرى، يمكننا ملاحظة أمر آخر يُساهم في انخفاض عدد المدرسين الجامعيين وهو امتناع الكثير من المدرسين عن متابعة التدريس في الجامعة خوفاً من الاعتقال، فقد أصبح الكثير من المدرسين الجامعيين الذين عارضوا النظام في سوريا عرضة للاعتقال وربّما القتل ما دفعهم إلى البقاء في مناطقهم التي تخضع لسيطرة المعارضة.

 مافيات جديدة

يُخبرنا طالبٌ من السويداء رفض الكشف عن اسمه، وهو خريج هندسة معلوماتية بأنه حصل اختلافٌ كبير في الوضع التعليمي، “لقد شهدنا نقصاً في عدد الطلاب والكادر التعليمي بالإضافة إلى ذلك، هناك الكثير من الطلاب فقدوا أغلى ما يملكون وصرفوا انتباههم عن فكرة متابعة التعليم لينشغلوا بقضايا الثورة، وهناك قسمٌ آخر انشغل بدعم النظام وبدأ ممارسة التشبيح حتى على أساتذة الجامعات، في النهاية بدأت الشهادات المزورة بالظهور وامتلأت الجامعات بالمافيات”.

ضمن هذه الفوضى العارمة التي تشهدها سوريا، لن يكون ظهور المافيات أمراً غريباً، فانتشار ظاهرة الشهادات المزورة سيؤدي حتماً إلى مشكلة كبيرة كون هذه الشهادات تُمثل وهماً معرفياً، بالإضافة إلى ما ستقدمه من مساهمة في نشر المزيد من الجهل في المجتمع السوري مستقبلاً.

 كوارث تعليمية..

ربما أكثر ما ينبئ بالكارثة التعليمية في الجامعات السورية أن هناك أكثر من 5 ملايين طالب مدرسي وجامعي خارج مؤسساتهم التعليمية اليوم وفقاً للأمم المتحدة، هذا من جهة بينما دمار المدارس والمؤسسات التعليمية ينبئ بفقدان البنية التحتية التعليمية، بشكل يتوازى مع فقدان الكوادر التدريسية هجرةً وقتلاً واعتقالاً… ليفقد التعليم السوري أسسه الثلاثة طالبه ومدرسه ومؤسسته…

 الخارج.. الحلم

ليس خافياً عن أي سوري أن حلم إكمال الدراسة في جامعات عالمية لم يفارق أي طالب سوري منذ عشرات السنوات، إلا أن اليوم يصبح هذا الحلم مرتبطاً أحياناً بالهجرة الدائمة ويصبح ضرورة حقيقية للكثير من الطلاب…. يقول أحد طلاب جامع دمشق

“أسعى جاهداً لمتابعة الدراسة في بريطانيا، أحاول الآن السفر، ولكن بريطانيا تحديداً تُضيق الخناق على السوريين.. هذا التضييق ناتجٌ عن الخوف من طلبات اللجوء… أطمح يومياً في السفر إلى هناك وهذا ما أسعى إليه” ويردف: “لم أفكر باللجوء أبداً لأنّ العودة إلى سوريا هدفٌ مهم… سوريا تحتاج إلى أبنائها من أجل إعادة البناء، لكن للأسف لا أرى مستقبلاً واضحاً لسوريا على المدى القريب”.

لدى مجد، الطالب المطرود من جامعة البعث والمعتقل لمدة سبعة أشهر في فرع المخابرات الجوية في حمص وجهة نظر مختلفة “أهم شيءٍ لديَ هو السفر، الهجرة طبعاً، سأهاجر وأمامي الكثير من الوقت لأفكر لاحقاً بالدراسة، هناك في أوروبا سأكون محترماً وسأحصلُ على جنسية أوروبية”.

مجد الذي يرى السفر هو الحل يقيم اليوم كلاجئ في لبنان، يُخبر جسد مجد الكثير من القصص والمآسي عن الواقع السوري فهو يحملُ في جسده شظايا جراء إصابته في مظاهرة الساعة بحمص.. لدى مجد قصة سورية من الطبيعي أن تختتم بالهجرة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.