فورن بوليسي: الأسد لم يحقق أي نصر في سوريا

فورن بوليسي: الأسد لم يحقق أي نصر في سوريا

وكالات (الحل) – نشرت مجلة الفورين بوليسي الأمريكية تقريراً مطولاً تتحدث فيه عن حال الدولة السورية في ظل حكم الرئيس بشار الأسد. حيث ترى الصحيفة أنه حان الوقت لكي نعرف ما يحكمه الأسد: دولة فاشلة وفوضوية يسودها العنف. كما تشير إلى ضرورة الاعتراف بمدى عدم استقرار الأوضاع في البلاد مؤكدة أن بقاء نظام بشار الأسد من شأنه ضمان استمرار الفوضى وعدم الاستقرار لسنوات عديدة قادمة، إضافة إلى استمرار الصراع.

وتشير المجلة إلى أنه عندما تتبادل الآراء حول سوريا، فسوف تسمع بشكلٍ متكرر جداً عبارة “الأسد انتصر” أو “الحرب توشك على النهاية”. فمنذ التدخل العسكري الروسي في سوريا في شهر أيلول من العام 2015، لم تحظى المعارضة السورية بنصر واحد في المعارك ضد النظام وفقدت الغالبية العظمى من المناطق التي كانت تسيطر عليها. ليعيد النظام فرض سيطرته على ما يقارب من ثلثي سوريا. وفي الوقت ذاته تعرضت “الخلافة” الإقليمية لتنظيم داعش في شرق سوريا لهزيمتها الأخيرة في آخر معقل لها في قرية الباغوز أواخر شهر آذار الماضي. وقد أصبح موضوع سوريا اليوم، إلى حدٍّ كبير، يُناقش من خلال موضوعات تتعلق بقضايا مثل عودة اللاجئين السوريين وعملية إعادة إعمار البلاد وإمكانية تخفيف العقوبات المفروضة على النظام ومسألة ما إذا كان ينبغي الانتقام من النظام أم لا.

وترى المجلة من خلال تقريرها أن هذه اللحظة بالنسبة للمدافعين عن النظام هي لحظة للاحتفال وتنفس الصعداء وتكثيف الدعوات للعالم لقبول هذا الواقع الجديد وإنهاء العقوبات ومساعدة سوريا في عملية إعادة الإعمار واستعادة فرض السيادة في جميع أنحاء البلاد. وبالرغم من أن هذه الدعوات ليست بجديدة، إلا أنها تحقق تقدماً بين بعض المراقبين وصناع القرار ذوي التأثير. فعلى سبيل المثال، شارك مركز كارتر، الذي أسسه الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر، في استضافة اجتماع في لندن في شهر نيسان الماضي. حيث تمت مناقشة قضايا مختلفة مثل “استعادة السيادة الإقليمية” وسبل تأمين إزالة القوات المسلحة التي تنشط في سوريا والتي لا تنتمي للحكومة السورية. وقد استضافت “الجمعية البريطانية السورية” هذا الحدث، وهي جمعية مؤيدة للنظام أسسها فواز الأخرس حمو الرئيس بشار الأسد والذي كان يقدم المشورة للأسد في العام 2012حول كيفية مواجهة شهادات المدنيين الذين تعرضوا للتعذيب.

لكن التقرير يؤكد على وجود مشكلة واحدة فقط: نظام الأسد لم يكسب أي شي. لقد نجا بنفسه على حساب دم السوريين وقلقهم، أما الاستقرار فيبقى أمراً بعيد المنال. كما أن آخر معاقل المعارضة في شمال غرب البلاد تبدو مستعصية على الحل، إضافةً إلى وجود دلائل كثيرة تشير إلى عدم الاستقرار في المستقبل. وبالرغم من أنه لم تعد هناك حرب أهلية مفتوحة في سوريا، إلا أن الأزمة السياسية في البلاد تزداد حدّة يوماً بعد يوم. والأسباب الرئيسية التي أدت إلى انفجار الانتفاضة في العام 2011 لا تزال قائمة، ومعظم تلك الأسباب أصبحت أسوأ من ذي قبل. وحتى المناطق التي يسيطر عليها النظام والتي يقطنها أكثر المؤيدين والمدافعين عن النظام، فإن الحياة اليومية فيها تواجه تحديات أكبر من تلك التي كانت تواجهها خلال أيام الصراع الأكثر حدّة.
وتشكل إدلب، آخر معقل للمعارضة في البلاد والواقعة في الشمال الغربي لسوريا، حوالي أربعة بالمائة من أراضي البلاد. ويقطنها ثلاثة ملايين نسمة نزح نصفهم تقريباً. وبحسب تقديرات المجلة، فإن هذا الجيب الصغير والذي كان هدفاً لهجوم واسع النطاق منذ حوالي شهرين حتى اليوم، يحتوي 60 ألف مقاتل مسلح مصمم على مواصلة القتال ضد النظام ومؤيديه. حيث أن نصف هذا العدد أدلى بولائه للفصائل المعارضة الرئيسية والمختلفة، أما النصف الآخر فهم ينتمون إلى الجماعات الجهادية، والتي يوالي البعض منها تنظيم القاعدة.
وبالرغم من الهجوم الكبير الذي شنته قوات النظام وحلفائه إلى جانب الفصائل الموالية للنظام بما فيها قوات النمر والحرس الجمهوري والفرقة الرابعة، إلا أنه وبعد عشرة أسابيع استعاد النظام السيطرة على ما يقارب واحد بالمائة فقط من الأراضي. وقد أسفر الهجوم عن مقتل 400 مدني ونزوح 330 ألف آخرين. وبسبب امتلاء مخيمات النازحين، أصبحت بساتين الزيتون مأوى لأعداد كبيرة من العائلات الفارّة من القصف الجوي والمدفعي.

وترى المجلة أن الـ 1% التي استعاد النظام سيطرته عليها هي خير دليل على افتقاره للطاقة البشرية. والحل يكمن في يد إيران التي رفضت نشر وكلائها في معركة إدلب بحجة أن الشمال الغربي من البلاد لم يكن ذي أهمية إستراتيجية لمصالحها في سوريا، ذلك بحسب ما أوردته في اجتماع أستانا في شهر شباط الماضي. الأمر الذي من شأنه إثارة تساؤلات حول جدّية طلب إدارة ترامب مغادرة جميع القوات الإيرانية والمدعومة من قبل إيران كشرط مسبق لإجراء محادثات جادة. وبالرغم من سعي الأسد تحقيق هدفه في استعادة كل شبر من سوريا، إلا أن نسبة الـ 4 بالمائة هذه تبدو عصيّة عليه حيث تشكل تحدٍّ يتجاوز إمكانيات النظام. ويشير التقرير إلى ظهور علامات تشير إلى احتمال تراجع النظام عن هدفه هذا بعد الهجوم الذي وقع في اللاذقية في الأيام الأخيرة الماضية. أما عن مصير المنطقة، فيبين التقرير أن هيئة تحرير الشام، التي كانت تابعة لتنظيم القاعدة، اقترحت أن تصبح ما تٌسمى بحكومة الإنقاذ هي السلطة الحاكمة في المنطقة. السيناريو الذي تعتبره المجلة بعيداً عن أن يكون في مصلحة أي أحد، أو على الأقل عن مصلحة الثلاثة ملايين نسمة من سكان المنطقة.

وإذا ما استمر الوضع الراهن على ما هو عليه من حالة الفوضى والعنف، فإن فصائل أخرى تابعة لتنظيم القاعدة مثل تنظيم “حراس الدين”، سوف تستفيد أيضاً. وبالرغم من ادعاء هذه الفصائل تركيزها على القتال في شمال غرب سوريا، إلا أن مصادر موثوقة أكدت للمجلة أنها تعمل أيضاً على إعادة النظر بشأن ما وصفته بـ “العدو البعيد”، أي الغرب. حيث أكدت ثلاث شخصيات، كلّ على حدى، تنتمي لفصائل إسلامية مختلفة والتي تتخذ من إدلب مقراً لها، أنه ومنذ منتصف العام 2018 يؤكد الموالون لتنظيم القاعدة خلال نقاشاتهم العامة على ضرورة استخدام إدلب كقاعدة لانطلاق العمليات الخارجية.
منجهة أخرى وبالرغم من فقدان تنظيم داعش لقاعدته الإقليمية، حيث كان يحكم مساحة بحجم مساحة المملكة المتحدة في كلّ من سوريا والعراق، إلا أن التنظيم احتفظ بمعدل عمليات مرتفع في شرق سوريا خلال الأشهر الأخيرة الماضية بشكلٍ يدعو للقلق. فبحسب التقارير المتواترة، فقد وقع ما يزيد عن 370 هجوماً منذ شهر آذار الماضي في شرق سوريا، وقد نُسب معظمها إلى تنظيم داعش وخلاياه النائمة.

وبالرغم من إصرار إدارة ترامب على إبقاء القوات الأمريكية في سوريا، إلا أنها لن تكون بذات الفاعلية نظراً لتقليص عدد الجنود الأمريكان على الأرض. فبحسب الخطة المعلن عنها، يجب أن يصل عدد القوات الأمريكية إلى حوالي ألف جندي اليوم و400 بحلول خريف العام 2020. إلا أن المجلة ترى أن هذا العدد ليس كافياً للقضاء على تنظيم “داعش” بشكلٍ نهائي وللعمل على تدريب قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المتحالفة مع الغرب لدرء التهديدات التي تواجهها من قبل النظام السوري وروسيا وإيران وتركيا ولإقناع العشائر العربية لتبقى مناصرة لقسد التي يقودها الأكراد. لذا فإن إستراتيجية الولايات المتحدة الحالية بشأن معقل تنظيم داعش السابق شرقي الفرات يصعب أن تكون مستدامة.

ويؤكد التقرير أن تنظيم “داعش” لا ينشط فقط في شرقي الفرات، وإنما يحتفظ التنظيم بقوة قتالية أشد في الجهة الغربية من النهر. حيث استعادت قوات النظام سيطرتها على المنطقة بعد فرضها الحصار على المنطقة. وقد عمل التنظيم على ترويع الجيش السوري والميليشيات التابعة له في جميع أنحاء الصحراء. وتشير التقارير إلى أن نظام الأسد قرر مراقبة التنظيم واحتوائه بدلاً من مهاجمته، الأمر الذي أدى إلى اتهام الأسد بغض الطرف عن أولوياته في مكافحة الإرهاب.
وقد عززت كل من إيران وحزب الله من وجودهما في هذه المنطقة الصحراوية الوسطى، إلا أن أهدافهما تتجاوز العمليات العسكرية في المنطق، فهي تشمل نشر التعاليم الإسلامية “الشيعية” وحملات تجنيد لصالح “الميليشيات الشيعية” والمؤسسات الدينية والثقافية الإيرانية.

وقد كانت المعارضة السورية تسيطر على ثلاث مناطق إقليمية بالإضافة إلى إدلب. فكانت في جنوب سوريا وجنوب غربها وفي منطقة الغوطة الشرقية في دمشق وفي ريف حمص. وكانت قد عيّنت المناطق آنفة الذكر، بغرض إنهاء النزاع، كمناطق خفض التصعيد من قبل روسيا وإيران وتركيا في أستانا في منتصف العام 2017. وقد بدأت العمليات من الغوطة الشرقية في الفترة الواقعة بين شباط وآذار من العام 2018، ثم ريف حمص بين نيسان وأيار وأخيراً جنوب سوريا بين حزيران وتموز من العام الماضي. وقد أصبحت تلك المناطق تخضع لرعاية ما يسمى باتفاقيات المصالحة التي سمحت للناس بالبقاء في مناطقهم شريطة أن يتصالحوا مع النظام ويخضعوا له. لكن الواقع كان أن تلك المبادرة الروسية الخبيثة كانت تهدف إلى تعزيز النقص في صفوف قوات نظام الأسد. حيث تم دمج تلك الجماعات المسلحة المتصالحة مع النظام في هياكل اسمية ضمن الجيش السوري لكن تبقى ضمن مناطقها وتحت الوصاية الروسية.

كما أن عودة النظام إلى تلك المناطق أدت إلى التجنيد الإجباري وسوء الخدمات وزيادة قمع الدولة وفي بعض الأحيان يتشتت السكان المحلين ما بين الجهات الأمنية المحلية المدعومة من قبل روسيا ومنافستها المدعومة من قبل إيران. وقد وجد عدد كبير من مقاتلي المعارضة المتصالحين مع النظام أنفسهم في مواجهة مع زملائهم السابقين، كما حصل في إدلب مؤخراً حيث قُتل العديد من المقاتلين المنتمين للمنطقة الجنوبية خلال الأسابيع الأخيرة الماضية. ويؤكد التقرير أن لا أحد تصالح مع النظام، إنما أُجبر الجميع على الخضوع لعملية المصالحة هذه.

وبالنتيجة، فإن ذلك أدى إلى تزايد حالة عدم الاستقرار خاصة في جنوب سوريا. حيث أعلن مسئولين في أمن النظام، بحسب أحد المصادر، تأزم الحالة. فقد شهدت مدينة درعا خلال الأشهر الأخيرة العديد من الهجمات التي نفذتها شبكة المقاومة السرية والتي يزعم أن أعضائها هم من المقاتلين المتصالحين مع النظام والمصنفين ضمن سجلاته على أنهم من قوات النظام. وخير مثال هو تهديد أدهم الكراد، المتصالح مع النظام والذي كان قائداً معارضاً سابقاً، في الثالث والعشرين من شهر حزيران الماضي بدعمه لحملة العصيان المدني إذا ما تابع النظام إرسال مقاتلين من المتصالحين في منطقة الجنوب للقتال في إدلب. وقد شهدت العاصمة دمشق أيضاً سلسلة من الهجمات، وكذلك مناطق في دير الزور الخاضعة لسيطرة النظام. وترتبط معظم تلك الحوادث بعلاقات مع الجذور الأولى للتمرد ضد النظام في العامين 2011 و 2012. الأمر الذي يؤكد رسوخ الحماس الثوري بين فئة رغم أنها باتت تشكل أقلية اليوم وتتمتع بوسائل أقل. أما النظام وحلفائه الروس أو الإيرانيون، فلم يبدوا حتى اليوم أية إستراتيجية للتعامل مع المعطيات الجديدة للمقاومة المسلحة في المناطق التي يفترض أنها متصالحة مع النظام. لذا من الصعب توقع السيناريو الذي سوف يتّبع في ظل تفاقم حالة عدم الاستقرار.

وفي الوقت الذي يسيطر فيه النظام السوري على 62% من البلاد، فإن الـ 38% الأخرى يسيطر عليها سوريين مدعومين من الحكومات الأجنبية. فالولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها يسيطرون على 28% من الأراضي في شمال شرق سوريا وشمالها. أما تركيا فتفرض سيطرتها على 10% من الأراضي السورية المتمركزة في شمال حلب وشمال غرب سوريا. وقد أدت مشاركة تركيا والولايات المتحدة إلى نشوب صراعات متعددة على المستويين المحلي والدولي، سواء بين العرب والأكراد أو المعارضة وقسد أو الولايات المتحدة الأمريكية مقابل كل من إيران وروسيا والنظام وربما حتى تركيا، ناهيك عن صراع النظام مع جميع من تم ذكرهم.

ومن غير المرجح أن تغادر تركيا المناطق المتواجدة فيها في الوقت الراهن، والولايات المتحدة الأمريكية موجودة أيضا في المستقبل القريب على الأقل. وتواصل إسرائيل اعتبار الوجود الإيراني بالقرب من حدودها تهديداً لأمنها. وقد شنت العديد من الهجمات على الأراضي السورية لذلك السبب. ومن المرجح أن يتم التصعيد بين إسرائيل وإيران وسط مزاعم باستهداف إيران لناقلات الشحن وإسقاط الطائرات الأمريكية بدون طيار وتشجيعها للميليشيات العراقية باستهداف المنشآت التابعة للولايات المتحدة في العراق وتسهيلها هجمات الحوثيين على أهداف سعودية.

كما أدت سنوات الحرب الثمانية إلى نتائج اقتصادية كارثية. حيث يشير التقرير إلى أن تلك النتائج جاءت نتيجة فساد النظام السوري وسوء إدارته. وقد تزايد الغضب الشعبي بشكل كبير بين الموالين للنظام، لأن ما يسمى بالحياة ما بعد الحرب قد شهدت تدهوراً للأحوال الاقتصادية على المستوى الشخصي بدلاً من تحسنها. والمعضلة الأكبر في طريق تحقيق الاستقرار بالنسبة لسوريا هو تحدي إعادة الإعمار. فقد قدّر البنك الدولي تكلفة عملية إعادة الإعمار بـ 450 مليار دولار في العام 2016 شريطة انتهاء النزاع في العام 2017، و780 مليار دولار إذا ما استمر النزاع حتى العام 2021 وبحسب تقديرات نشرها موقع Qantara الألماني، فإن عملية إعادة إعمار البلاد سوف تستغرق 50 عاماً في حال العمل بنزاهة بعيداً عن الفساد وعدم وجود نفقات عالية للكفاءات، وكلا الشرطين لا يمكن تحقيقهما.

وتختم مجلة الفورين بوليسي تقريرها بالإشارة إلى أنه وبالعودة إلى حجم جرائم الحرب والفظائع التي ارتكبها النظام منذ العام 2011 واستمراره في الوقوف في وجه أية وساطة دولية لحل الأزمة، فلا سبب يدعو للافتراض بأن المجتمع الدولي سوف يخفف من قيوده الاقتصادية على النظام السوري في المدى القريب. وسواءً اعترفوا بذلك أم لم يعترفوا، فإن لكل من الولايات المتحدة وحلفائها مصالح في سوريا. لكن إذا ما قررت الولايات المتحدة التخلي عن سوريا وتركها في حالة اضطرابها الحالية، فإن الفوضى سوف تعود لتطارد الجميع. وهذه المرة قد لا يكون هناك أي فرصة للقيام بشيء حيال ذلك.

ترجمة موقع (الحل)

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.