في الذكرى الرابعة لهجوم داعش على الإيزيديين في العراق, نشرت ليبراسيون شهادةً للمحامية ناتيا نافروزوف تروي فيها محاولة طائفتها #الإيزيدية استعادة هويتها التي ضاعت أمام عيون العالم وصمت الجميع. ففي الثالث من شهر آب عام 2014 أطلق تنظيم الدولة الإسلامية حملته ضد إيزيديي العراق حيث قتل مئات الرجال واستعبد آلاف النساء وخطف وجنّد المئات من أطفالهم. وبعد أربع سنوات من هذه المأساة لا يزال أكثر من ثلاثة آلاف امرأة وطفل إيزيدي مفقودين, وثلاثمائة ألف إيزيدي آخرين يعيشون في مخيمات في شمال العراق بدون أي مورد أو رؤية واضحة للمستقبل.

بعد أربعة سنوات يبدو أن الشعب الإيزيدي يواجه أيضاً اضطرابات عميقة سواء في علاقاته مع العالم أو داخل الطائفة نفسها الأمر الذي أصبح دعامة جديدة للمرأة داخل هذه الطائفة. حيث تبين نافروزوف أنها قد تعلمت من هذه الحياة شيئان رئيسيان: الأول أنها إيزيدية والثاني أن العالم لم يكن لديه أدنى فكرة عمن هم الإيزيديون, وتقول: كنت قد اعتدت على ذلك, إلا أنه وفي بداية شهر آب من عام 2014 سمعت وأنا مذهولة الصحفيين يكررون اسمنا وفي غضون أيام قليلة كان تنظيم الدولة الإسلامية قد تمكن من طرد شعب بأكمله من أراضيه فأصبحت مأساة الإيزيديين تشغل العالم فعاد السؤال ثانية: من هم الإيزيديون؟ من هم قلت في نفسي! إنهم شعب لا حول له ولا قوة يجب أن ننقذهم لكن العالم استمر بالنظر من بعيد دون أن يتدخل.

وتتابع نافروزوف: لقد كان الإيزيديون متكتمون ولزمن طويل عن هويتهم وعند سؤالهم كانوا يجيبون لكن كانت إجاباتهم مقتضبة, لذلك فقد تم جمع بقية المعلومات وتحليلها من قبل الإثنيات الأخرى, وقد كانت هذه المعلومات مشوهة وخطيرة. فقد سألني صديق منذ حوالي عشر سنوات: هل صحيح أن الإيزيديين هم عبدة الشيطان؟ ثم سألني بعد ذلك إن كنت قد قضيت عطلة نهاية الأسبوع في صومعة سوداء؟ لكنني وقتها لم أكن أدرك مدى الجنون من هذا التفسير الخاطئ للديانة الإيزيدية ومدى خطورة ذلك, كما أنني لم أكن أعرف أنه على بعد آلاف الأميال قد تعرض اللإيزيديون للاضطهاد والقتل والاستعباد بسبب سوء فهم ديانتهم.

مرت أربع سنوات منذ أن فهم الإيزيديون أن يقولوا للعالم اليوم من هم, فلم يعد هذا الفهم الخاطئ للديانة الإيزيدية يضحكني مع يقيني أن إعادة تأهيل الإيزيدية, وهو دين عمره بضعة آلاف من السنين, قد أصبح مسألة حياة أو موت لإيزيديي العالم.

وتبين ليبراسيون كيف أن مذابح عام 2014 قد غيرت العلاقة بين الإيزيديين أنفسهم في كافة أنحاء العالم فكثير من الإيزيديين القادمون من الشتات في القوقاز والشرق الأوسط قد تم لمّ شملهم مرة أخرى فجأة. “هل أنتِ إيزيدية من جورجيا؟ لم أكن أعرف أن هناك إيزيديين في جورجيا!” لقد اعترف لي أحد إيزيديي العراق هذا الاعتراف فنظرنا إلى بعضنا البعض بذهول, تقول نافروزوف. كما تم عقد اجتماعات حقيقية للطائفة الإيزيدية المشتتة في بقاع الأرض.
فقد اختلط اللاجئون الإيزيديون من العراق وسوريا ببعضهم بعد أن كانت قد شتتهم الصراعات والحروب على مر التاريخ, وقد بدءوا بتوطيد علاقاتهم واستعادة ما فقده أسلافهم منذ مئات السنين متقاسمين وجبات الطعام وحفلات الأعياد وهم يلاحظون بفضول اختلاف بعض عاداتهم وتشابه بعضها. وشعور واحد كان يحمله الجميع: ضرورة العثور على مكان في العالم يجمع الإيزيديين ويمنع إبادة هذا الشعب مرة جديدة.

لقد توقع تنظيم الدولة الإسلامية أن تؤدي الفظائع المرتكبة بحق الشعب الإيزيدي إلى إثارة الرأي العام ولو بطريقة مبهمة وأن تثير هذه الجرائم بعض الاحتجاجات ثم تعود لتسقط في عالم النسيان. لكن ما لم تتوقعه داعش هو أن ترتفع الأصوات من الداخل ومن قبل الضحايا أنفسهم الذين كانوا يذبحون دون أدنى عقاب للفاعل! وقد نسي كذلك ما يسمى بطلاب الشريعة, الذين طلب منهم تحضير دراسة عن الإيزيديين قبل بدء الهجمات, أن الإيزيديين وإن كانوا غير معروفين جيداً فإنهم في كل مكان وفي كل قارة, وأنهم مشرّبون بالثقافات المتعددة. فالإيزيديون اليوم يتحدثون أكثر من اثنتي عشرة لغة. وقد بات من غير الممكن أن يبقوا صامتين, لذلك فقد أطلقوا الحملات على القنوات التلفزيونية والإذاعية وفتحوا مواقع على الانترنت لتحديد الهوية الإيزيدية والدفاع عنها, لقد تحدثوا بصوت واحد: صوت الإنسانية. لقد تلقوا سيلاً من الكراهية فكانت إجابتهم موجة من المقاومة السلمية.

وتكشف ليبراسيون كيف أن تغييرات هيكلية حقيقية قد حدثت في النهاية ضمن هذه الطائفة المضطهدة. فقد فرضت النساء الإيزيديات أنفسهن على العالم بينما حاولت داعش تدمير شعب بأكمله من خلالهن. حيث باع هذا التنظيم الإرهابي النساء الإيزيديات في أسواق العبيد واغتصبوهن وأذلوهن, والأسوأ من ذلك أنهم جعلوهن يعتقدن أن مجتمعهن لم يعد يريدهن بعد أن باتوا “مدنسات”. لكن الإيزيديين قد تغلبوا على التقاليد القديمة مضحين بقداسة جسد المرأة فأعادوا الناجيات منهن إلى المجتمع. والأفضل من ذلك أنهم جعلوا منهن رموزاً, وباتت النساء الإيزيديات حاملات لقضية شعب بأكمله. لقد أصبحت المرأة الإيزيدية رمزاً للعصيان لتظهر للعالم ما حاول رفض رؤيته.

وتختم المحامية نافروزوف: لطالما شعرت بأني مختلفة عن باقي أعضاء مجتمعي فقد كنت ذلك الشخص الذي لا يزال يدرس ولا يهتم بالزواج التقليدي كل هذا يبدو بعيداً اليوم, أنا الآن شخص ينظر إليها العالم على أنه امرأة متعلمة ومستقلة, امرأة يستمع العالم لرأيها. لقد فهم الإيزيديون أنه إن كانوا يأملون في مستقبل لهم ولأجيال المستقبل فمن الضروري تعليمهم, رجالاً ونساء على حدٍّ سواء, كي لا يطرح السؤال مرة أخرى: “من هم الإيزيديون؟”

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.