بين “النصر وإعادة الإعمار” .. “العودة الآمنة” للاجئين

بين “النصر وإعادة الإعمار” .. “العودة الآمنة” للاجئين

رجا أمين

خلال الانتخابات اللبنانية ارتفعت لهجة جزء من الخطاب السياسي اللبناني ضد اللاجئين السوريين وعودتهم “الآمنة” إلى سوريا، الأمر الذي فسر على أنه مجرد “تسخين” يسبق الانتخابات بهدف ومخاطبة مخاوف فئة من اللبنانيين في ممارسة شعبوية متوقعة لكسب أصوات انتخابية.

صحيح أن أصحاب هذا الخطاب ليسوا بجدد على التحريض ضد اللاجئين السوريين، ولكن محتوى الخطاب لجهة العودة والمناطق الآمنة كان جديدًا في مصطلحاته وتوقيته، والغريب أن هذا الخطاب لم ينته بفتح صناديق الانتخاب وفرز الأصوات، بل استمر بعدها وشهد إجراءات تصعيدية انعكست توترًا داخل حكومة تصريف الأعمال بين وزير الخارجية جبران باسيل ورئيس الحكومة #سعد_الحريري، إذ عمد وزير الخارجية إلى اتهام مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأنه يحرض اللاجئين السوريين في لبنان على عدم العودة إلى سوريا مثيرين مخاوفهم من التهديدات التي قد تصيبهم في حال عودتهم إلى سوريا. الأمر الذي قوبل بامتعاض سعد الحريري وتدخله ورد المفوضية بقولها إنها تقوم بواجبها لا أكثر ولا أجندة سياسية لعملها.

استمرار هذا الخطاب بعد حصول الانتخابات تمت قراءته من قبل مراقبين على أن وراء الأكمة ما وراءها، ليس الأمر فقط مجرد حصد أصواتٍ انتخابية، خاصة مع دخول #حزب_الله على الخط بشخص أمينه العام حسن نصر الله الذي أعلن خلال إحدى كلماته المتلفزة عن تشكيل حزب الله لجنة ستفتتح مكاتب في عدة مناطق لبنانية لاستلام طلبات “الأخوة النازحين السوريين” الراغبين بالعودة إلى سوريا من أجل تسوية أوضاعهم مع النظام السوري وبالتنسيق مع الأمن العام اللبناني.

تكلم حسن نصر الله في هذا الموضوع وكأنه الحاكم بأمر الله في لبنان، وكأن له صفة حكومية أو سلطوية ما، وليس مجرد أمين عام حزب… على كل حال يبدو أن كلامه قد شكّل بوصلة لجهات سياسية أخرى في لبنان إذا أعلن التيار الوطني الحر بدوره افتتاح مكاتب مماثلة، ثم ما لبث الأمن العام اللبناني نفسه أن بدأ باستقبال طلبات اللاجئين السورين في هذا الإطار، خاصة بعد أن نفذ عمليات نقل للاجئين سوريين من منطقة سهل البقاع إلى سوريا بالتنسيق مع النظام وفي ظل تغطية إعلامية واسعة.

اكتملت الصورة مع لقاء ترمب وبوتين في هلسنكي وما أعقبه من كلام روسي رسمي عن موضوع عودة اللاجئين، ثم تأكيد رئيس المركز الوطني لإدارة شؤون الدفاع على أن السفارات الروسية في 11 بلدًا قامت بإحصاء ومطابقة احصائيات للدول المستضيفة مع أرقام مفوضية اللاجئين في إطار العمل على إعادة اللاجئين إلى سوريا.

عودة اللاجئين تحت مسمى “العودة الآمنة” تبدو رغبة روسية رسمية ربما جرى تنسيقها مع ترمب، يتبناها ويسوق لها الأتباع والحلفاء الصغار، الأمر الذي يفسره بعضهم بأنه رغبة من الروس في اكمال عناصر “نصر” النظام أمام المجتمع الدولي، “فها هم حتى اللاجئون الذين هربوا من الإرهاب قد عادوا، ومن لم يعد فهذه مشكلته هو”، ولكن مرور الوقت أبرز ناحية أخرى لموضوع اللاجئين، إذ صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قائلًا إن اللاجئين عبءٌ على الدول الأوروبية التي عليها أن تشارك في إعادة الإعمار وتمولها لتخفف من هذا العبء.

هما أمران إذن، تقوية عوامل ادعاء النصر وعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الثورة أولًا، واستجلاب أو ابتزاز المعسكر الغربي لتمويل إعادة الإعمار التي تقدر بمئات مليارات الدولارات ثانيًا، فالمعسكر المحسوب رابحًا، أي روسيا وإيران ليس في وارد الإنفاق على إعادة الإعمار إذ أن أحوالهما الاقتصادية أقل ما يقال عنها أنها ليست على ما يرام، أما أوروبا وأميركا فهي لن تمول إعادة إعمار دون انتقال سياسي في سوريا، الأمر الذي أكد عليه الأوروبيون خاصة أكثر من مرة.

بالعودة إلى موضوع عودة اللاجئين السوريين في لبنان عودة آمنة إلى سوريا، اتضح بالتجربة ووفق عمليات إعادة اللاجئين التي رعاها الأمن العام اللبناني أن المشكلة في الحقيقة هي لدى النظام السوري الذي وافق في إحدى المرات على إعادة أقل من 400 لاجئ من أصل مجموعة أعلن عنها الأمن العام اللبناني مكونة من 3000 لاجئ!

حسب السردية الروسية وسردية حزب الله فإن عودة اللاجئين السوريين في لبنان دونها فقط تسوية أوضاع هؤلاء اللاجئين مع النظام السوري، وهي الباب الأكثر وضوحًا لعودة التنسيق والتعامل الرسمي مع النظام السوري من قبل الحكومة اللبنانية التي يرفض رئيسها سعد الحريري أي تعامل مع نظام دمشق، وتدور اليوم في كواليس تشكيل الحكومة المتأخر في لبنان أن لا حكومة ستشكل دون تطبيع العلاقات مع النظام السوري.

أما على صعيد عودة اللاجئين، وبعد التوجه بالسؤال إلى بعضهم، وبالنظر إلى تقرير مركز كارنيجي بيروت “أصوات مهمّشة: ما يحتاجه اللاجئون السوريون للعودة إلى الوطن”، يتبين أن توفر الأمن والسلامة شرط أساسي للعودة، والنظام السوري لم يقدم مثالًا ناجحًا واحدًا على ذلك رغم تعدد “المصالحات” التي عقدت بإشراف روسي، وتأتي أيضًا الخدمة العسكرية الإلزامية بدورها بين الأسباب الأهم التي تمنع من هم في سن التجنيد والخدمة الاحتياطية من العودة إلى بلدهم، ولا يمكن أيضًا إهمال العامل الاقتصادي المتمثل في خطر فقدان ملكيات المنازل والأراضي مع المراسيم الملغومة التي يقرها النظام، وضعف القيمة الشرائية للرواتب في سوق العمل السورية مع ارتفاع أكلاف المعيشة ما يجعل رب أي أسرة لاجئة في لبنان إن توفر له الأمن والسلامة، يفكر ألف مرة بطرق تأمين قوت عائلته في سوريا قبل العودة إلى هناك.

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.