وكالات (الحل) – نشرت مجلة “Homeland Security Today HS Today” تقريراً، تناولت فيه لقاءً أجراه المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف “ICSVE” في شهر شباط الماضي، مع أمير تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» أبو منصور البغدادي، والذي يدعي أنه شغل منصب سفير «داعش» لدى تركيا.
تحدث «أبو منصور» مهندس الكهرباء المغربي، عن رحلة انضمامه لتنظيم «داعش» مبيناً أنه جاء إلى سوريا في العام 2013 مثله مثل الكثير من المقاتلين آملاً في تحرير المسلمين من الأنظمة الدكتاتورية وبناء «الخلافة» الإسلامية. حيث سافر من الدار البيضاء إلى إسطنبول ليعبر الحدود الجنوبية لتركيا إلى سوريا، فكانت محطته الأولى محافظة إدلب متزامنة مع بدء العداوة بين (جبهة النصرة، وتنظيم داعش). فكان أبو منصور يقف إلى جانب تنظيم داعش عندما حدث الانشقاق بين التنظيم وجبهة النُصرة، ليتم تكليفه بوظيفة مسؤول استقبال على الجانب السوري من الحدود التركية. أما مهمته الفعلية فكانت استقبال المقاتلين الأجانب المتدفقين للانضمام إلى تنظيم داعش عبر تركيا، والذين كانوا يشاركونه الحلم ذاته.

ويوضح أبو منصور قائلاً: «كانت مهمتي توجيه العملاء في تركيا لاستقبال المقاتلين الأجانب»، في إشارة منه إلى شبكة من الأشخاص يسهّلون سفر المقاتلين الأجانب من اسطنبول إلى مدن تركيا الحدودية مع سوريا كغازي عنتاب وأنطاكيا وغيرها لقاء أجور مالية. “معظمهم يتلقون أجوراً من تنظيم داعش”، يوضح أبو منصور في الوقت الذي يميزهم عن أعضاء تنظيم داعش بسبب دوافعهم الغير إيديولوجية. ويضيف: “معظم هؤلاء الذين يعملون على الجانب التركي دوافعهم مالية”. وعند سؤاله عن وجود أعضاء تنظيم داعش في تركيا، يقول أبو منصور: “العديد في تركيا يؤمنون بالدولة الإسلامية ويبايعونها. فيوجد الكثير من رجال داعش يعيشون في تركيا سواء أفراد أو جماعات، لكن لا يوجد جماعات مسلحة في تركيا”.

وعن أصول المقاتلين الأجانب يوضّح أبو منصور قائلاً: “لقد جاؤوا من أماكن مختلفة، معظمهم من شمال إفريقيا. أما الأوروبيين فلم تكن أعدادهم كبيرة، أربعة آلاف مقاتل من أوروبا ككل”. وعن أعداد المقاتلين الذين استقبلهم وأحصاهم أبو منصور حتى العام 2015، يؤكد أنه استقبل ثلاثة عشر ألف مقاتل من تونس وأربعة آلاف من المغرب العربي، في حين كان عدد المقاتلين من ليبيا أقل من ألف. ويقول أبو منصور: “كنت أكثر من مجرد كاتب بسيط يعمل في مركز استقبال لتنظيم داعش وتسجيل المجندين الجدد. كانت مهمتي حراسة الحدود بين سوريا وتركيا واستقبال اللاجئين، وقد أشرفت على عمليات الاستقبال على الحدود في كل من تل أبيض وحلب وإدلب”. بالإضافة إلى إحصاء المستوى التعليمي لكل منهم ليتم تعيينهم في الوظائف الملائمة لتحصيلهم العلمي فيما بعد. وعند سؤاله عما إذا كان أميراً لداعش أجاب بـ “نعم”. كان يبتسم بسعادة وهو يوضح قائلاً: “في البداية كنت مسؤولاً عن تسجيل الأشخاص، ثم أصبحت مشرفاً وبعدها كنت الأمير”.

أما عن نساء داعش اللواتي جئن إلى سوريا عن طريق تركيا، فيقول أبو منصور إن العازبات منهن كنّ يتوجهن إلى الرقة مباشرة حيث يوجد مراكز خاصة بالعازبات. أما المتزوجات فكن يذهبن إلى أزواجهن أو إلى بيوت الضيافة الخاصة بالنساء ريثما ينهي أزواجهن تدريباتهم، مشيراً إلى التدريبات العسكرية إضافة إلى التدريب الشرعي الإلزامي حيث يتم تعليم المجندين الجدد إيديولوجية داعش التكفيرية والتي تبرر استخدام العنف ضد من يعتبرونهم زنادقة أو غير مؤمنين، بما فيهم المسلمين.

وعند الحديث عن هؤلاء الذين جاؤوا ليصبحوا شهداء للتنظيم، يقول إبو منصور أن هناك مراكز خاصة تهتم بهم. ويوضح أنه قُبيل العام 2014 و2015 كانت أعدادهم أكبر حيث جاء ما يقارب الخمسة آلاف شخص ليكونوا شهداء. وكانت مهمته تسجيلهم وإرسالهم إلى معسكر التدريب في الرقة، ليتم اختيار من يتعين عليه القيام بالمهمات الانتحارية، فتلك لم تكن مهمته. وبحسب أبو منصور، فقد انخفضت أعداد “الشهداء” المحتملين مع تأسيس “الخلافة”. فقبيل العام 2015 كانت نسبة 50% من المقاتلين الأجانب قد قدموا للاستشهاد في حين أصبحت نسبتهم أقل من 20% مع تأسيس “الخلافة”، موضحاً بأن الكثير منهم جاء للعيش في كنف الدولة الإسلامية.
وعن هؤلاء الذين تمت دعوتهم من قبل تنظيم الدولة ليتم تدريبهم وإعادتهم إلى بلدانهم الأصلية لتنفيذ الهجمات أو ليصبحوا خلايا نائمة، نفى أبو منصور علمه بتفاصيل ما يجري موضحاً أن عمله في نقطة الاستقبال لم يتطلب منه السؤال عما إذا كانوا سوف يعودون أم لا. فتلك كانت مهمة الإدارة المركزية في حلب والرقة. ويوضح أنه ليس بالضرورة أن يتحول كل العائدين إلى خلايا نائمة أو منفذي هجمات، فالكثير منهم تركوا العمل لدى الدولة الإسلامية وغادروها لعدم حبهم لها.

وعن عمله كسفير لداعش لدى تركيا، استنكر أبو منصور فكرة أنه كان سفيراً وقال بأن مصطلح السفير لم يستخدم في الدولة الإسلامية. إلا أن عمله كـ “دبلوماسي” ينوب عن تنظيم الدولة الإسلامية امتد حتى يصل إلى الرئيس التركي نفسه، فقد كان أبو منصور على وشك مقابلته لكنه لم يحدث. فقد أخبره أحد ضباط المخابرات التركية بأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يريد مقابلته على انفراد، لكن ذلك اللقاء لم يحدث. وعند سؤال أبو منصور عما إذا كان يسمح لمقاتلي التنظيم المصابين بعبور الحدود لتلقي الرعاية الطبية في تركيا، استطرد أبو منصور في الحديث ليتبين مدى أهمية الدور الذي كان يلعبه، حيث يقول: “كان هناك بعض الاتفاقيات بين المخابرات التركية وتنظيم داعش حول البوابات الحدودية فيما يخص المصابين، لقد عقدت عدة اجتماعات بهذا الشأن مع الاستخبارات التركية”. ويشرح أبو منصور عن تلك الاجتماعات قائلاً: “كان هناك فرق يمثل البعض منها المخابرات التركية وأخرى تنتمي للجيش التركي. معظم الاجتماعات كانت تعقد في مكاتبهم أو في مواقع عسكرية في تركيا، ذلك يتعلق بالموضوع الذي تتم مناقشته. وكانت الاجتماعات تعقد مع الجانب التركي بشكل أسبوعي ومعظمها تعقد بالقرب من الحدود، بعضها في أنقرة أو في مدينة غازي عنتاب”.

وعلى ما يبدو كان أبو منصور يجتمع مع مسؤولين رفيعي المستوى في جميع الفروع الأمنية للحكومة التركية للتفاوض على صفقات. حيث يقول أبو منصور: “اعتاد الأتراك على إرسال سيارة تقلني مع فريق حماية إضافة إلى شخصين أو ثلاثة من جانبنا”. ويوضح بأنه كان يتلقى الأوامر من ممثل مجلس الشورى العراقي الجنسية محمد حدود، حيث يتمتع أفراد مجلس الشورى لدى تنظيم داعش بسلطة عليا. وفيما يتعلق بأبو بكر البغدادي، اعترف أبو منصور قائلاً: “لقد رأيته لفترة قصيرة”.
أما عن المنفعة التي حققتها تركيا من تعاونها مع الدولة الإسلامية، فكان السؤال عما إذا كان هناك علاقة تمويل بينهما؟ ليجيب أبو منصور قائلاً: “لم يكن هناك تبادل للأموال فيما بيننا”. مؤكداً أن العلاقة كانت ذات طبيعة تنسيقية – دبلوماسية يستفيد منها كلا الجانبان. وكانت الفائدة التي تعود على تركيا بحسب أبو منصور، ويوضح: “كوننا في المنطقة الحدودية، وتركيا تريد إحكام السيطرة على حدودها لتفرض سيطرتها على الشمال السوري. ففي الواقع كانت طموحات تركيا أكبر من مجرد السيطرة على المناطق الكردية. كانوا يريدون الشمال السوري بأكمله بدءاً من كسب (أقصى نقطة في شمال سوريا) إلى الموصل”. ويضيف أبو منصور: “هذه هي الإيديولوجية الإسلامية لأردوغان، لقد أرادوا شمال سوريا لأن طموحاتهم الحقيقية هي إعادة السيطرة على هذا الجزء من سوريا والذي كان جزءاً من الدولة العثمانية. لقد تحدثنا علانية عما قاله أردوغان، فقد كانت حلب والموصل جزءاً من الإمبراطورية العثمانية التركية في الفترة التي تسبق الاتفاق الذي أعقب الحرب العالمية الثانية. ومع توقيع اتفاقية سايكس بيكو، فقدوا السيطرة على هذه المناطق لمدة مئة عام”. ويضيف: “لقد تحدثنا خلال اجتماعاتنا عن إعادة تأسيس الإمبراطورية العثمانية. هذه كانت رؤية تركيا”.

إلا أنه في الوقت نفسه يؤكد أن تلك رؤية الرئيس أردوغان وليس بالضرورة أن يشاركه الجميع هذا الرأي. فيقول فيما يخص التطلعات التركية في سوريا: “لا يمكنني القول أن هذه هي رؤية الحكومة التركية بأكملها، فالكثيرين يعارضون التدخل لتحقيق هذا المشروع. يقولون أننا سوف نحاول هزيمة حزب العمال الكردستاني والأكراد، إنهم خائفون من الوحدة بين الأكراد والتي قد تمكنهم من إنشاء دولة كردية”. ويواصل قائلاً: “نظراً لكون تركيا دولة تابعة لحلف الناتو فلا يمكنهم استثارة غضب الناتو ضدهم. لذلك فهم غير قادرين على التعامل مع الموقف بشكلٍ مباشر, لكنهم بالتأكيد يريدون تدمير الأمة الكردية. فهم يتعاملون مع الوضع من خلال تنظيم داعش ويحققون الفوائد منه”.
أما الفوائد التي حققها تنظيم داعش من تركيا، فيوضح أبو منصور: “إنها فائدة كبيرة بالنسبة للدولة الإسلامية، فتركيا يمكنها أن تحمي ظهرنا. فالحدود التي نتشاركها تصل لحوالي ثلاثمائة كيلومتر. وتعتبر تركيا بالنسبة لنا طريقاً لإدخال الغذاء والدواء، فالكثير من الأشياء تدخل باسم المعونة. وكانت البوابات الحدودية مفتوحة”. أما فيما يخص السلاح, فيقول: “لا أحد يستطيع اتهام الحكومة التركية بأنها قدمت لنا الأسلحة، فقد حصلنا على الأسلحة من مصادر مختلفة. فنحن لم نكن بحاجة إلى تركيا لتزويدنا بالسلاح”, مشيراً إلى أن جنود الجيش السوري الحر كانوا يبادلونهم السلاح مقابل علبة سجائر. ويضيف: “كان النفط في سوريا كافياً لندفع ثمن الأسلحة وكل ما يلزمنا. فالإيرادات النفطية كانت تتجاوز الـ 14 مليون دولار شهرياً، وكانت نصف الإيرادات تلك كافية لندفع ثمن كل ما يلزمنا لنفقات السلاح”.

وعن عملية إرسال المصابين لتلقي العلاج في تركيا، يوضح أبو منصور أن مفاوضات قد جرت بيت الجانبين لتسهيل العملية. فالجانب التركي لم يكن يدقق في جوازات سفر القادمين للعلاج، وكانت البوابات دائماً مفتوحة أمامهم كما كان بإمكانهم تمرير سيارة إسعاف. “كان يكفي أن نعلمهم من نكون لنعبر”، يقول أبو منصور. فكان المصاب يتلقى العلاج في المستشفى في الأراضي السورية، وإذا ما احتاج الأمر نقله إلى تركيا كان يرسل في سيارة إلى الحدود، وكانت سيارات الإسعاف على الجانب التركي تنتظر المصاب لنقله إلى المستشفيات القريبة من الحدود. حيث يتلقى العلاج على يد أطباء أتراك وسوريين، وإذا ما كانت الحالة حرجة يتم نقل المصاب إلى مدينة أخرى لتلقي العلاج اللازم. وعن تكاليف العلاج، يوضح أبو منصور أن الدولة الإسلامية هي التي تتكفل بمصاريف العلاج. لكن في بعض المستشفيات العامة في تركيا كان المصابون يتلقون العلاج مجاناً. ولم يقتصر الأمر على مقاتلي تنظيم الدولة فقط، إنما أيضاً ضحايا التفجيرات. وعن أعداد المصابين الذين تم نقلهم، نفى أبو منصور أن يكون على علمٍ بالعدد الدقيق لأنه لم يكن مسئولاً عن إحصائهم. لكنه أكد أن الاتفاق لفتح الأبواب أمام الجرحى وإرسال سيارات الإسعاف لنقلهم كان اتفاق “دولة إلى ولاية”، وأنه تفاوض مع تركيا على الاتفاق لتمرير الجرحى والإمدادات الطبية وغيرها.

كما تفاوض مع تركيا بشأن مياه نهر الفرات أيضاً. فقضية المياه كانت حاسمة بالنسبة للتنظيم. ويروي أبو منصور أن سوريا كانت قد توصلت إلى اتفاق مع تركيا من شأنه إدخال 400 متر مكعب من المياه إلى سوريا كل ثانية، إلا أن الجانب التركي خفض كمية المياه إلى 150 متر مكعب في الثانية بعد الثورة. وبعد مفاوضات التنظيم في العام 2014 مع الجانب التركي عادت الكمية إلى 400 متر مكعب. ويؤكد أبو منصور أنهم لم يكونوا بحاجة للمياه من أجل توليد الكهرباء عبر السدود فلديهم مصادر أخرى كالبنزين، إنما كانوا بحاجة للمياه من أجل الزراعة.
ولكن, ما الفائدة التي جنتها تركيا من هذا الاتفاق؟ فكان الجواب أن تركيا حصلت على فوائد مهمة جداً، ضمنت أن تكون بلادهم آمنة ومستقرة. فهو ينفي أن تكون المفاوضات جرت على أساس أنهم سوف يهاجمون تركيا,، فهذه لغة العصابات. لكنه أكد أنهم اتفقوا على إبعاد تركيا عن ميدان المعركة وأنهم لن ينظروا إليها كعدو، مشيراً إلى أنهم كرروا عدة مرات عبارة: “أنتم لستم أعدائنا، ولستم أصدقائنا أيضاً”.

أما فيما يتعلق بمبيعات النفط، فيعترف أبو منصور أن معظم النفط السوري كان في طريقه نحو تركيا، فيما بيعت كميات صغيرة لنظام بشار الأسد. وأكد أنه لم يكن بحاجة للتفاوض مع مسؤولي الحكومة التركية بشأن هذه المبيعات. فالكثير من التجار الأتراك جاؤوا للحصول على النفط بإذن من الدولة الإسلامية. وبالرغم من اعتقاده أن نجل أردوغان كان المستفيد من نفط داعش، إلا أن الصفقات تمت عبر وسطاء. أما النفط الذي يهرب إلى النظام السوري, فقد تم نقل بعضه عبر الأنابيب والبعض الآخر بواسطة الشاحنات. كذلك جاء التجار من الجانب السوري للحصول على النفط. ولم تقف المفاوضات عند حد المياه ومبيعات النفط، إنما جرت من أجل إطلاق سراح العمال والدبلوماسيين الأتراك في الموصل بعد سيطرة التنظيم على المدينة. فيقول أبو منصور: “جرت المفاوضات في سوريا. في الحقيقة، أعتقد أن الحكومة التركية كانت قد أمرت قنصلها بعدم مغادرة الموصل. فدخولنا إلى المدينة لم يكن من خلال عملية مفاجئة إنما استغرق الأمر أياماً عدة. وكذلك كان العديد من سائقي الشاحنات الأتراك في الموصل حينها. لم تكن حياتهم في خطر, لكن كان لا بد من مفاوضات للإفراج عنهم. فقد قدمت الدولة الإسلامية مطالب لقاء الإفراج عنهم وقد استغرق الأمر بعض الوقت”. ويؤكد أبو منصور أنهم لم يطلبوا فدية مالية لقاء الإفراج عن موظفي القنصلية، إنما طالبوا بالإفراج عن سجنائهم لدى تركيا حيث تم بالفعل الإفراج عما يقارب 500 سجين.

وفيما يتعلق بتحرير الجنود الأتراك الذين يحرسون ضريح سليمان شاه، أوضح أبو منصور أن هؤلاء الجنود لديهم إذن بحراسة الضريح داخل منطقة في سوريا والتي استولى عليه تنظيم الدولة في العام 2014. وأن هؤلاء الجنود البالغ عددهم 45 يتم تغييرهم كل ستة أشهر. وأن العملية لم تكن عملية تحرير إنما تغيير الجنود في عهد الجيش السوري الحر الذي هزم، وروجت تركيا لتحريرهم عندما تمت السيطرة على الضريح من قبل التنظيم. فقد كانت عملية تغيير حراس فقط لا أكثر. وأن العملية جاءت في وقت لم يرغب التنظيم حينها فتح مشاكل مع تركيا بحيث يمكن أن تشكل عقبة أمام عملهم.

وبحسب أبو منصور، فقد كانت تركيا تحاول لعب لعبة مزدوجة مع الغرب في العام 2014، وذلك من خلال السماح للمقاتلين الأجانب بدخول سوريا. لكن الأمر كان يبدو وكأنهم يتخذون الإجراءات لمنع تسللهم. ويؤكد أن تركيا كانت تسهل عبور المقاتلين الأجانب عبر حدودها. فقد طلب الجانب التركي تقليل عمليات إدخال المقاتلين وتغير الطريقة التي يتم إدخالهم بها وعبورهم. فعلى سبيل المثال طلب منه عدم إدخالهم ضمن مجموعات تجنباً للفت الأنظار، وأن يتم إدخالهم من خلال بوابات محددة وأن يكون حضور أبو منصور بدون سلاح أو مرافقين من ذوي اللحى الطويلة. حيث يجب إخفاء عملية دخولهم من الشمال إلى الجنوب قدر الإمكان. كما كان يتوجب على المقاتلين الغربيين، والمتميزين جداً بلحاهم، العبور ليلاً وألا يدخلوا ضمن مجموعات. وإذا ما استطاع المقاتل الأجنبي الاختلاط مع السوريين، فبإمكانه العبور بشكلٍ طبيعي دون لفت الانتباه. لم يُسأل أبو منصور عما إذا كانوا قد منحوا المقاتلين الأجانب جوازات سفر مزيفة للعبور، لكن ووفقاً ل HS Today وبحسب ما أفاد به مقاتلين آخرين، فقد تم منحهم جوازات سفر سورية مزورة زودهم بها عملاء تنظيم الدولة أثناء تواجدهم في اسطنبول. ومن المرجح أن هؤلاء الأشخاص هم الذين وصفهم أبو منصور بأنهم قادرين على العبور بشكل طبيعي من خلال البوابات الحدودية من سوريا إلى تركيا من خلال وثائقهم.
ويوضح أبو منصور أنه في العام 2014 تم فتح بوابات قانونية برقابة الاستخبارات التركية لدخول وخروج المقاتلين. لكن الدخول إلى سوريا كان أسهل من العودة إلى تركيا، فكانت تركيا تتحكم في تحركاتهم. أما فيما يخص هؤلاء الذين لا يمكنهم العبور بشكل قانوني فكانوا يلجئون إلى المهربين لقاء مبالغ كبيرة من المال. إلا أنهم لم يكونوا يثقون بهؤلاء الأشخاص كثيراً فهم يقدمون خدمة مقابل المال. فيقول أبو منصور: “المهرب مثل التاجر. هو رجل لديه سيارة أجرة تدفع له لكنك لا تثق به, فهو ليس بالضرورة مخلصاً لك”.

وأعرب أبو منصور عن قلقه في إحدى المرات حيث طلب منه الأتراك الحضور إلى أنقرة، وذلك في العام 2016، والبقاء لبضعة أسابيع. ليتم بعدها إخباره برغبتهم ببقائه ومرافقيه لفترة في تركيا, وقد ذهب بالفعل للبقاء في أنقرة. فكانت إقامته في فندق يعتقد أنه دار ضيافة تابع للمخابرات، مؤكداً أنهم لم يكونوا يرفضون طلبه بالخروج، فكانت تحركاته تحت حمايتهم. حيث يبين أبو منصور أن تركيا في تلك الفترة، وقبل الهجوم العسكري على منبج، في الفترة ما بين حزيران إلى أيلول من العام 2016، كانت تحاول الانسحاب من التعاون مع تنظيم الدولة. “كانت العلاقات متوترة مع تركيا”، يقول أبو منصور. وكذلك كانت الفصائل داخل تنظيم الدولة غير متفقة فيما بينها بعد أحداث منبج. فالكثير من التغيرات حصلت وكان هناك صراع داخلي مستمر في التنظيم. وطلبت تركيا مراراً إقامة منطقة منفصلة بين تركيا وسوريا لتكون بمثابة منطقة آمنة حيث طلبت تخصيص مساحة من الأراضي السورية على ليعيش فيها السوريين ولكن تحت سيطرة تركيا وحظر الطيران فوقها. ويرى أبو منصور أنه من المدهش أن نلاحظ بأن تنظيم الدولة يشكل خطراً على الأتراك, في حين كان الأكراد كذلك. فقد أرادت تركيا من تنظيم الدولة أن يعيد مسافة طولها 60 كيلومتر وعرضها عشرة كيلومترات من الحدود حتى يتم إزالة الخطر عن تركيا.

أما عن الاعتداءات التي حصلت في تركيا، حيث بدأ تنظيم «داعش» بمهاجمة مطار اسطنبول وملهى رينا الليلي وشوارع أنقرة واسطنبول، نفى أبو منصور أن يكون لتنظيم الدولة علاقة بها. وقال: «التفجيرات في تركيا لم تكن سياسية. لقد كنت في ذلك الوقت في تركيا واعتقدت السلطات أنني على علاقة بحدوثها. كنت في غازي عتاب عندما وقع الهجوم على مطار اسطنبول. لقد ظنوا أنه فعل تم التدبير له من الجانب السياسي لتنظيم الدولة، لكن هذا ليس منطقياً. نحن هناك ونهاجمهم؟». ويشرح أبو منصور موضحاً: «لقد تم توجيه تلك العمليات من الرقة. فقد أصدرت قيادات داعش للأمن الخارجي تعليماتها بشأن شن الهجمات. وأعتقد أن عناصر تابعة للمخابرات التركية كانت في جهاز الأمن في تنظيم داعش. فالتفجير الذي وقع في المطار لم يكن في مصلحة داعش, بل إن مجموعات داعش التركية هي التي أرادت ضرب تركيا ربما متأثرة بأجهزة مخابرات أخرى غير راغبة بوجود علاقات بين داعش وتركيا. فمن غير المنطقي أن تقوم داعش بفعل ذلك لأن معظم عناصرها يصلون عبر هذا المطار. فالأوامر بشن تلك الهجمات كانت من قبل رجال المخابرات التركية داخل تنظيم داعش وكان الهدف منها تغيير مسار المسألة السورية وليس تدمير أردوغان. فقد كانوا يرغبون أن يقوم أردوغان باستخدام الجيش التركي في مهاجمة سوريا وداعش، ووجدوا في هجوم المطار ذريعة جيدة لتحريك قواته».
ويصرّ أبو منصور أن ما حدث لم يكن نظرية مؤامرة. فعندما سجن في سجون وحدات حماية الشعب “YPG” قبل نقله إلى العراق، سمع بأن الحكومة التركية أخرجت من الرقة 40 شخصاُ كانوا أعضاء في أجهزة الأمن التركية. إلا أن هذا لا يعني أن يكونوا هؤلاء الأتراك أعضاء حقيقيين في تنظيم داعش. فلربما تم غرسهم من قبل المخابرات التركية داخل التنظيم للحفاظ على الرقابة. ويؤكد أبو منصور بأن كل من تركيا والرئيس أردوغان «بتطلعاتهما الإسلامية» كانوا يعملون جنباً إلى جنب مع تنظيم الدولة. ويؤكد قائلاً: «بالعودة إلى تاريخ أردوغان, وبالتحديد في الفترة ما بين عام 1983 و 1987، فقد كان أردوغان مقاتلاً في أفغانستان. وما يزال ملتزماً بموقفه».

وتختم مجلة “HS Today” تقريرها بالحديث عن رحلة انضمام أبو منصور لتنظيم الدولة الإسلامية وما آل إليه حاله اليوم. فقد بدأت رحلته في المغرب العربي عندما كان شاباً، حيث شاهد من بعيد أحداث 11 أيلول وشعر بأنه كان يتوجب على المسلمين في العالم الاتحاد، والوقوف في وجه الدكتاتوريين والقوى العالمية، كالتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والذي غزا البلدان الأجنبية. فيقول أبو منصور: «عندما سمعت جورج بوش يقول أنتم معنا أو ضدنا، ورأيت غزوه للعراق, بحثت عمن يدافع عن المسلمين». وبذلك بدأ أبو منصور في متابعة تصرفات قادة تنظيم القاعدة في العراق ، وأبو مصعب الزرقاوي، وتعلم تعاليم الجهاديين المتشددة عبر الإنترنت. وانتظر أبو منصور حتى عام 2013، عندما أصبح مقتنعا بأن الوقت مناسب ويمكن إنشاء دولة إسلامية في سوريا. وقد كان في ذلك الوقت ملتزمًا تمامًا بالقدوم والمساعدة في تحقيق ذلك.

وينهي حديثه بالقول: «اليوم أشعر بالتعب حقًا. ليس الأمر كما لو كنت تراه. معظمهم لم يكونوا متعلمين في داعش. معظمهم لديهم بعض الأسباب للانضمام، وكيف يجمعونهم لجعل هذه الحالة، ومن يجمعهم، الأمر غريب حقًا. لم يكن بحثي عن السلطة»

تحرير: رجا سليم

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.