ليبراسيون: في إدلب “المحظوظون” من فقدوا منازلهم فقط

ليبراسيون: في إدلب “المحظوظون” من فقدوا منازلهم فقط

نشرت صحيفة ليبراسيون تقريراً عما آل إليه وضع مدينة إدلب منذ اندلاع “الثورة السورية” عام 2011 وحتى تاريخ اليوم بعد الاتفاق الروسي التركي بشأن المنطقة. فبعد التصريحات الأخيرة لبشار الأسد، بات أهالي إدلب، وحتى اللاجئين منهم في تركيا، يخشون من مجزرةٍ تنتظر المدينة وريفها.

وفي لقاءٍ أجرته ليبراسيون في الريحانية مع ناجي مصطفى، المتحدث باسم الجبهة الوطنية للتحرير وهي تحالف لعدة فصائل معارضة في شمال غرب سوريا، يقول هذا الأخير وهو ينظر بقلق إلى الجدار الإسمنتي الذي يمتد على طول الحدود والذي يفصل بينه وبين مدينة إدلب: “لو لم يكن هناك هذا الجدار لأمكننا الذهاب إلى إدلب سيراً على الأقدام”. فبعد شهرٍ من التوقيع على الاتفاق الروسي التركي بشأن إدلب، آخر معاقل المعارضة، تبدو المدينة وريفها هادئين. فطيران النظام وحلفائه توقف عن قصف المنطقة وجنود النظام والميليشيات التي تدعمه ابتعدوا عن أطرافها. فقط بشار الأسد من يهدد باستمرار باستئناف الهجوم عليها. فاعتباراً من الخامس عشر من هذا الشهر، يمكن استئناف الحرب ضد ما تبقى من معاقل المعارضة إذا لم يتم احترام النقاط العشر المنصوص عليها في الاتفاق المذكور.

ويبين التقرير كيف تمت السيطرة على محافظة إدلب من قبل مجموعات مسلحة مختلفة. فالجبهة الوطنية للتحرير، التي أنشأت تحت قيادة تركيا، تشكل مجموعة واسعة من سلفيي أحرار الشام إضافةً إلى عدّة مجموعات كانت منضوية تحت راية الجيش السوري الحر. ويصل تعداد مقاتلي هذه الجبهة إلى حوالي 75 ألف مقاتل الغالبية من إدلب، وانضم إليهم آخرون بعد أن جاؤوا من مناطق درعا والغوطة الشرقية. وقد تلقّى مقاتلو هذه الجبهة في الشهرين الأخيرين أسلحة جديدة من تركيا. فمنذ بداية شهر أيلول الماضي، وعشرات الشاحنات تعبر الحدود التركية يومياً باتجاه ريف إدلب. لكن إدلب تحتوي كذلك عدّة مجموعات جهادية. ومن الصعب تحديد عدد مقاتلي هيئة تحرير الشام بدقة! فعددهم بحسب التقارير المتواترة يتراوح ما بين 10 آلاف و15 ألف مقاتل. لكن وبحسب هشام اسكاف، المستشار السياسي لعدة فصائل في الجبهة الوطنية للتحرير، فإن هذا الرقم مبالغ فيه لأن الكثير من مقاتلي الهيئة قد رحلوا، وبقي منهم على الأغلب حوالي خمسة آلاف مقاتل فقط. لكن في المقابل، فإن من بقي منهم هم الأخطر والأكثر تدريباً، وخلافاً لما هو الحال بالنسبة للجبهة الوطنية للتحرير، فإن مقاتلي هيئة تحرير الشام يطيعون أوامر قادتهم طاعةً عمياء.

ويشير ناجي مصطفى، ودون أي تنبؤ، بأن الجبهة الوطنية للتحرير قد أوفت بالتزاماتها فيما يخص الاتفاق الروسي التركي والذي ينص على إقامة منطقة عازلة منزوعة السلاح بعرض من 15 إلى 20 كيلو متر على حدود إدلب بهدف منع أي هجوم من الطرفين وتوقف القصف. وقد كانت إحدى النقاط الرئيسية للاتفاق هي سحب الأسلحة الثقيلة للثوار وكذلك الجماعات الجهادية بحلول العاشر من تشرين الأول الحالي. ويؤكد خالد سندح، وهو قائد في فيلق الشام إحدى مجموعات الجبهة الوطنية للتحرير، بأنهم قد سحبوا كافة الأسلحة الثقيلة وقد تم تصوير وتوثيق الانسحاب كي لا يتم تكذيبهم لاحقاً. كما قالت وزارة الدفاع التركية يوم الأربعاء الماضي بأن الجماعات الجهادية قد انضمت إلى الاتفاق. لكن وقف إطلاق النار قد يتعثر بسبب شرط انسحاب الجهاديين من المنطقة منزوعة السلاح. من جهتها، أعلنت هيئة تحرير الشام بأنها ستواصل القتال وأنها لن تتخلى عن خيار الجهاد من أجل تحقيق أهداف “ثورتهم المباركة”. الأمر الذي سيعطي النظام مبرراً للعودة إلى الهجوم من جديد.

ويكشف التقرير كيف أن ظهور تشكيلات جديدة أكثر راديكالية في ريف إدلب قد عقّد المسألة أكثر. ومن بين هذه التشكيلات تشكيل “حرّاس الدين” الذي يدعي انتمائه للقاعدة، وكذلك الجبهة الإسلامية التركستانية والتي تضم الكثير من المقاتلين القادمين من إقليم الأويغور. ففور إعلان وقف إطلاق النار, شجب تشكيل حراس الدين الاتفاق الذي وصفه بالخطير والذي وقعّه ” أعداء الدين “. وفي الأسبوع الماضي حاول مقاتلو هذا التشكيل شن هجوم على قوات النظام في الجبال المطلة على اللاذقية، لكن جهاديي هيئة تحرير الشام منعوه. فعلى ما يبدو فإن استمرار وقف إطلاق النار يتوقف في الحقيقة على إدارة هيئة تحرير الشام والتي رفضت الحوار إلى ليبراسيون كما ترفض اليوم الحوار مع وسائل الإعلام العالمية الأخرى.
وتبين ليبراسيون بأن هيئة تحرير الشام باتت في موقفٍ حساس اليوم. لاسيما بسبب ما تشهده من تمزق داخلي بين أعضائها المتطرفين، وبعضهم من الأجانب، وبين أولئك الذين يؤيدون وقف إطلاق النار. وجميعهم يتعرضون لضغطٍ من قبل تركيا التي لا ترغب بموجة نزوح جديدة تجتاح أراضيها في الوقت الذي تحاول فيه إعادة ثلاثة ملايين ونصف لاجئ سوري مقيم على أراضيها اليوم. فأنقرة مصممة على حل هيئة تحرير الشام وإبقاء الجبهة الوطنية للتحرير كقوة وحيدة تمثل المعارضة في إدلب. وقد بدأت تركيا استراتيجيتها هذه في أواخر عام 2017 عندما أقام الجيش التركي نقاط مراقبة له وصل عددها إلى 12 نقطة على حدود إدلب. حيث يكشف هشام اسكاف كيف أن المشاكل بين هيئة تحرير الشام وتركيا قد بدأت عندما قام مقاتلو الهيئة باصطحاب القوافل التركية الأولى من المعدات والجنود. وقد هاجمت هيئة تحرير الشام المجموعات الأخرى بحجة أنهم يأتمرون بأمر تركي. ومنذ ذلك الحين تم تجهيز مراكز المراقبة التركية بالأسلحة الثقيلة وتحولت إلى قواعد عسكرية.

ويكشف التقرير بأنه يوجد حوالي ثلاثة آلاف جندي تركي مستقرين في إدلب وريفها. في المقابل تعرّض قادة هيئة تحرير الشام لموجة اغتيالات قوية، حيث سقط العشرات منهم في الكمائن. وفي الأسبوع الماضي قتل السعودي أبو محمد الجزراوي والذي يعتبر الذراع اليمنى لأبي محمد الجولاني قائد التنظيم. ويقول مصدر معارض لـ ليبراسيون: “لا تُخدعوا! ليس بإمكان الثوار فعل ذلك. فقادة هيئة تحرير الشام حذرين ومحميين جداً، وعندما يتحركون لا يعلم بذلك سوى عدد قليل من الأشخاص. فقط المخابرات التركية قادرة على تنفيذ عملات على هذا المستوى”. وبذلك انتشر الخوف في صفوف هيئة تحرير الشام. حيث يختبئ الكثير من قادتها اليوم في منازل من قرى إدلب ولم يعودوا يخرجوا منها. ووفقا ً لنفس المصدر، فإن أجهزة الاستخبارات التركية قد وضعت قائمة “قتل” لتصفية قادة وبعض مقاتلي الهيئة، حيث تضم هذه القائمة 150 اسماً. فهل ستُجبر هذه المنظمة الجهادية على إتمام الصفقة! لا يمكن لأحد التنبؤ بذلك. لكن في المقابل لدى تركيا وسائل ضغط أخرى بما في ذلك الضغوط الاقتصادية. فغالبية عائدات هيئة تحرير الشام تأتي من الضرائب التي تحصل عليها على الحدود عند شحن البضائع. وبالتالي فإن تم إغلاق معبر باب الهوى فإن هيئة تحرير الشام ستفقد كل شيء. فمقاتلو الهيئة لم يعد يتقاضون سوى 50 دولار شهرياً في أحسن الأحوال في مقابل 200 دولار من قبل.

وتختم ليبراسيون تقريرها بوصف الحالة المأساوية التي وصلت إليها محافظة إدلب. فالمنظمات الغير حكومية تستعد لاستئناف الحرب في إدلب وريفها. وفي الأيام الأخيرة، قام برنامج الغذاء العالمي بوضع مخزونات غذائية على طول الحدود لاستجابةٍ “قصيرة ومتوسطة المدى”. وتحذر العديد من المنظمات الغير حكومية بما فيها مؤسسة رعاية الأطفال وإنقاذها بأن حتى الهجوم المحدود على إدلب سيؤدي إلى نزوح مئات الآلاف من البشر. أما إذا كان الهجوم كبيراً، فإنه سيؤدي إلى “أسوأ كارثة إنسانية في القرن الواحد والعشرين”، بحسب الأمم المتحدة. فالمحافظة مكتظّة بحوالي ثلاثة ملايين نسمة أتى أغلبهم من حمص وحماه ودمشق ودرعا والرقة. حيث يتكدّس عدّة مئات من الآلاف في مخيمات تمتد على طول الحدود التركية. وفي إدلب، لا يعرف حسن بركات، وهو سائق أربعيني، ما الذي سيفعله النظام السوري وحلفائه إذا ما شنّوا الهجوم. ويضيف: “المحظوظون مثلي فقدوا منازلهم فقط. لكن الغالبية العظمى من العوائل كان لها نصيب من الوفيات والجرحى. من الغريب العيش بدون حرب! الناس تعمل على كل الأصعدة، المزارعون يذهبون لحقولهم والأطفال إلى المدارس. سيمكننا البدء في إعادة البناء تقريباً…”

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.