(الحل) – في حزيران 2016 أكد أمين عام حزب الله حسن نصرالله، في خطاب له مرة جديدة على إيرانية تمويل حزبه، ليقول إن المال المخصص للحزب يأتي من إيران، وإنه طالما ما زال هناك مال في إيران فهناك مال لدى الحزب الله. جاء هذا الكلام في معرض الحديث حينها عن تشديد العقوبات على الكيانات والمعاملات المصرفية المتعلقة بحزب الله وإيران، لينفي أمين عام الحزب أي تأثر بهذه العقوبات.

مع إلغاء الاتفاق النووي الأميركي ازدادت هذه العقوبات حدة وتنوعاً مع مرور الوقت، حتى بات من المستحيل إخفاء أثارها عن جمهور الحزب، إذ كثر الحديث في الشارع المؤيد لحزب الله خلال الأشهر الثلاثة الماضية، عن تسريح مقاتلين غير أساسيين، وتأخر في دفع الرواتب، بل وتخفيضها، بينما طُلب من المقاتلين القدماء الذي كانوا يتقاضون رواتب تقاعدية أن يقدموا خدمات إدارية للحزب مقابل الراتب التقاعدي الذي كان دون مقابل في السابق، وتناولت الأحاديث المتداولة إخلاء شقق شغلها مناصرون للحزب ومقاتلون في صفوفه بعد توقف حزب الله عن دفع بدلات إيجارها.
استمر تدرج الحزب من إنكار تأثير العقوبات على إيران، إلى الاعتراف بها وبآثارها، وصولاً إلى جمع التبرعات علنية لدعم المتضررين من الفيضانات التي ضربت بعض المحافظات الإيرانية مسببة خسائر في الأرواح والممتلكات إذ اضطر قرابة 100 ألف إيراني إلى الإقامة في ملاجئ مؤقتة في الوقت الذي رد فيه وزير الخارجية الإيراني الضعف في عمليات الإنقاذ والإغاثة إلى تأثير العقوبات الأميركية على إيران.

جمع التبرعات هذا تم على يد جمعيات محسوبة على حزب الله، مثل جمعية إمداد الإمام الخميني بالتعاون مع مؤسسة القرض الحسن التابعة لحزب الله، وعلى أساس خطاب يقول بأن إيران لم تقصر يوماً بحق لبنان ليقصر لبنان في حق دعم المتضررين من الفيضانات في إيران.
يأتي كل هذا مع تصاعد تأثير العقوبات ضد إيران وظهور تهديدات بعقوبات أخرى في الأفق، ومحاولة إيران إيجاد حلول لمواجهة العقوبات، وهو السياق الذي يمكن أن ترى فيه زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى العراق في النصف الأول من شهر أيار الماضي، وهي الزيارة الأولى له، والتي وضعت في سياقين: الأول تأكيد وضع اليد الإيرانية على العراق من خلال زيارة علنية ورسمية، في مقابل الزيارة السريعة الخاطفة والسرية للرئيس الأميركي ترامب، وهو الأمر الذي أشار إليه روحاني بقوله أن علاقة العراق بإيران لا يمكن تشبيهها بعلاقته مع “دولة احتلال مثل أميركا المكروهة في المنطقة”. والسياق الثاني هو تفعيل التعاون الاقتصادي بين البلدين لما فيه من مصلحة إيرانية، واستعمال للعراق كساحة اقتصادية خلفية، وشريك في الالتفاف على العقوبات الخانقة.

روحاني الذي اصطحب معه وفداً اقتصادياً كبيراً، لم يخف رغبة في إيران في تعزيز التبادل التجاري، مع توقعات برفع الصادرات الإيرانية إلى العراق من 12 إلى 20 مليار دولار، بينما كانت هناك تصريحات لمرافقين له عن تطلعهم صراحة نحو دور أكبر للعراق في مساعدة إيران على تجاوز بعض صعوبات العقوبات.
هذا التوجه الإيراني نحو العراق لم يكن اختيارياً بعد فشل الاعتماد على الخيار الأوربي فشلاً يكاد يكون كاملاً، فالخلاف الأوروبي الأميركي حول الاتفاق النووي الإيراني قد تم تجاوزه على ما يبدو، فوصف ديبلوماسيون أميركيون المحادثات مع الأوروبيين بشأن العقوبات على إيران بأنها “بناءة كثيراً”، بينما رأى وزير الخاريجة الفرنسية قبل شهور أن إيران يجب أن تعالج المخاوف من برنامجها الصاروخي وإلا فالعقوبات أمامها. وفي المحصلة لا تبدو الشركات الأوروبية ممنوعة من التعامل مع إيران إلا أن ذلك يعني خسارتها التعامل مع أميركا، ونتيجة هذه المعادلة معروفة.
فوق كل ذلك أتى نيسان ليحمل معه إعلان الرئيس الأميركي ترامب تصنيف قوات الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية أجنبية، الأمر الذي استدعى ردوداً إعلاميةً شديدة من إيران التي وصفت أميركا بأنها راعية للإرهاب.

الجديد أن هذ التصنيف هو أول تصنيف لقوات حكومية لدول أخرى على أنه منظمة إرهابية، وهذا القوات، أي الحرس الثوري هو ثالث أغنى مؤسسة في إيران، يسيطر على قرابة ثلث الاقتصاد الإيراني، والتصنيف الذي دخل محل تنفيذ بعد أسبوع من إعلانه يطال بمفاعيله كل أشكال التعامل المالي أو تقديم الدعم بأي صورة لهذا الجسم العسكري، وبالتالي اعتبار أي متعامل معه راعياً للإرهاب وممولاً له.
وجهة نظر مناوئة تذكر بتجارب طويلة من العقوبات الأميركية على إيران منذ أكثر من 3 عقود، وبالعقوبات على كوريا الشمالية وروسيا والصين… والتي بحسب وجهة النظر هذه لم تكن مجدية في الحد من تقدم وتطور هذه الدول، بل وتقدم صناعاتها العسكرية، كما حدث في كوريا الشمالية التي طورت سلاحاً نووياً وجربته مرات عديدة، وكما حدث في الصين التي صار عملاقاً إقتصادياً هو واحد من الأكثر تأثيراً في العالم اليوم.

في مقابل هذا الكلام، لا تعبر ردود الفعل الغاضبة والحادة لإيران المعاقبة عن أن العقوبات ليست ذات تأثير يذكر، فكلما كانت العقوبات أكثر فاعلية وإيلاماً، كلما كانت ردة الفعل أعلى وأكثر غضباً، وإن كان صحيحاً أن أنظمة الحكم غير الديموقراطية التي لا تلتفت إلى آراء مواطنيها وحاجتاهم هي أقدر بهذا المعنى على المصود في وجه العقوبات، يبقى السؤال المختص بإيران وحرسها الثوري وحزب الله، هو كم ستصمد في وجه هذه العقوبات التي حدث من صادراتها، وحرمتها من مستوردات أساسية، وأذلت عملتها الوطنية،
الجواب على هذا السؤال يجب أن يأخذ بعين الاعتبار مدى استمرار السياسة الأميركية على ذات المنوال، وهو أمر مرجح حتى مع تصعيد جديد في حال عودة ترامب إلى البيت الأبيض، وودرجة الالتزام الأوروبي بهذه العقوبات ولو على نحو غير كلي، وحجمفرص الالتفاف الإيراني على العقوبات عن طريق العراق وغيرها.

إعداد: رجا أمين – تحرير: رجا سليم

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.