ريف دمشق (الحل) – منذ اندلاع الاحتجاجات في سوريا عام 2011 وبعد مضي أكثر من ثمان سنوات على معايشة السوريين لحرب طالت آثارها غالبية البلاد، وجدت المرأة السورية في مناطق عدة نفسها محاطة بضغوط مضاعفة، فظروف الحرب والموت والاعتقال من جهة، ومجابهة الواقع المعيشي الذي طلب منها فجأة أن تكون مسؤولة عن المشاركة في إيجاد حلول له، بعد أن كانت مقصاة حتى عن تحمل المسؤولية بسبب العادات والتقاليد ونظرة المجتمع الذكوري لعمل المرأة، من جهة أخرى.

خلال السنوات الثمان الماضية شهدت مناطق عدة في سوريا نشاط المنظمات الإنسانية أو غير الحكومية، التي عادة ما يبرز دورها في ظل الأزمات، لتكون سبيلاً لمساعدة السكان على تدبر بعض من أمورهم الحياتية، كتأمين الطبابة أو المساعدات الغذائية أو توفير بعض خدمات التعليم. ومن المنظمات التي بدأت في الظهور في مناطق النزاع، تلك المعنية بشؤون المرأة، منها المعنى بـ “تمكين” النساء ومنها الذي يقدم مساعدات للنساء أو تقوم على تشغيلها نساء، كما هو الحال في بعض مناطق الشمال السوري، مثل إدلب.

نساء ريف دمشق غير خارج نظاق الدعم والتمكين
نساء في ريف دمشق، لم تتوفر لهن مثل هذه المساعدات، حيث حاولت بعض المنظمات في السنوات السابقة أن تقدم الدعم للنساء هناك عبر عدة نشاطات إلا أن عوامل عدة، مثل التسويات الني تمت وأعادت المنطقة لسيطرة النظام، حالت دون استمرار عمل معظمها.

وفي الوقت الراهن تجد النساء في ريف دمشق أنفسهن في مواجهة واقع معيشي صعب، فكثيرات منهن بتن مسؤولات، كلياً أو جزئياً، عن إعالة عائلات، في مجتمع تحكمته الأعراف والسلطة الذكورية، ففي الوقت الذي يطلب من المرأة المساهمة في إعالة الأسرة، تبقى القيود الاجتماعية والدينية على حركتها مفروضة وبقوة، ومع غياب جهات الدعم، يبقى من الصعب تذليل هذه العقبات وتحسين واقع النساء في المنطقة.

أما بالنسبة للنظام، فهذه المناطق مصنفة على أنّها “غير مضمونة الولاء” لذا يعمل على تهميشها وحرمانها من الخدمات ونشاط المؤسسات المجتمعية كنوع من العقاب الجماعي، وحتى بعد التسويات، تتزايد أعداد النساء بلا معيل في عموم ريف دمشق لأنّ من تبقى من رجالها لايزالون عرضة للمداهمات والاعتقالات .
ومن العوامل التي زادت من صعوبة إيجاد فرص عمل، زمة الوقود التي أثرت على المجتمع الريفي الذي يعتمد اقتصادياً على الزراعة، وبالتالي أصبحت المرأة الريفية معدومة الخيارات، في مجتمع يفرض على النساء قيودا محددة في العمل، ويقيدهن بعادات وتقاليد غالباً ما تكون جائرة ومجحفة بحقن عموما، لاسيما المطلقات والأرامل.

تعقيدات أمنية تحد النشاطات الاجتماعية
فرضت أجهزة النظام الأمنية تشديدات وتعقيدات كثيرة أمام أي حراك مجتمعي منظم، فلم تسمح بالعمل المدني إلّا في إطار مؤسسات حزب البعث، واقتصر نشاط المجتمع المدني على بعض المنظمات المحدودة التي يديرها أشخاص مقربون من النظام، مثل (الأمانة العامة للتنمية) التي تديرها أسماء الأسد، و (جمعية البستان ( التابعة بشكل مباشر لرامي مخلوف، واقتصر وجود منظمات عاملة فعلياً في المنطقة على فترة سيطرة المعارضة عليها، حيث تم تأسيس بعض المنظمات والمؤسسات لسد الفراغ الناجم عن غياب مؤسسات النظام وتمكّنت من إدارة شؤون المنطقة لسنوات على نحو جيد مقارنة بالإمكانيات والظروف المحيطة بها.
ولا تسمح حكومة النظام بوجود نشاط للمنظمات المدنية سوى للمقربين من السلطة، كون ذلك يحد من سيطرتها الفعلية على المنطقة، التي لا يريد لسكانها الاستفادة من أي منظمات أو نشاطات اجتماعية وبالتالي التغلب على تبعات الحرب المندلعة خلال السنوات الأخيرة، كي لا يفكروا بالثورة عليه مجدداً، حسب ناشطين.

مبادرات فردية وتحديات كبيرة
الباحثة الاجتماعية سلام الخولاني تحدثت “للحل” عن المبادرات الفردية في مناطق سيطرة النظام وقالت: “لم تشهد مناطق سيطرة النظام نشاطاً مدنياً كالذي شهدته “المناطق المحررة”، إلّا أنّ بعض الناشطين والشباب حاولوا العمل وفق مساحة محدودة، فظهرت مبادرات فردية باء معظمها بالفشل لعدة أسباب، أهمها الوضع الأمني المعقّد، والذي يقوم على ملاحقة ومراقبة الناشطين بشكل مكثف، إضافةً لقلة الخبرة وضعف التخطيط وانعدام الهيكلية الواضحة في العمل، وشح التمويل الذي أجبر الذين حاولوا القيام بنشاطات اجتماعية على العمل التطوعي، والذي يصعب على معظم السوريين بسبب الظروف المعيشية الصعبة، وفق قولها.
وتابعت الباحثة الاجتماعية “الواقع الاجتماعي في ريف دمشق يفرض تحديات كبيرة على الراغبين بالعمل على دعم المرأة، فالقيود المفروضة نتيجة العادات والتقاليد القديمة تعرقل أي جهد لإعطاء المرأة حقوقها وتمكينها في المجتمع، فهي تواجه التهميش في كل مفاصل الحياة، وتتعرض للظلم في كثير من الأمور، التي تبدأ بالظلم المادي من خلال هضم حقوقها في الميراث والممتلكات، وتصل إلى التعنيف والمشاكل النفسية والاستغلال.

كيف يعوض المجتمع نقص المنظمات؟
وقالت خولاني: يجب تنشيط فعاليات منظمة لدعم المرأة وتوضيح حقوقها في المجتمع تكون فيها الاستمرارية أمراً أساسياً، وتعتمد على منهجية واضحة في تناول المشاكل التي تواجه المرأة والضغوط التي تتعرض لها، مع وضع الحلول “المعقولة” بعيداً عن المثاليات في الطرح، حسب تعبيرها.
وأضافت خولاني إلى أنه يتعين على الوجهاء ورجال الدين في المناطق الريفية إحياء سياسة التكافل الاجتماعي وتقديم الرعاية للمرأة من خلال تنفيذ مشاريع بسيطة يمكن للنساء فيها العمل من منازلهن كمشاريع تجهيز المونة او الخياطة او تربية الدواجن والمواشي وغيرها، بالإضافة لتشجيع النساء على متابعة التعليم واستكمال دراستهن، الأمر الذي من شأنه تحسين وضع المرأة في المجتمع ومضاعفة فرصتها في الاعتماد على نفسها.

إعداد: سليمان مطر

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.