أطفال سوريا
حسام كنفاني ـ العربي الجديد
ضجّت، قبل أسبوعين، وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية بفيديو لطفل، قيل حينها إنه سوري، يتفادى رصاص القناصة للوصول إلى طفلةٍ، ويحاول إنقاذها. وعلى الرغم من الملامح الهوليوودية في الشريط، إلا أنه لاقى رواجاً كبيراً، قبل أن يتضح أن المقطع المصور مأخوذ من فيلم نرويجي، تم تصويره في مالطا، مخصص للحديث عن وضع الأطفال في الحروب.
فتح الكشف عن أصل الشريط الباب للأبواق المناهضة للثورة السورية للتشكيك في حقيقة كل ما كان يبث خلال سنوات الثورة من مشاهد، تروي ويلات ما يعانيه السوريون، وليعود الحديث عن المجسّمات، الذي انتشر في الأيام الأولى للثورة، حين روجت قناة “الدنيا” وجود مجسّمات تحاكي أحياء دمشق والساحات الرئيسية في المدن الكبرى، يتم فيها تصوير تظاهراتٍ، بمشاركة آلاف من الممثلين.
لكن، شتان بين رواية قناة الدنيا الخرافية وشريط “الطفل البطل”، كما اصطلح على تسميته. فما حاولت القناة السورية، شبه الرسمية، ترويجه وليد كتبة سيناريو رديء، لم يبذل مبدعوه قليلاً من الخيال، ليكون موضع تصديق، ومع هذا، وجد كثيرين من المطبلين للنظام السوري لتصديقه، لكنه لم يلق الرواج اللازم. على عكس الشريط النرويجي الذي لم يبذل منتجوه الكثير، ليتم تناقله وتصديق محتواه، خصوصاً أن السوريين يعيشون فيلماً لم تتفتق بعد أي ذهنية هوليوودية على إنتاجه.
تدور أفلام الحركة (الأكشن) الأميركية دائماً في حبكة “الأخيار” و”الأشرار” لتنتهي في انتصار الأولين على الأخيرين، بعد معاناة وعقد درامية. عقد توزّعت منفردة ومتنوعة في أفلام كثيرة، لكنها لم تجتمع في مكان واحد، على غرار ما يحدث في “الفيلم السوري الطويل”، خصوصاً أن أطراف “الشر” باتت متعددة، فلم يعد النظام السوري وحده محتكراً هذا الدور، على الرغم من أنه استلم البطولة المطلقة في الفترات الأولى للثورة. اليوم، بات هناك من يزاحم الرئيس السوري، بشار الأسد، على البطولة، فها هو “النجم الصاعد”، أبو بكر البغدادي، يظهر على الشاشة في دور “الخليفة”، ليأخذ حصته، أيضاً، من الدم السوري، ويخطف الأضواء بإعمال السكين في الرقاب، وينافس البراميل الساقطة على الرؤوس.
فرادة “الفيلم السوري” لم تقف عند تعدد مصادر الشر، بل في الحبكات التي حولت الخيال الهوليوودي إلى حقيقة، ولا سيما في عكس فداحة الحصار والتجويع، الذي دفع سوريين وفلسطينيين مسجونين في مخيم اليرموك، على سبيل المثال، إلى اللجوء إلى أكل القطط والكلاب للاستمرار. كنا نشاهد مثل هذا الأمر على الشاشات. لكن، لم نتوقع يوماً أن نعيشه واقعاً في القرن الحادي والعشرين. وربما علينا استرجاع مشاهد أفظع كانت تمر أمامنا في هذا الفيلم، أو ذاك، لتوقّع حدوثها على الساحة السورية، المفتوحة على المزيد من “الأبطال” الذين يريدون أن يأخذوا “فرصتهم” في الظهور العالمي.
والأنكى أن هذا الفيلم المرعب لا يزال مستمراً بلا نهاية واضحة، سيفاجئنا بمزيد من المشاهد التي تخطف الأنفاس، لكنها، لاحقاً، تجعلنا متعايشين مع واقع يعيشه السوريون، وكأنه ضمن تفاصيل الحياة اليومية. فكل يوم لا بد لنا من التقاط بعض المقاطع من هذا الفيلم، لنبدي التعاطف والحسرة، ونكمل حياتنا بشكل طبيعي بانتظار الحلقة الأخرى، التي قد نتابعها غداً، أو ربما تهطل علينا فجأة على شكل “خبر عاجل”.
أمام هذه التفاصيل السورية، تبدو الضجة التي أثارها الفيلم النرويجي مبررة، خصوصاً أنه جعل الطفل ينجو من رصاص القناصة، ويكمل “مهمته البطولية”. أما لو جعله يسقط مضرّجاً بدمائه أمام عدسات الكاميرا، فما كان سيحظى بهذا الكم من النقد. فالموت هو الحقيقة السورية المعتادة والمتابعة يومياً، وعكس ذلك مثير للاستغراب.
– See more at: http://www.alaraby.co.uk/opinion/d02fcfbd-fc9a-48d2-9623-395b8dda544c#sthash.BWAMRRPi.dpuf
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.