نيويورك تايمز: مقاتلو داعش الأجانب يملؤون السجون السورية في غياب أي دور لحكوماتهم

نيويورك تايمز: مقاتلو داعش الأجانب يملؤون السجون السورية في غياب أي دور لحكوماتهم

نشرت صحيفة النيويورك تايمز تقريراً عن السجون التي تضم أسرى يشتبه بهم أو متهمين بالقتال في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية ” #داعش” والذين تم إلقاء القبض عليهم من قبل قوات سوريا الديمقراطية (#قسد)، حيث أنشأت الأخيرة سجونا مؤقتة في زمن الحرب. وقد رافق مراسل الصحيفة وفداً من الكونغرس قام بجولة في اثنين من السجون – من أصل سبعة – وهي أول زيارة لهم حيث كانت الزيارات ممنوعة.

فعن سجن #عين_عيسى كتب المراسل: ما يزال البناء ذو الطابقين يبدو كما كان في إحدى المرات “مدرسة”, إلا أن أبواب قاعات الدراسة مغلقة بأبواب حصينة سوداء مدعمة بقفل من الخارج. ويحيط بباحتها رجال يحملون الرشاشات ويبحثون عن ظلٍّ يحميهم من حرارة الصحراء بجوار الجدران الخرسانية الضخمة.
كانت أصوات وقع خطى الزائرين وأصدائهم هي الأصوات الوحيدة في اليوم الأخير من جولتنا في ردهةٍ مزينة باللونين الأبيض والوردي, والتي كانت تعج بالتلاميذ ذات يوم. لكن ما أن فتح الحارس نافذة صغيرة في باب قاعة الدراسة ضغط على وجه رجل ليفسح المجال لظهور نحو 15 شخصاً آخرين يجلسون على حصران مرتدين قمصان سوداء بلا أكمام.

وأشار المراسل إلى أن سجون الرجال تضم حوالي 1000 رجل من 50 بلداً تقريباً. وأن هؤلاء السجناء يشكلون معضلة ليس لها حل, فبلدانهم الأصلية تمانع استعادتهم, خوفاً من تأثيرهم على السجناء المحليين وشدّهم نحو التطرف. كما تواجه بعض الدول موانع قانونية في محاكمة المقاتلين المنتمين إلى ميليشيا غير تابعة للدولة وتم استلامهم من قبل حكومة أخرى.
لكن من غير المحتمل أن تحتجزهم قسد إلى الأبد, كما يدور جدل داخل حكومة الولايات المتحدة الأمريكية حول أخذ عدد منهم إما للمقاضاة في محكمة مدنية أو إلى سجن الحرب “غوانتانامو” , لكن حتى هذا يترك مصير البقية مجهول.

وبحسب كريستوف كوستا, وهو من كبار مدراء مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي للرئيس ترامب, فالشك يلوح في الأفق باعتباره تهديداً للعالم, مشيراً إلى المجاهدين الذين قاتلوا في أفغانستان في الثمانينيات وهم الآن يتجولون في العالم بعد نشرهم الفوضى الإسلامية في أماكن مثل البوسنة, وقال: ” لا يمكننا أن نرتكب تلك الأخطاء مرة أخرى “.

إصلاح مؤقت
يشير المسؤولون إلى جميع الأسرى الذكور على أنهم “مقاتلين أجانب”. وبالرغم من أن داعش وضعت بعض المجندين في وظائف إدارية, إلا أنهم يعتقدون أن معظمهم ساعدوا في القتال مع انهيار ما يسمى بالخلافة.

وبحسب مسؤولين عن الاطلاع على نسخة حديثة للبيانات الحكومية الغير معلنة, فإن قسد تعتقل حوالي 400 رجل سوري بتهمة الانضمام إلى تنظيم داعش, و593 رجلاً من 47 دولة أخرى, العديد منهم من مصر والمغرب والسعودية وتونس وتركيا وحوالي 80 من أوروبا بما فيهم حوالي 40 من روسيا و10 إلى 15 من كل من فرنسا وألمانيا.

وبحسب قائد للعمليات الخاصة رفض الكشف عن اسمه, ساعد الجيش الأمريكي القوات الخاصة بتأمين حماية السجون إثر تسلل عدد قليل من السجناء من خلال ثقب في جدار سجن عين عيسى في الخريف الماضي. فأنفق نحو 1.6 مليون دولار للحماية. فقال: تم إنفاق حوالي 150 ألف دولار للطبقة المزدوجة من الجدران الخرسانية مسبقة الصنع في سجن عين عيسى, وقد تم تركيبها في شهر حزيران, وسوف تجهّز الكاميرات الأمنية وبوابات للمداخل قريباً. كما ساعد في تجديد #سجن حكومي سابق في محافظة الحسكة والذي سيضم ما يصل إلى 1000 معتقل من خلال مبلغ يصل إلى 750 ألف دولار.

وبالرغم من تأمين حماية السجون, إلا أن الصحيفة تكشف بأنه من غير المحتمل أن تصبح قسد سجّان دائم لهؤلاء المعتقلين. فهي ليست حكومة مستقلة بنظام قضائي معترف به. فقد أقامت محاكم خاصة بالإرهاب وألغت عقوبة الإعدام لكنها تستخدمها مع السوريين فقط وليس الأجانب. كما أن وجودها الجغرافي السياسي ليس ثابتاً, فقد أشار السيد ترامب – بالرغم من إشارات أخرى متضاربة – إلى رغبته بسحب القوات الأمريكية من سوريا قريباً. كما هُددت من قبل الجيش التركي وميليشيات المتمردين الأخرى ومن الحكومة السورية المدعومة من روسيا, والتي تتعهد بإبرام اتفاق مع رئاستها الكردية, وبذلك يمكن أن تفقد السيطرة على السجون مع احتدام الحرب.

ليندسي غراهام, جمهوري من كارولينا الجنوبية وعضو في مجلس الشيوخ, قال بعد لقائه بمسئولين من قسد وتجوله في السجون أنه لم يعد يشعر بالقلق حيال الاختراقات أو الانتهاكات, لكنه أًصبح أكثر قلقاً بشأن هشاشة موقف المجموعة. وأضاف: “وضع السجن أفضل مما توقعته, والأشخاص الذين يديرونه أفضل مما اعتقدت. لكنني الآن قلق من الوضع القادم, فالسجن ليس حالة مستدامة كما كنت اعتقد, المعتقلون سيواجهون الموت أو سيخرجون إلى الشارع”.

تحسين الشروط

بحسب هفال خبات, وهو رئيس قسم الاستخبارات الإقليمي ويشرف على سجن عين عيسى وسجن آخر في كوباني الحدودية, فقد حوّل الأكراد مدرسة عين عيسى إلى سجن قبل عام, خلال الاعتداء على معقل داعش السابق “الرقة”, وقال: “لم يكن لدينا الوقت, لقد قمنا ببنائها بسرعة كبيرة. كان لدينا سجن كوباني لفترة قصيرة لكنه لم يكن كافيا لكل هؤلاء المعتقلين”.

كما أوضح أن منشأة عين عيسى احتجزت 223 مشتبهاً لداعش من سوريا, ويفوق عدد المحتجزين في سجن كوباني 200 شخص من بلدان أخرى. وأكد السيد خبات بذل الجهود المتاحة “بمواردهم المحدودة” لجعل الظروف أكثر أمناً وإنسانية. كما أشار إلى أن طبيب مشترك يزور سجن كوباني مرة كل أسبوع, وأن المعتقلين يقضون ساعة في اليوم في فناء تفرشه الأعشاب. الزنزانات التي عرضت على الوفد تبدو مكيفة وتضم تلفاز, وقال الهفال بأن المعتقلين شاهدوا مباريات كأس العالم.

وبحسب التقرير, تزور قوات العمليات الخاصة الأمريكية السجون عدة مرات في الأسبوع لتقديم الخبرات حول كيفية تأمينها وتشغيلها, والمساعدة في التعامل مع الأسرى الجدد واستجوابهم. وأكد الجنرال بول فونك الثاني, قائد قوات التحالف التي تحارب في العراق وسوريا, أن مهمتهم عدم احتجاز الناس.
ولتحقيق هذه الغاية يساعد الجيش الأمريكي أيضاً في تدريب حراس سجن قسد. وعند سؤال القائد عما إذا كان هناك ادعاءات تتعلق بانتهاكات بحق المعتقلين, اعترف ببعضها وقدم تفاصيل قليلة عن حادثة وقعت في الخريف الماضي حققت قسد بالحادثة وعاقبت الحارس.

وأكد هفال خبات أن معظم معتقلي داعش لم يتسببوا إلا بالقليل من المشاكل باستثناء عدد قليل من تونس والمغرب حيث وصفهم بالأكثر تطرفاً, وقال: “عندما يكون لدينا شخص سيء نتحدث معه ونضعه في زنزانة معزولة لمدة 24 ساعة”. وبحسب الصحيفة, لم يرى الوفد زنزانة الحبس الانفرادي, ورفض مسؤول عسكري أمريكي طلب الصحيفة التحدث مع معتقل.

السجناء في حالة نسيان

مصير أول رجل أمريكي ألقت قسد القبض عليه في الحجز العسكري الأمريكي في العراق غير مؤكد, فلم يتم إطلاق سراحه بعد. وقد تم تسجيله من قبل داعش على أنه مقاتل, لكن لم يتم اتهامه بالقتال. وعندما قررت المحكمة عدم وجد أدلة كافية لمقاضاته اقترحت إدارة ترامب تسليمه إلى المملكة العربية السعودية – حيث أنه مواطن مزدوج الجنسية- أو إعادته إلى داخل سورية.

إلا أن محاموه يحاربون كلتا الفكرتين. فبحسب التقرير, أدى نفور واشنطن من إعادته إلى الوطن إلى تعقيد الجهود الرامية إلى تشجيع البلدان الأخرى على استعادة مواطنيها. ويؤكد اثنين من سجناء كوباني المأزق, فمن المرجح أن الشافعي الشيخي وأليكساندا كوتي هما جزء من خلية داعش التي احتجزت وانتهكت الرهائن الغربيين الذين أسمتهم “البيتلز” بسبب لهجتهم البريطانية. حيث قتل بعض الضحايا – بما فيهم الأمريكيين – في أشرطة فيديو دعائية شنيعة.

بريطانيا جردت مواطنيها من المعتقلين من الجنسية, ورفضت احتجازهم. وتناقش إدارة ترامب ما إذا كان يتوجب على الولايات المتحدة مقاضاتهم أو نقلهم إلى غوانتانامو.
وبحسب الصحيفة, يفضل أخصائيو الأمن الوطني المحاكم المدنية التي أدانت الكثير من الإرهابيين على محاكم غوانتنامو غير الفعالة. لكن مسئولي إدارة ترامب يبحثون عن مرشحين ليصبحوا أول المحتجزين منذ العام 2008, والسيد غراهام – أحد أنصار احتجاز المشتبه بأنهم إرهابيين في فترة الحرب – يطلب استجوابهم بدون محامين, وفي حال إذا كان الشخص خطير لا يمكن محاكمته يقترح أن يعتبر المعتقلان فرصة لإعادة فتح معتقل غوانتانامو للقيام بأعمال جيدة.

وقال غراهام إنه يجب في نهاية المطاف محاكمة هذين الرجلين في محكمة مدنية. لكنه زعم أيضاً أن وصول الرجلين إلى غوانتانامو من المرجح أن يلغي الكونغرس إثره قانوناً يمنع نقل المعتقلين من كوبا إلى الأراضي المحلية للمحاكمة.

وقد تمت مناقشة وضع السجينان من قبل السيد غراهام والسيناتور جين شاهين مع قادة عسكريين وزعماء من الائتلاف الدولي في العراق وسوريا, فقال السيد غراهام: “لا أريدهم أن يقتلوا”, وأضاف: “علينا التوصل إلى نظام منطقي بحيث إذا ما القينا القبض على شخص ذي قيمة استخباراتي يمكننا الوصول إلى ما يعرفه”.
لكن السيدة شاهين قالت بأنه يجب تقديم المتهمين إلى العدالة مباشرة وتسليمهم للمحكمة, وأضافت أن إدانتهم ستبعث برسالة أفضل من إعادة تنشيط غوانتانامو معتبرة المعتقل ” أداة لتجنيد الإرهابيين” .

مساحة محدودة

ومع ذلك, اتفق المشرعان على شيء آخر, وهو يجب تقديم المقاتلين الأجانب المتهمين إلى حكوماتهم. وبينما تنتظر قسد دعم قدراتها على إدارة السجون, تم الانتهاء من تجهيز السجن الحكومي القديم في الحسكة بشكل تقريبي, وسوف يتم دمج معتقلي داعش الذكور هناك ابتداء من شهر آب, حيث تعتقل “S.D.F” نساء وأطفال من داعش في معسكرات النازحين وتحدد كل حالة على حدة, فتضع المراهقين الذكور في مكان مختلف, حسبما ذكر مسئولون.

وقال المراقب عدنان علي مبتسماً, إنه لا يريد أن تصبح الحسكة مدرسة للإرهابيين, حيث يصبح السجناء أكثر تطرفاً ويشكلون شبكات. لذا سوف يتم حظر الصلاة الجماعية وستمنع عن السجناء مواد دينية معينة. ولكن كجزء من الجهود المبذولة لمساعدة الجهاديين على التفكير بشكل مختلف, قال: سوف نعاملهم مثل بقية الناس. وعلى عكس الحكومة السورية الوحشية وسجون داعش, سوف يرتدون ملابس عادية ويحصلون على تلفزيون وكتب كما يمكن لعائلات السوريين – على الأقل – زيارتهم.

وأضاف علي أن احتجاز المقاتلين الأجانب يشكل عبئاً كبيراً على كاهلهم ولكن رغم ذلك سنحتفظ بهم حتى لا يضروا بقية العالم ولو تطلب الأمر إطعامهم حصص مقاتلينا من الطعام. وناشد في النهاية الدول الأخرى لاستعادة مقاتليهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.