صحيفة فرنسية: روسيا تدفع ببيادقها إلى لبنان

صحيفة فرنسية: روسيا تدفع ببيادقها إلى لبنان

نشرت صحيفة لوجورنال دو ديمانش الفرنسية، تقريراً، عن امتداد النفوذ الروسي إلى لبنان يوماً بعد آخر. فبعد مساعدتها العسكرية اللامتناهية لنظام بشار الأسد في سوريا، تقوم موسكو اليوم بغزوها “الساحر” للبنان الدولة الجارة.
فقد تم افتتاح المركز الثقافي اللبناني الروسي في شهر حزيران الماضي في قضاء عاليه في محافظة جبل لبنان والتي تطل على مرتفعات الضاحية الكبيرة في بيروت. وقد التقت الصحيفة بالراقصة الروسية المحترفة إيفيغينيا التي استقرت في لبنان منذ زمن طويل والتي التحقت مؤخراً بكادر المركز الثقافي المذكور. حيث تقوم الفتاة القادمة من موسكو بتعليم مجموعة من الفتيات فن رقص الباليه. وكان المركز الثقافي هذا قد امتلأ ما بعد ظهر يوم الأربعاء الماضي بالأطفال الذين جاءوا بكثرة لحضور الأنشطة التي يقدمها المركز. وتقول برضى لينا البالغة من العمر أربعين عاماً والتي قامت بتسجيل ابنتيها في دروس الباليه: “الأساتذة هنا مختصون، كما أن الأسعار معقولة جداً”. فالتكلفة الشهرية لساعتين من الرقص في الأسبوع هي ثلاثين دولاراً. الأمر الذي يجذب جمهوراً واسعاً.

ويبين التقرير أنه، وفي هذا الصيف فقط، قد خرجت عدة مراكز روسية مماثلة للنور في لبنان. وبالمجموع فإن تسعة مراكز ثقافية روسية قد تم إنشائها منذ عام 2009، وهو ما لا يقل عن عدد المعاهد الفرنسية التي أقامتها سلطة الانتداب السابقة. ومعظم هذه المراكز الروسية تتم إدارتها وتمويلها من قبل لبنانيين من ذوي الجنسية الروسية والذين يتمتعون بعلاقات جيدة مع موسكو وكذلك مع السلطات اللبنانية. فالمركز الثقافي في عاليه، على سبيل المثال، قد تم تأسيسه من قبل نوال ورياض نجم, نائب رئيس جمعية الصداقة اللبنانية الروسية. وكذلك البيت اللبناني الروسي في بيروت الذي افتتح عام 2016، كان بتمويل الملياردير أمل أبو زيد. وهو نائب مقرب من حزب الله اللبناني، وقد صنفته مؤسسة Think Tank الأمريكية بأنه “اللاعب الأكثر تأثيراً” في العلاقات بين روسيا ولبنان.

وبعد ثلاثين عاماً من الغياب عقب انهيار الاتحاد السوفييتي، ها هي موسكو تعود إلى الشرق الأوسط. وفي لبنان، الدولة الجارة لسوريا المدعومة من الكرملين وملالي طهران، تعود روسيا اليوم معتمدة على الثقافة لتوطيد نفوذها. ففي شهر تشرين الثاني الماضي استضاف لبنان النسخة الأولى من “أيام سان بطرس بورغ”. وقد وصفها مسلم شياتو، رئيس المركز الثقافي العربي الروسي في مدينة نيفا ومنظم الحدث، بأنها تعبير عن تكريم الفلكلور الروسي وأنها تهدف إلى تعميق الروابط بين روسيا والعالم العربي. ولكن الهدف كذلك هو إظهار روسيا الحقيقية بعيداً عن الصورة النمطية التي تنقلها بعض وسائل الإعلام العربية والغربية والتي تقدم روسيا على أنها “بلد الفودكا والبرد والمافيا والانهيار الأخلاقي، في حين أنها دولة ذات ثقافة شرقية قديمة وقيم مشتركة، فالأسرة هي أساس المجتمع في روسيا”، حسب وصف المجلة.

من جهة أخرى، يبين التقرير بأن روسيا تعمل للدفاع عن تيارٍ محافظ في لبنان في مواجهة الغرب الذي يُنظر إليه أحياناً على أنه متفرد ومتعجرف. وإدارة بوتين تهتم كذلك بعلاقاتها مع مختلف الكنائس في لبنان. فالطائفة الأرثوذوكسية اللبنانية قريبة بشكل طبيعي من بطركية موسكو. كما أن الخطاب الداعي لحماية مسيحيي الشرق، والذي تبنته روسيا منذ بداية الصراع في سوريا، يدغدغ مشاعر الكنيسة المارونية ذات السلطة. وفي شهر نيسان الماضي، قامت روسيا بإهداء كنيسة القديس نهرا المارونية في البترون جرس وزنه 250 كيلوغراما، بعد أن باركه البطرك الروسي سيريل. وقد أقيم بهذه المناسبة حفلٌ كبير حضره العديد من الدبلوماسيين والمسؤولين السياسيين.
كما أن موسكو تسعى إلى إعادة توطيد العلاقات بين الجامعات الروسية ونظيراتها اللبنانية، وهي الركيزة التاريخية لقوة روسيا الناعمة. ففي هذا العام، زادت روسيا عدد المنح للطلاب اللبنانيين من 60 إلى 100 منحة. وفي شهر تشرين الأول الماضي، قام حوالي ثلاثين ممثلا للجامعات الروسية بزيارة لبنان ضمن فعالية أطلق عليها “الدراسة في سوريا”. ومن خلال هذه الأبواب المفتوحة، عُرض على طلاب المدارس الثانوية اللبنانية فرص الدراسة في روسيا في قطاعات الهندسة والطب والطاقة. وتكلفة هذه الدراسة، التي تتراوح بين 2000 و5000 دولار في السنة بما في ذلك السكن، أقل بكثير من تكلفة الدراسة في الجامعات المحلية اللبنانية.

أما على المستوى الاقتصادي، فيكشف التقرير بأن هناك دليل على وجود رغبة روسية بتعزيز التبادل التجاري الغير ناضج بعد في هذا المجال. فأعمال مجالس رجال الأعمال من كلا البلدين قد انطلقت منذ عام 2014. وتعتمد روسيا كذلك على التقارب مع لبنان من خلال السياحة. فقد تم افتتاح رحلة جوية مباشرة أسبوعية بين كراستودار في جنوب غرب روسيا وبيروت في سبيل تشجيع التبادل. كما أن الاختيار قد وقع على شركة Novatek الروسية في شهر كانون الأول الماضي من اجل عقد استكشاف الغاز البحري في البحر الأبيض المتوسط، وذلك في إطار تجمّع يضم كل من شركة Total الفرنسية و Eni الإيطالية.

وبعد “نجاحه” في سوريا، بات بوتين أحد المحاورين الذين لا يمكن الاستغناء عنهم بالنسبة للسياسيين اللبنانيين. ففي الأشهر الأخيرة، باتت موسكو محجاً لسيل زيارات زعماء الأحزاب اللبنانية، بما في ذلك أشد المعارضين للتدخل الروسي في سوريا. “يُنظر إلى الروس اليوم كسكين سويسرية جديدة في الشرق الأوسط”، يعلّق مهند الحاج صالح، الباحث في مركز كارنيجي الشرق الأوسط. ويضيف: “بإمكان الروس التحدث إلى السوريين والإيرانيين وكذلك إلى السعوديين والإسرائيليين”. كما أن روسيا قد أقامت روابط وثيقة مع حزب الله الذي يقاتل إلى جانب نظام دمشق منذ عام 2013. وفي الانتخابات الرئاسية الروسية الأخيرة في شهر آذار الماضي، ظهرت صور كبيرة لبوتين على الطرق في جنوب لبنان، معقل حزب الله. كما أن الكرملين له اليد العليا في ملف اللاجئين الشائك. فقد عرضت موسكو مؤخراً مساعدتها على السلطات اللبنانية لضمان عودة أكثر من مليون لاجئ سوري يعيشون في لبنان إلى بلادهم. ويقول إيغور ديلانوي، نائب مدير المرصد الفرنسي الروسي في موسكو، معلّقاً: “يحاول الروس إظهار أن الحرب قد انتهت تقريباً وأنه يجب إطلاق عملية إعادة الإعمار”. الشيء الوحيد الخطأ في هذا الموضوع بالنسبة للكرملين هو عدم القدرة على ترجمة هذا الغزو “الساحر” إلى عقود تسليح. وكانت روسيا قد اقترحت على بيروت في بداية العام مساعدة عسكرية بمليار دولار. لكن السلطات اللبنانية رفضت العرض إرضاءً للولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا اللتين تزودان الجيش اللبناني بالجزء الأكبر من معداته.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.