المئات من عناصر “داعش” يتسللون عائدين إلى العراق

المئات من عناصر “داعش” يتسللون عائدين إلى العراق

وكالات (الحل) – نشرت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية تقريراً أشارت فيه إلى أن معركة مقاتلي تنظيم “داعش” لم تنته بعد. فبحسب مسؤولي أمن عراقيين، فإن مقاتلي تنظيم “داعش” الذين فرّوا في وقتٍ سابق من هذا العام من سوريا، بعد هزيمة “الخلافة” التي أعلنوا عنها، قد تسللوا عبر الحدود نحو العراق. الأمر الذي عزز تمرداً منخفض المستوى يشنه التنظيم الآن وسط البلاد وشمالها.

وبحسب “هشام الهاشمي”، محلل أمن ويقدّم المشورة للحكومة العراقية ووكالات الإغاثة الأجنبية، فإن حوالي ألف مقاتل قد عبروا الحدود إلى العراق في الأشهر الثمانية الماضية، معظمهم عبر في أعقاب انهيار دولة “الخلافة” في شهر آذار الماضي. ومعظم هؤلاء المقاتلين هم من العراقيين الذين تبعوا التنظيم إلى سوريا، حيث يعودون إلى ديارهم للانضمام إلى الخلايا المسلحة التي تختبئ في المناطق الريفية الوعرة مدعومين بمعرفتهم العميقة لتضاريس المنطقة. ومن ضمن الأعمال التي يقومون بها حفر الأنفاق. ويتحرك هؤلاء المسلحون متسترين بظلام الليل لتنفيذ عدّة هجمات في الأسبوع، سواء كانت تفجيرات أولية على الطرقات أو عمليات قنص واغتيال.

وغالباً ما تكون هجماتهم التي تُنفذ خارج المدن الرئيسية انتهازية مستهدفةً من خلالها بالدرجة الأولى قادة المجتمع وقوات الأمن المساهمين في الجهود الرامية إلى القضاء عليهم. ففي وقتٍ سابق من الشهر الحالي، أدى انفجار في مدينة كركوك الشمالية إلى مقتل اثنين من سائقي الدراجات النارية. كما استهدف هجومٌ منفصل في مدينة ديالا الواقعة شرقي العراق مقاتلين في الميليشيات الشعبية المكلفين بمطاردة المسلحين. وكانت أجهزة إعلام تنظيم داعش قد بثّت تسجيلات فيديو تعرض من خلالها عمليات اغتيال مقاتلين شبه عسكريين وشخصيات محلية بارزة مثل “المختار”، وهو الشخص المكلف بمهمة مساعدة قوات الأمن بالتعرف على الأشخاص المرتبطين بالتنظيم المتطرف. “أنا أحذّر جميع المخاتير من أن تنظيم داعش يمكن أن يصل إلى أي مكان يرغب به”، يقول أحد المختطفين في تسجيل فيديو نُشر في وقتٍ سابق من هذا العام. حيث يحذّر من خلاله شخصيات المجتمع التي تتعاون مثله مع القوات الحكومية للقضاء على التنظيم.

ويشير التقرير إلى أن صيادي الكمأة الذين اختطفوا، ربما تعرضوا للخطف بسبب تجوالهم بالقرب من المخابئ الصحراوية التابعة للتنظيم. وكانت قوات الأمن العراقية قد أعلنت في وقتٍ سابق من هذا الشهر عن انطلاق حملة عسكرية جديدة لمسح الصحراء وتأمينها على طول الـ370 ميلاً من الحدود العراقية مع سوريا. وفي غضون أيام من انطلاق الحملة، أبلغوا عن اكتشاف مصانع لتصنيع المتفجرات وأنهم تمكنوا من القضاء على العديد من المتطرفين.

إلا أن التحدي المتمثل باقتلاع مقاتلي التنظيم من جذورهم يبدو صعباً على أرض الواقع. ويؤكد ذلك العقيد سعد محمد وهو يقود سيارته عبر الصحراء الصخرية في محافظة الأنبار الغربية، فيشير إلى فسحةً واسعة، قائلاً: “انظر إلى حيث يختبئون. إنها صحراء، إنها كهوف، إنها أماكن لا يمكن لأي أحد أن يفرض سيطرته بالكامل عليها”. ويضيف قائلاً: “كم من الوحدات يلزمنا لتأمين كل هذه المساحة؟ الكثير جداً. لا أحد لديه تلك الإمكانيات”. كما يقول محمد، المحارب الذي شارك في الحملة التي هزمت خلافة تنظيم داعش، أنه قاتل في كل المعارك الرئيسية التي شنها الجيش العراقي لطرد المجموعة، وأنه أصيب بسبعة رصاصات في الصدر في معركة بالأسلحة النارية وقعت بالقرب من بلدة القائم الحدودية في العام 2017.

وكانت الحكومة العراقية قد أعلنت نصرها على “خلافة” تنظيم داعش في أواخر العام 2017، ذلك بعد شهراً واحداً من طرد قوات الأمن العراقيين مسلحي التنظيم من بلدة القائم على الضفة الشرقية لنهر الفرات. وكان الجنود العراقيون يراقبون المعركة الأخيرة للمجموعة في آخر جيبٍ لها في سوريا عبر النهر الفاصل بينهما. فقد طوّقت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية عشرات الآلاف من مقاتلي تنظيم داعش الأكثر تشدداً في قرية الباغوز السورية، وكان الكثير منهم يختبئون تحت الأرض. وقد استمرت المعركة الأخيرة لأسابيع حتى تمكنت هذه القوات من السيطرة على آخر نصف ميل مربع متبقي من دولة “الخلافة”. وقد وصف الجنود العراقيين نهر الفرات بأنه “كان يرتعد تحت القصف الجوي حاملاً جثث الرجال الذين غرقوا أثناء محاولتهم الهرب”.

ويبدو اليوم المشهد هادئاً على طول النهر، إلا أن المسلحين الإسلاميين الفارّين لا يزالون مستمرين بالتسلل عبر الحدود إلى العراق. وتشير الصحيفة إلى أنهم غالباً ما يتنكرون كرعاة أغنام. وبحسب مسئولي الأمن العراقيين، فإنه في كثير من الأحيان لا يتم الكشف عنهم أو عن وجهتهم. كما يسافر البعض من المقاتلين سيراً على الأقدام. والطريقة الأكثر شيوعاً هي تسللهم عبر الصحراء بالسيارات التي يتم اكتشافها في بعض الأحيان عبر طائرات الاستطلاع فيتم استهدافها بالغارات الجوية العراقية أو غارات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.
وعندما يُحاصر مقاتلي تنظيم “داعش”، فإنهم يردّون بعنف. “بعد ذلك، إنهم يقاتلون من أجل حياتهم”، يقول قائد عسكري عراقي، طلب عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخوّل بالتحدث إلى وسائل الإعلام.
ويقول مسؤول عسكري كبير آخر، لم يكشف عن هويته للسبب ذاته، في وصفه للهجوم الأخير على مخبأ تنظيم “داعش” بالقرب من بلدة الرُطبة الغربية بأن المروحية التي كانت تقلّ جنوده استهدفت بالقذائف الصاروخية حتى قبل أن تصل إلى الأرض. وأضاف قائلاً: “هذه معارك صعبة للغاية. إنهم لا يستسلمون”.
وبحسب وزارة الدفاع العراقية والمحللين العراقيين الذين يتعقّبون المجموعة، فإن خلايا تنظيم داعش محصورة إلى حدٍّ كبير في المناطق الريفية الداخلية. وهناك بضعة إشارات على أن المجموعة يمكنها أن تستعيد السيطرة مرةً أخرى على مساحات واسعة من الأراضي أو أن تحصل على الدعم الكبير. إلا أن الخبراء يحذّرون من أن التمرد بمستويات منخفضة يمكن أن يرهب المجتمعات المحلية في حين يساهم في غض الطرف عن نشاط المسلحين الرئيسي حيث يستعدّون لنضال طويل الأمد.
وكان تنظيم “داعش” قد قدّم نفسه، بينما يصعد نحو السلطة، على أنه حامي المجتمعات “السنية” المسلمة والتي تتعرض للاضطهاد من قبل الدولة العرقية التي يسيطر عليها المسلمون الشيعة. ومنذ ذلك الحين، أدى صعود وانهيار التنظيم إلى تمزيق النسيج الوطني العراقي وإلى تقسيم المجتمعات المحلية. كما أدى إلى دمار مناطق بأكملها بينما كان التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية يشن معارك طاحنة لطرد الجهاديين.

وبحسب السكان المحليين، فإن وحشية الجهاديين والضرر الذي تسببت به الحرب، إضافةً إلى وصمة العار المرتبطة بأي علاقة تصل الشخص بالتنظيم، شجّعت بعض المدنيين على التعاون مع أجهزة الأمن العراقية وتقديم أدنى المعلومات لهم. كما يُمنع في كثير من الأحيان أقارب الجهاديين من العودة إلى ديارهم أو إلى قراهم.
ويقول سام هيلر، خبير في مجموعة الأزمات الدولية: “من الواضح الآن أن الناس بين العامين 2013 و 2014 لم يكونوا قد فهموا بشكلٍ كامل ما هو تنظيم داعش أو كيف كان هذا التنظيم مختلفاً تماماً عن المجموعات الأخرى التي تعارض الدولة”. ويضيف: “الآن، قامت الكثير من تلك المجتمعات المحلية بعملية طردٍ لأي شخص له أدنى صلة بالتنظيم”.

وعلى طول الطريق المؤدية إلى بلدة القائم، تظهر الآثار التي خلّفتها المعارك السابقة مع التنظيم جليّة. وقد عادت الحياة بشكلٍ جزئي إلى بعض البلدات، إلا أن مدناً أخرى بقيت هادئة كمدينة للأشباح حيث أدت الغارات الجوية إلى هدم البيوت والمحال التجارية. والكثير من الناس مفقودين، وعائلاتهم ليست متأكدة ما إن كانوا على قيد الحياة أم في عداد الموتى.
ويؤكد التقرير انكشاف التنظيم وخباياه بالنسبة إلى الأهالي وعدم رغبتهم بعودته بتاتاً. ففي اتصال هاتفي للصحيفة مع الشيخ أحمد السند، أحد شيوخ المنطقة، قال هذا الأخير: “أهالي الأنبار أكثر حرصاً من الحكومة العراقية ذاتها على عدم العودة إلى الحياة تحت ظل تنظيم داعش”.

إلا أن الحملة الدعائية للتنظيم تشير إلى أن التنظيم لا يزال صامداً. “الحرب لم تنتهِ بعد”، يقول أحد الجهاديين في تسجيل فيديو مرعب صدر الشهر الماضي، حيث يتضمن تسجيلات لعمليات الاغتيال التي يقوم بها التنظيم خلال الليل. ويضيف الجهادي قائلاً: “هناك العديد من الفصول بيننا وبينكم، وسوف تتم كتابتها بالدم”.

ترجمة موقع (الحل)

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.