لبنان (الحل) – شهدت الساحة السياسية اللبنانية مؤخراً صداماً غريباً بين أطراف يفترض بهم أن يكونوا في صف واحد، منضمين إلى محور “الممانعة” إلى جوار حزب الله. إذ وصلت الأمور إلى تدخل جهاز أمني محسوب على رئاسة الجمهورية، هو أمن الدولة ليحقق في تسريبات صحفية نشرت على صفحات جريدة الأخبار، التي أقل ما يقال فيها أنها مقربة من حزب الله، والتضييق على رئيس تحريرها ابراهيم الأمين.

بدأ الخلاف مع نشر جريدة الأخبار محاضر ديبلوماسية مسربة توثق اجتماعات لمسؤولين لبنانيين، وزراء ونواب مع شخصيات أمريكية في الولايات المتحدة، منها ما هو خاص بنائب رئيس الحكومة “غسان حاصباني” المنتمي إلى حزب القوات اللبنانية، المنافس الرئيسي “مسيحياً” للتيار الوطني الحر الذي يرأسه “جبران باسيل”، وزير الخارجية في الحكومة الحالية.

المحضر المسرب لا يورد على لسان “حاصباني” ما يمكن أن يؤخذ عليه، واللافت هو لهجة المسؤولين الأمريكيين في الحديث عن لبنان وأموره، والجرأة في عرض مطالبهم، وتدخلهم في أدق التفاصيل كمنصب حاكم مصرف لبنان ونوابه. ورغم ذلك، لم يسكت “حاصباني” الذي وجدها فرصة للتصويب على “جبران باسيل”، متهماً وزارة الخارجية بالإهمال وبضرورة إجراء تحقيقات تكشف المسربين وتوقفهم، وتداولت، بعد هذه الاتهامات، وسائل إعلام مقربة من التيار الوطني الحر أخبار تحقيق داخلي في وزارة الخارجية بشأن التسريب.
لكن الأمر لم ينقض على هذه الصورة، إذ فوجئ موظفو وزارة الخارجية صباح 6 أيار بعناصر أمنية “ملثمة ومسلحة تسليحاً كاملاً”، تطوق الوزارة وتنتشر داخلها، بعضها يرتدي الملابس المدنية، على رأسها اللواء “طوني صليبا” رئيس أمن الدولة، بينما أبلغ الوزير باسيل بضعة موظفين من بينهم مدراء برتبة سفراء برفع الحصانة عنهم وقرب خضوعهم للتحقيق على يد محققي أمن الدولة.
التحقيق كان “طويلاً وقاسياً ومذلاً في مدلولاته” بحسب ما رشح من أخبار، وإلى جانب أنه لم يأت بنتيجة حتى الآن بخصوص هوية مسرب المحاضر الديبلوماسية، يعتبر سابقة خطيرة بحق السلك الديبلوماسي اللبناني.

تحرك جهاز أمن الدولة جاء بأمر قضائي لا يمكن إغفال ربطه بقدرة رئاسة الجمهورية والتيار الوطني الحر الذي ينتمي إليه وزير العدل، على التحكم بالقضاء وتسييسه والتدخل في عمله. حتى المديرية العامة لأمن الدولة التي بقيت مشلولة لفترة طويلة بسبب تعنت نائب رئيس المدير “الشيعي” المحسوب على “نبيه بري”، أمست مديرية برئيس جديد محسوبة على رئاسة الجمهورية منذ وصول ميشال عون إلى السلطة، فكما أن الأمن العام مقرب من حزب الله، وجهاز المعلومات من تيار المستقبل، لا بد أن يكون لرئاسة الجمهورية جهازها الأمني الذي وقع الاختيار في شأنه على أمن الدولة، الجهاز الذي وقع في أخطاء لا تغتفر منذ بداية رئاسة عون مع قضية زياد عيتاني الذي اعتقل وعذب ولفقت له تهمة تعامل مع إسرائيل ثبت لاحقاً كذبها، ثم في فضيحة التنكيل بشبان سوريين مصابين بالإيدز، وتسريب محاضر التحقيق في الحالتين إلى وسائل الإعلام دون أي رادع أو التزام مهني.

الجهاز الأمني الذي بقي متمتعاً بدعم رئاسة الجمهورية والتيار الوطني الحر رغم فضائحه أكمل مسيرة التحقيق مع الديبلوماسيين الممثلين لبلدهم بالانتقال إلى التحقيق في مبنى جريدة الأخبار التي نشرت التسريبات، فحاول الحصول على تسجيلات كاميرات المراقبة الموزعة في المبنى الذي تحتل الجريدة جزءاً منه، كما تحرى عن عنوان سكن رئيس التحرير ابراهيم الأمين.
التحقيق مع السفراء في الوزارة يمكن أن يفسر على أنه دفع لباسيل لتهمة التسريب عن نفسه، واستغلاله الفرصة للتنكيل بسفراء لا يتوافقون معه، وليظهر نفسه بصورة الرجل القوي الذي يفرض هيبته، وهو سابقة تبقى ضمن وزارة الخارجية التي استجلب وزيرها المحققين إليها، ولكن وصول عناصر أمن الدولة إلى جريدة الأخبار المحسوبة على حزب الله فهو أمر آخر تماماً.

ابراهيم الأمين ليس شخصية عادية، هو رئيس تحرير الأخبار المملوكة من شركة أخبار بيروت ش. م. ل. المملوكة بدورها من إبراهيم الأمين نفسه بنسبة 43.8% وهي النسبة الأكبر بين المساهمين. ومن ناحية أخرى، يبدو الأمين من خلال الأخبار ناقلاً للرسائل التي لا يريد حزب الله البوح بها مباشرة، فهو لا ينفك عن توجيه التهديدات الصريحة والمباشرة لأخصام الحزب بعبارات من نوع “تحسسوا رقابكم”، مطلقاً وصحفيين آخرين في جريدته تهم العمالة والتطبيع على كل من لا يتفق معهم في آرائهم، وهي تهم تكاد تساوي “هدر الدم ولو المؤجل في الواقع اللبناني، مستسهلاً الكذب والتلفيق والبذاءة”.
لم يسكت الأمين عن تصرفات أمن الدولة ففتح النار على باسيل من خلال أكثر من مقال معتبراً أنه حالة يجب علاجها، والعلاج هو من مسؤولية ميشال عون وحسن نصرالله.

ولكن، لما يشتبك جبران باسيل مع جريدة محسوبة على حزب الله يرأسها واحد من أصحاب “الألسنة الطويلة” في لبنان؟!
هذا الاشتباك يظهر باسيل ورئاسة الجمهورية بصورة الأقوياء وهم أصحاب لقب “العهد القوي” وتكتلهم النيابي يحمل اسم “لبنان القوي”، موحياً لـ “المسيحيين” الذي يدعي تمثيلهم استعادة “حقوقهم المهدورة” حتى درجة التجروء على من هم محسوبون على حزب الله، وتثبيت روايته في محاربة الفساد الذي يتمثل هنا تسريباً وخللاً وظيفياً.

من زاوية جريدة الأخبار، ما حصل رفع من أسهمها مجدداً، ودفع صحفيين مستقلين وآخرين معادين لخطها الملتزم بإيران وحزب الله، إلى التضامن قسراً مع الأمين في وجه باسيل، إذا لا يمكن السكوت على تهديد وسيلة إعلامية أدت عملها ولو كان رئيس تحريرها بلطجياً يهدد زملاءه بقص الرقاب.
يبقى قسم واسع من الصحافة اللبناني والرأي العام في البلد شديدي الحساسية تجاه الأمور التي تمس بحرية الصحافة، ولكن، عهد يرأسه ميشال عون ويصول ويجول فيه سياسياً جبران باسيل تحت غطاء حزب الله، لن يعدم وسيلة ولو بمرور الزمن ليروض حريات الشعب اللبناني ويعيد صحافته إلى بيت الطاعة على مثال ما كانت عليه أيام احتلال النظام السوري للبنان.

إعداد: رجا أمين – تحرير: رجا سليم

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.