نشر موقع Grayzone project الإخباري تقريراً صحفياً كشف فيه كيف أصبح رجل الأعمال السوري الغير معروف تقريباً خالد الأحمد صلة الوصل السرية بين دمشق والغرب، وما أدت إليه وساطته إلى التعامل بهدوء مع الحرب السورية الطاحنة إلى نتائج لصالح النظام وصولاً إلى نهايتها.

حيث كشف التقرير في جزئه الأول حول عملية المصالحة في سوريا كيف تمكن النظام السوري من تحقيق النصر بعد سبع سنوات من الحرب الطاحنة التي اجتاحت البلاد. فوفقاً لمسؤولين في الأمم المتحدة ومسؤولين دبلوماسيين حاليين وسابقين، فإن انتصارات الحكومة السورية الأخيرة في الغوطة الشرقية وفي جنوب سوريا يمكن إسنادها إلى رجل واحد، إنه رجل الأعمال خالد الأحمد مبعوث الحكومة السورية السري الذي دبر استراتيجية المصالحة للنظام السوري.

فقد لعب خالد الأحمد دوراً استثنائيا في بناء جسورٍ مع أعداء دمشق. وبالرغم من دوره الرئيسي في جعل الحرب في سوريا – أحد أسوء النزاعات منذ الحرب العالمية الثانية- تصل إلى نهايتها، إلا أنه لا يزال غير معروف بشكل كامل في وسائل الإعلام الدولية. كما أنه نادراً ما تم تداول اسمه حتى بين المراقبين والخبراء في الشأن السوري.
ويكشف التقرير كيف أن الانتصارات التي حققتها قوات النظام السوري في منتصف شهر تموز من العام الحالي قد دفعت بالحكومة الإسرائيلية إلى التعاون مع روسيا لتسهيل عودة القوات السورية ومراقبي الأمم المتحدة في مرتفعات الجولان كما كان هو الحال قبل عام 2011. حيث صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه لم يعد لديه أي اعتراض على بقاء الأسد في الحكم. من جهة أخرى لم يمانع وزير الدفاع الإسرائيلي في أحد تصريحاته من إمكانية إقامة علاقات دبلوماسية مع النظام السوري.

إن إعادة سيطرة النظام السوري على جنوب البلاد كان له هدف أساسي، وهو إعادة فتح معبر نصيب الحدودي مع الأردن وإعادة الوضع على ما كان عليه قبل 2011. من جهتها، لم تبدي الولايات المتحدة أي اعتراض على الانتصارات التي حققها النظام السوري مؤخراً، موجهة بذلك رسالة ضمنية إلى وكلائها السابقين المعارضين للأسد بأنهم باتوا بمفردهم. كذلك لم تبدي أي من إسرائيل أو الأردن اعتراضهما طالما أن العملية كانت سورية بحتة دون أي دور واضح للميليشيات الإيرانية أو الشيعية في المعارك.

ويكشف التقرير كيف أن عملية المصالحة قد بدأت في عام 2015 عندما حمل خالد الأحمد رسالة إلى برلين. حيث التقى هناك بممثلين عن الجبهة الجنوبية، وهي ائتلاف من الجماعات المعارضة المسلحة المدعومة من الغرب والمملكة العربية السعودية والتي حصلت على دعم من مركز العمليات العسكرية الذي تديره الولايات المتحدة الأمريكية في الأردن. وقد تم تسليم تلك الرسالة نفسها إلى قادة الفصائل في الجبهة الجنوبية، حتى أن بعض القادة البارزين قد دخلوا سراً إلى دمشق للقاء ضباط من الأمن قبل العودة إلى الجنوب السوري. وقد شكلت سلسة اللقاءات هذه الأساس لاتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب الذي أصبح في النهاية منطقة التصعيد الروسية الأمريكية. وقد تم التنسيق مع وفيق ناصر، رئيس أحد الفروع الأمنية في الجنوب حيث تم تقديم عرض بأن يتم السماح للجبهة الجنوبية بإدارة الجنوب السوري نيابة عن النظام السوري. الأمر الذي وصفه أحد المراقبين الغربيين بأنه يتيح للمعارضة في جنوب سورية فرصة أن تصبح “السلطة الفلسطينية في الجنوب”. وهو تشبيه ساخر للمعارضة السورية التي باتت بلا أنياب في مقابل الحكومة السورية التي تشبه دولة الاحتلال الإسرائيلي.

وفي غضون سنوات الحرب السبعة في سورية، اكتسبت العديد من الشخصيات التي لم تكن معروفة من قبل شهرة في جميع أنحاء العالم. في المقابل تمكن خالد الأحمد من البقاء مجهول الهوية إلى حد كبير. إلا أن أحد المراقبين القلائل الذين استوعبوا أهمية خالد الأحمد كان طوني بدران، وهو ناشط في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ومقرها واشنطن. حيث لاحظ بدران أن خالد الأحمد كان قد ظهر لفترة وجيزة في وسائل الإعلام في عام 2012 عندما تسربت رسائل البريد الإلكتروني لبشار الأسد وكان من ضمن هذه الرسائل رسالة تنصحه بجعل الأحمد مستشاراً له. ووصف بدران خالد الأحمد بأنه الرجل الذي سيكون صلة الوصل بين البيت الأبيض والأسد. حيث يظهر خالد الأحمد وهو يقدم المشورة في قضايا مختلفة تتراوح ما بين السياسة الأمنية إلى السياسة النقدية. كما أشار بدران إلى ارتباطات خالد الأحمد بالصحفي في شبكة الجزيرة نير روزن في ذلك الوقت، مضيفاً إلى أن علاقة الأحمد مع روزن ستستمر وستتقاطع في نهاية المطاف مع قنوات أخرى أكبر بتكليف من بشار الأسد وهي الاتصال بالبيت الأبيض.

عاد خالد الأحمد إلى الظهور مرة أخرى في مقال له في شهر كانون الأول عام 2015 في صحيفة وول ستريت جورنال حيث كشف فيه الأحمد عن اتصالاته مع أوباما التي بدأت في أواخر عام 2013 عندما التقى روبيرت فورد، المبعوث الخاص لسوريا لتقديم التعاون بين نظام الأسد والولايات المتحدة في محاربة الإرهاب. وكشف الأحمد في المقالة ذاتها بأنه هو من رتب في عام 2015 لزيارة ستيفين سيمون لدمشق ومقابلة الأسد, حيث كان سيمون رئيساً لسياسة الشرق الأوسط في البيت الأبيض لأوباما حتى عام 2012.
من جهة أخرى يكشف التقرير عن مدى ذكاء خالد الأحمد وسياسته الناجحة التي صبت في النهاية في مصلحة النظام. فقد كان رجل الأعمال المغمور هذا هو اللسان الناطق باللغة الإنكليزية للحكومة السورية للتأثير على البيت الأبيض وسياسة الأمم المتحدة بشأن سوريا. فمن خلال إرسال الأحمد إلى موسكو وأوسلو للاجتماع مع الروس تمكن الأسد من زرع أفكاره الخاصة في رؤوس المسؤولين الروس ومنعهم من اقتراح أفكار لا يقبلها النظام السوري. وبدلاً من ذلك قام الروس بمبادرات مثل محادثات سوتشي التي غيرت معالم ما يمكن مناقشته في التحضيرات الدولية.

ويبدو أن إستراتيجية خالد الأحمد تنطوي على فكرتين رئيسيتين: الأولى هي إقناع الغرب والولايات المتحدة بأنه كان هناك دولة ويجب الحفاظ عليها، والثانية كانت دعم المصالحة كطريقة لبناء جدار ضد انتشار النفوذ السلفي وظهور قادة محليين جدد. ووفقاً لما قاله غربيون تعاملوا معه, فإن الأحمد يعتقد أن المصالحة كانت أداة عسكرية تطبق بشكل أفضل على المناطق المحاصرة جزئياً. وبمجرد اختيار منطقة ما ومحاصرتها, فإنه يمكن للحكومة السورية فتح التجارة والسماح بتدفق البضائع فيها.
ويبين التقرير أنه من غير الواضح حتى الآن كيف ارتفع شأن خالد الأحمد من الغموض النسبي ليصبح محامي الشيطان، فمصادر متعددة تؤكد أن صعوده كان نتيجة إحباط نظام الأسد لعدم كفاءته وخيانة مستشاريه. فبدأ الرئيس السوري بالالتفاف على التسلسل الرسمي للقيادة وتعيين مستشارين غير رسميين كانوا يقدمون تقارير مباشرة إليه. وفي حين كان من غير المعتاد أن يختار الأسد رجلا يبلغ من العمر 30 عاماً ولم يكن يوماً جزءاً من جهازه الأمني ليكون ممثله السري في الخارج. كما أن هناك الكثير من الالتباس حول طائفة الأحمد لكن من المؤكد أن أصوله من حمص واسمه يوحي بأنه مسلم سني مما ساعد على بناء جسور التواصل مع فصائل المعارضة، ووفقاً لأولئك الذين تحدثوا إليه فهو شخص موالي لبشار الأسد بشدة ويعتقد فعلاً بأنه الشخص الوحيد القادر على ضمان استقرار الدولة السورية وانتصار سورية على الأزمة.

من جهة أخرى يبين التقرير أن خالد الأحمد غير موجود على قائمة العقوبات الغربية كما أنه غير ممنوع من السفر وأنه يسافر بشكل متكرر إلى أوربا، حيث التقى مسؤولين في عدة حكومات كما أنه التقى بممثلي المعارضة المسلحة في مدن أوربية مختلفة بما في ذلك برلين وجنيف وأوسلو.

ويشير التقرير بأنه وإن لم تسفر سنوات التواصل التي قام بها الأحمد نيابة عن النظام السوري عن تغيير جذري في سياسات أعداء دمشق, إلا أنها حالت دون تبني سياسات أكثر راديكالية. في الواقع، ساعدت جهوده على تطبيق فكرة التهدئة والمصالحة ووقف إطلاق النار المحلي واللامركزية كبديل للحرب التي لا نهاية لها.
وبنظرة متأنية على جهود خالد الأحمد، يوضح التقرير بأن المصالحة في الهامّة وهي ضاحية سنية في دمشق كانت تخضع لسيطرة المعارضة تأتي بعدها قدسيا. وقد كانت هذه المناطق أولى الضواحي في دمشق التي تم تطبيعها.

وينهي موقع Grayzone Project تقريره بأن الحياة قد عادت إلى طبيعتها في الهامّة بعد اتفاق المصالحة الذي تم توقيعه على يد خالد الأحمد. ففي عام 2016 كان شارع الهامّة الرئيسي خالياً, واليوم يعجّ بالسيارات والعائلات التي تتدفق من وإلى المحلات التجارية المحلية. وأن أربعة من المتاجر في هذا الشارع تملكها النساء. ويصرّح الناس هناك إلى أنه عندما كانت الجماعات المسلحة هي المسئولة لم نتمكن من رؤية امرأة واحدة تدير أي شيء. في الواقع, نادراً ما كانت النساء يظهرن علناً. وفي الجوار امتلأت أصوات الأطفال التي تملئ بركة السباحة العامة التي أعيد فتحها حديثاً.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.