ترجمة خاصة- الحل العراق

نشرت صحيفة (باريس ماتش) الفرنسية منذ يومين تقريراً عن المئات من جهاديي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذين ينتظرون اليوم أن تتم محاكمتهم في سوريا أو العراق أو في بلدانهم الأصلية.

ومن ضمن هؤلاء الجهاديين, هناك /18/ شخصاً من عائلة واحدة فرنسية تُدعى (كلان)، حيث التحق أفراد هذه العائلة جميعهم بتنظيم داعش في سوريا.

وتؤكد التقارير اليوم عن مقتل اثنين منهم هم الأخطر في العائلة وهم (فابيان وجان ميشيل) المسؤولان عن الهجوم الإرهابي في باريس عام 2015.

أما بالنسبة لما تبقى من جهاديي التنظيم المطارَدين, فأوضحت الصحيفة الفرنسية، بأن ثمن بقائهم أحراراً حتى الآن باهظٌ جداً، فاستراتيجيتهم تعتمد على تجنّب الروتين وعدم ارتداء ذات الملابس كل يوم وعدم سلوك ذات الطريق مرتين وعدم النوم في ذات المنزل وعدم إجراء أي اتصالٍ هاتفي وعدم الوثوق بأي شخصٍ كان, وأن يكون لهم عينٌ في كلّ مكان وأن يحشروا أنفسهم بين الحشود مموّهين أنفسهم.

ويبين التقرير، بأن الأخوين (فابيان وجان ميشيل كلان)، كانا يعلمان بأنه في أية لحظة قد تهبط السماء على رأسيهما، فقد لقي العديد من الجهاديين الفرنسيين حتفهم من قبل, لكن تكتّمهم كان يحميهم بشكلٍ أو بآخر. فلم يعرف عنهم الشيء الكثير ولا عن حياتهم اليومية في ظل حكم الدولة الإسلامية.

فمنذ وصوله إلى سوريا, و(فابيان) يستخدم حساباً على الفيسبوك للتواصل مع أقاربه، وفي 21 آب 2015, قام بتغيير صورته على الفيسبوك والتي كانت حينها صورة لقطٍ كبير, ليستبدلها بصورة لأحد المباني في الرقة، وقد كان يستفسر في بعض الأوقات عن الوضع في فرنسا.

وآخر رسالةٍ تم رصدها له تعود إلى 28 من شهر كانون الأول الماضي بعد تحرير هجين مباشرة من قبل قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، حيث حثّ (فابيان) في رسالته الأخيرة تلك، المسلمين على القتال في صفوف تنظيم داعش والقيام بهجمات في الداخل الفرنسي, ملوحاً إلى مظاهرات السترات الصفراء ضد ماكرون.

أما اليوم, فيبدو زمن ابتسامات الأخوين (كلان) الساخرة صار بعيداً، عندما أعلنا مسؤوليتهما عن هجوم الثالث عشر من تشرين الثاني عام 2015 في باريس, وأشادا بـ “الهجوم المبارك الذي قادته مجموعة من المؤمنين, جنود الخلافة, في عاصمة الرجس والشذوذ”.

فقد ولى زمن الاحتفالات بالنصر, لكن استراتيجيتهم للبقاء على قيد الحياة قد كلفتهم الكثير خلال ثلاث سنوات الماضية، وقد باتوا أشباحاً غير مرئيين وتمكنوا من النجاة منذ عام 2016 من عمليات القتل والاغتيالات السرية التي طالت المسؤولين عن الهجمات الإرهابية التي ضربت فرنسا.

كما تمكّنا من النجاة من القصف والقنابل والطائرات بدون طيار والهزائم المتتالية التي مُني بها تنظيم داعش على طول نهر الفرات.

لكن وفي يوم الأربعاء في العشرين من شهر شباط الماضي, هبت رياحٌ باردة لتزيل ما تبقى من أراضي في أيدي هذا التنظيم الإرهابي في سوريا، وكان الرجلان الهزيلان, كما هو حال بقية “مواطني” الدولة الإسلامية, يعيشان في تلك المنطقة.

حيث وصف العديد من السجناء المحررين واقع حال المنطقة بالمزري، فهناك نحو ألفي جريح قد تُركوا بدون عناية بانتظار الموت وتحت رحمة رائحة المكان التي تنخر العظام.

وعند استجواب الجهادي الفرنسي (كانتان لوبران) في نهاية شهر كانون الثاني الماضي بعد توقيفه, وصف هذا الأخير المنطقة المتبقية في يد تنظيم داعش بلوحة “طوافة (ميدوزا) قنديل البحر”, وهي لوحة موجودة في متحف اللوفر تُصور حالة الصراع بين الرجال من أجل أن يكون واحد من هم قائداً للسفينة.

وأضاف قائلاً: «لم يبقى مجال في أي مكان، فالناس متكدسة فوق بعضها البعض، إنها أشبه برؤية الهلوسة».

وعند سؤاله فيما إذا كان الأخوان (كلان) لا يزالان حاضران هناك, تهرّب (لوبران) قائلاً: «أنا لم أرهما منذ شهرين».

لكن مقاتلين آخرين من تنظيم داعش وجدوا مصلحةً بالإدلاء ببعض المعلومات بعد أن تم توقيفهم، فرغم كل شيء, يبقى الأخوين (كلان) الهدف رقم واحد للمخابرات الفرنسية باعتبارهم الجهاديين الأكثر خطورة.

وفي شهر حزيران الماضي, أدلى (جوناثان جيفوري), جهادي سابق في داعش تم اعتقاله وتسليمه, بمعلوماتٍ تقشعر لها الأبدان لمحققي الإدارة العامة للأمن الداخلي الفرنسي.

فقد أكد (جيفوري) بأنه قد تم تكليف (عثمان كلان), الابن الأكبر لـ (جان ميشيل) والبالغ من العمر اليوم سبعة عشر عاماً, بمهمة تجنيد أطفال ومراهقين فرنسيين في سوريا كي يتم إرسالهم بعد ذلك إلى فرنسا ليقوموا بعمليات انتحارية هناك.

وفي مواجهة محققي المخابرات, بدا (جيفوري) واثقاً من نفسه ودقيقاً في معلوماته, حيث قال: «أنا أعلم أن قيادات داعش قد نصّبوا عثمان في قيادة العمليات الخارجية للأطفال الجهاديين في فرنسا. فهو من يقوم باختيار الأطفال المقاتلين. وهذا الأمر قد صدر عمن هو أعلى من (فابيان كلان)، عثمان هو من أفضى لي بذلك, وإلا لم يكن لي أن أعلم شيئاً عن هذا الموضوع».

ويبين التقرير، بأن الأخوين (جان ميشيل وفابيان كلان) قد ولدا في أعوام 1978 , 1980. وقد استقرّا مع أمهما في مدينة (ألنسون) في الوقت الذي عاد فيه والدهما إلى مسقط رأسه في جزيرة رينيون.

وفابيان كان كاثولوكياً, وأمه ماري روزان كانت تعطي دروساً في الدين المسيحي. وفي كل عيد ميلاد كانت تجعل أولادها يقسمون بشرفهم وإخلاصهم على الصليب.

لكن نقطة التحول القاتلة كانت ما بين عامي 1999 و2000, عندما تعرف (فابيان) على الإسلام واعتنقه ليذهب بنفسه إلى الحد التطرف، فاستبدل قميص كرة السلة وقبعة مغني الراب بالجلابية واللحية الطويلة، وبالكاريزما خاصته, استطاع فابيان أن يقنع أمه وأخته ديانا وأخوه وزوجته ميلين وحماته (بوروثي) بأن يعتنقوا الإسلام. حتى والده في جزيرته البعيدة تبع ابنه.

وانطلاقاً من إيمان المعتنقين للدين حديثاً, أصبح فابيان واجهة الإسلام الراديكالي المحلي قبل أن ينتقل مع أخيه إلى مدينة (تولوز) حيث تمكنا من التواصل مع (أوليفييه كوريل) الملقب بـ “الأمير الأبيض” ومرشد جيل كامل من الجهاديين في فرنسا.

وقد تم توقيف (كوريل وفابيان) في قضية خلية كانت تجند الجهاديين الفرنسيين لإرسالهم للجهاد في أفغانستان، ليتم بعدها تبرئة كوريل والحكم على فابيان بالسجن مدة خمسة سنوات، وعند خروجه من السجن عام 2012, توجه فابيان إلى مدينة ألينسون ليختفي بعدها عن أنظار وحدات مكافحة الإرهاب قبل أن يعود للظهور ثانيةً في سوريا عام 2015, فتبعته عائلته بالكامل إلى هناك.

وتختم صحيفة (باريس ماتش) تقريرها بالإشارة إلى أنه وحتى الآن لا أحد يعرف ما حصل بالضبط مع الأخوين (كلان) في الأسابيع الأخيرة, وفيما إذا حاولا كما فعل غيرهم أن يدفعوا لأحد المهربين للوصول إلى تركيا أو أفغانستان أو العراق أم أنهم قرروا المشاركة مع ما تبقى من مقاتلي التنظيم في المقاومة حتى الموت.

لكن هناك شيء واحد أكيد وهو أنهما قد تعرضا للخيانة! فقد كانا يجهلان ذلك حتى النهاية. وقد تعقّبتهم طائرة بدون طيار تابعة للتحالف لمدة أربعة أيام، وفي اليوم الأخير وبعد أن دخلوا أحد المنازل, جاء الأمر بإطلاق النار.

فانطلق صاروخ ليقضي على الرجلين المطلوبين أكثر من غيرهم من قبل فرنسا، ولم يتبقى سوى عثمان, ابن جان ميشيل, الذي لا يزال في سوريا، فإن كان لا يزال على قيد الحياة, فإنه سيجسد “خلافة” الإرهاب من جديد.


 

الصورة المُرفقة تعبيريّة من أرشيف غوغل

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.