وكالات (الحل) – نشرت صحيفة «ليبراسيون» تقريراً عن إحدى جهاديات تنظيم «داعش» والتي وقعت في قبضة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) شرق سوريا. ففي تلك الصحراء وبالقرب من الحدود العراقية، تم القبض على أرملة أحد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية بعد هروبها من الباغوز أحد آخر معاقل التنظيم الإرهابي. إذ تم اعتقالها وإرسالها إلى أحد المخيمات للتحقيق معها، لتروي لـ«ليبراسيون» مسيرتها وأسباب مغادرتها لفرنسا والتحاقها بدولة “الخلافة”.
ويبين التقرير، أنه وفي تلك الصحراء حيث لا يوجد سوى الحصى وبعض الأعشاب، التقت الصحيفة بالجهادية الفرنسية أ«ويسة» والبالغة من العمر 35 عاماً وهي تفترش الأرض بعد هروبها من الباغوز، آخر ما تبقى من معاقل تنظيم «داعش» في سوريا. فهذه المرأة الشابة لم يتم توقيفها بشكل رسمي بعد، كما أنها ليست حرة في الوقت ذاته. فهي بالكاد قد وصلت إلى نقطة تفتيش لـ«قسد». وسيتم خلال ساعات قليلة نقلها إلى مخيم الهول بالقرب من الحسكة حيث سيتم استجوابها وسجنها. فهي ستكون بذلك جزءاً من أولئك الذين قد تقوم فرنسا بإعادتهم إلى بلادهم. وقد اكتفى مقاتلو «قسد» بالتحقق من هويتها وبأنها لا ترتدي حزاماً ناسفاً. فقامت بإخبارهم باسمها وجنسيتها، وكذلك أسماء ابنها سعد ذو الثلاثة أعوام والذي ولد في العراق واسم صفيّة، وهي فتاة يتيمة تبلغ من العمر خمسة أعوام كانت أويسة قد أخذتها بعد أن قتل والداها الفرنسيان. والطفلان يجلسان إلى جانبها دون أن ينبسا ببنت شفة، ودون بكاء أو حتى شكوى. فهما ملتصقان بها وتقلق إذا ما ابتعدا عنها متراً واحداً.

وفي حديث للصحيفة، تقول «أويسة» بصوتٍ واضح لا تشوبه شائبة: “لا أريد النفاق. لقد اخترت الالتحاق بالدولة الإسلامية. أنا لم أقاتل ولم أشارك في المعارك، لكني موافقة عليها”. وتضيف: “لا يجب أن نكذب على أنفسنا. كلنا يعلم كيف تم تأسيس دولة الخلافة: من خلال القتال. وسيكون من الكذب القول لم أكن أرغب في هذا أو أنني عدت لأنني فكرت في طفلي”. فهذه الجهادية الفرنسية قد هربت من الخوف، فهي كانت تعلم بأن ما تبقى من الجهاديين في الباغوز سيخسرون المعركة لا محالة. إنهم يواجهون آلاف المقاتلين من «قسد» بالإضافة إلى تحالف دولي يراقبهم ويقصفهم بالقنابل. حيث تقول أويسة: “ما أن نخرج, فإننا نعلم بأننا لن نستطيع العودة. فالقصف لا يتوقف. ومنذ ساعات، لم أكن متأكدة إن كنت سأصل إلى هنا أم لا”. ثم تسكت قليلاً قبل أن تتابع وتقول: “إنهما عالمان مختلفان”. ويقترب منها بعد ذلك ضابط كردي ليسألها عن اسمها. فتجيبه: أويسة. فيرد الضابط: “لا. أريد اسمك الحقيقي”. فتعطيه إياه ليسجله في دفتره ويمضي. لكنها ترفض أن تقول اسمها الحقيقي لـ«ليبراسيون» وتكتفي بالقول بأنها قادمة من “لي هوت دو سين” إحدى ضواحي باريس. وأنها قد هجرت دراستها وعملها في رعاية الأطفال لتتزوج من فرنسي معتنق للإسلام. حيث قرر الزوجان الرحيل عن فرنسا والاستقرار في إحدى الدول المسلمة. وتقول أويسة في هذا الخصوص: “في فرنسا,،كرهت حياتي من عبارة عودي إلى بيتك التي كنت اسمعها على الدوام بسبب ارتدائي للحجاب. لذلك فقد فكرت مع زوجي بالذهاب إلى المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة، لكن لم يكن الأمر سهلاً فالحياة غالية وصعبة هناك”. لذلك فقد وقع اختيار الزوجين على مصر.

وعند رحيلهما في منتصف أيار من العام 2013، كانت الدولة الإسلامية قد بدأت تُعرف لتوها في سوريا والعراق. حيث كانت تقوم بعملياتها قبل أن تبثها، ولم يكن قد تم إعلان الخلافة بعد وإن كان التنظيم قد اجتذب مئات المقاتلين المتطوعين القادمين من مختلف أنحاء العالم. والثوار الذين كانوا يقاتلون نظام الأسد، لم يتواروا بدورهم عن قتال هذه المنظمة التي لم تكن حينها سوى تنظيم من بين التنظيمات. وفي مصر، كان زوج أويسة يتابع التطورات عن كثب. فالعديد من أصدقائه كانوا قد ذهبوا فعلاً إلى بلاد الشام. وفي غضون شهور، فرضت الدولة الإسلامية وجودها في شرق سوريا وشمال العراق, حيث سيطرت الرايات السوداء على تكريت والرمادي والرقة ودير الزور وباتت دولة “الخلافة” تمتد على مساحة تعادل مساحة المملكة المتحدة. وتدفق عليها الجهاديون الأجانب من أكثر من ثمانين دولة.

وتؤكد «أويسة» للصحيفة بأنها لم تشاهد أبداً مقاطع الفيديو للمذابح والإعدامات التي كان يبثها تنظيم «داعش» على مواقع التواصل الاجتماعي. وأنها لم تسمع حتى بتلك المذبحة التي ارتكبها التنظيم بحق إيزيديي العراق بتلك النسوة والفتيات اللواتي تم سبيهن وبيعهن في أسواق النخاسة وعلى مجموعات الواتس آب. حيث تقول أويسة: “كل ما كنت أعرفه هو أنه كان هناك خلافة لأن زوجي حدثني عنها. وكانت فرصة بالنسبة لي للهجرة إلى طريق الله”. وفي بداية كانون الثاني من عام 2015, طار الزوجان إلى اسطنبول ومن ثم إلى غازي عنتاب على الحدود التركية السورية. وفي السادس عشر من الشهر ذاته، دخلوا الأراضي السورية. حيث لم يلبثوا سوى بضعة أيام في الرقة قبل أن يغادروها ويرحلوا إلى الموصل ليستقروا فيها.

ويوضح التقرير بأن زوج أويسة كان ينتمي لكتيبة طارق بن زياد، وهي كتيبة مكونة في معظمها من الناطقين باللغة الفرنسية والقادمين من فرنسا وبلجيكا. وبعد أن حارب زوجها على الجبهات, تم تعيينه “مسؤول عن النساء”، حيث كان يقوم بتوزيع النقود والطعام على الزوجات اللواتي فقدن أزواجهن في المعارك أو تلك اللواتي ذهب أزواجهن إلى الجبهات. وفي الثاني عشر من شهر تشرين الثاني من العام ذاته، وضعت أويسة طفلها. وفي الواحد والعشرين من شهر كانون الثاني عام 2016, قتل زوجها بغارة بطائرة دون طيار. لتستقر بعدها أويسة في “المضافة” وهي بيت للنساء الأرامل أو المطلقات أو اللواتي لم تتزوجن بعد.

وفي شهر تموز من العام ذاته, أنذرهم أبو سليمان, قائد كتيبة زوجها، بضرورة الرحيل إلى سوريا. حيث قال لهن: “إذا بقيتن في الموصل, فلن أستطيع فعل أي شيء لكنّ”. فالقوات الكردية والجيش العراق وبدعم من التحالف الدولي يعدون لاقتحام المدينة وطرد الجهاديين من نينوى والموصل. وبالفعل انطلقت تلك العملية في تشرين الأول من ذلك العام. وفي ذلك الوقت كانت أويسة تعيش مع طفلها في الميادين جنوب شرق سوريا. وقد بقيت هناك سنة واحدة قبل أن تغادرها من جديد.
وتتذكر «أويسة» تاريخ الثاني من شهر تشرين الثاني من العام 2017، حيث تجمعن العديد من النساء الفرنسيات في مدينة البوكمال. تلك المدينة الواقعة على الحدود العراقية والتي شوهد فيها أبو بكر البغدادي مرات عدّة. لكن كان لا بد بعدها من الهروب عبر نهر الفرات. لذلك شكلت تلك النسوة الفرنسيات مجموعتين للهروب, وكانت أويسة في المجموعة الثانية. أما في المجموعة الأولى فكان من بين تلك الجهاديات الفرنسيات زوجات كل من إسماعيل عمر مصطفى وفؤاد محمد عقاد الجهاديان اللذان نفذا الهجوم الإرهابي في الباتكلان في باريس. لكن طائرة مقاتلة للتحالف، وعلى الأغلب مقاتلة أمريكية طراز A-10, قصفت المجموعة الأولى وأردت نسائها قتلى. ومن ضمن هذه المجموعة نجت الطفلة صفيّة بأعجوبة بينما قتلت أمها وأختها. وبذلك باتت صفيّة يتيمة فأبوها كان قد قتل قبل ذلك بعامين، لذلك احتضنتها أويسة بناء على وصية أمها.

وفي منتصف كانون الثاني من العام الحالي، وجدت «أويسة» نفسها مع سعد وصفيّة في الباغوز، وهي بلدة غير معروفة لها نهائياً. وعندما اشتد الحصار على الباغوز، كان بإمكانها أن تختار البقاء هناك حتى النهاية كما فعل العديد من الفرنسيين ذلك، على حد وصفها. كما كان بإمكانها أن تحاول الهرب إلى العراق، لكن ذلك يعني أنها ستسجن وتحاكم هناك وقد يحكم عليها بالسجن المؤبد أو الإعدام مثلما حصل مع فرنسيين آخرين. لذلك فقد اختارت أن تسلم نفسها لـ«قسد». وهي اليوم لا تعلم ما ينتظرها فهي لم تسمع بأن فرنسا قد غيرت سياستها وتعتزم إعادة جهادييها إلى بلادهم. وتختم «أويسة» حديثها لـ«ليبراسيون» بإبداء قلقها عما سيحل بابنها إذا ما عاد وحده إلى فرنسا, فتقول: “أمي توفيت منذ ثماني سنوات ولا أعلم أين أبي اليوم. ووالدا زوجي ما يزالان يعتقدان أننا في مصر وربما عادا إلى لاووس. أختي ربما؟ أو عمته؟”.

تحرير: رجا سليم

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.