ما يزال فيلم “دم النخيل” للمخرج السوري “نجدت أنزور”، والذي يروي قصة “نضال” جيش النظام في مدينة #تدمر ضد تنظيم داعش، الذي قام عناصره بقتل عالم الآثار خالد الأسعد بعد دخولها، محط جدل واستياء، بعد الإعلان الأول عنه في دار الأوبرا في العاصمة دمشق، خصوصاً مع حضور رئيس النظام السوري بشار الأسد وزوجته أسماء الأخرس عرضه التمهيدي الأول، بالإضافة لتسليط الضوء عليه من قبل عشرات الوسائل الإعلامية المكتوبة والمسموعة والمرئية.

لكن سرعان ما انقلب هذا الانتشار الواسع على منتجيه بشكل سلبي، حيث تعرض لانتقادات واسعة واتهمه متابعون وخبراء بإثارة النعرات الطائفية، بعد تصوير المشهد البطولي لضابط ساحلي (من الطائفة العلوية)، وتصدر عنصر من السويداء (من الطائفة الدرزية) لمشهد الخوف والجبن أثناء الحوار الذي تم عرضه في إعلان الفيلم، الذي تم إعلان تأجيل عرضه وسحبه من دور العرض بعد الانتقادات الواسعة التي تلقاها خصوصاً من أهالي محافظة السويداء، الذين اعتبروه مسيئاً لهم.

عرض متخبط وأحداث متناقضة
أظهر العرض التقديمي للفيلم الذي من المفترض أن يكون متقناً بسبب حضور رئيس دولة لمشاهدته، تخبطاً واضحاً في السرد والأحداث، وأوضح كمية المجاملة التي قد يحظى بها أي منتج يتملق لجيش النظام أو رموزه حتى وإن كان دون المستوى المأمول، فالفيلم الذي من المفترض أن “يمجّد” الجيش بيّن في سرده أنّ الجيش لا يعطي معلومات صحيحة لعناصره الخائفين من مواجهة داعش، فيقول أحد العناصر “كنت مفكر داعش بدها تهاجم تدمر بس ما كنتش عارف إنهم صاروا بنصها”.
وفي محاولة تلميع لجيش النظام واستغفال للرأي العام عرض الفيلم جنود النظام على أنّهم الجيش المخلص والذي لا يقتل شعبه، وتجاهل منتجوه مسؤولية الجيش عن معظم القتل والدمار الذي حل بالبلاد، على مدى أكثر من ثمانية أعوام، كما تفنن المنتجون بتصوير اهتمام داعش وقيادييها بالآثار لبيعها وتغاضوا عن قصف جيش النظام لعدة مناطق أثرية في سوريا أثناء صراعه مع فصائل المعارضة دون أي مراعاة لأهميتها التاريخية.

اهتمام إعلامي محلي وحضور رئاسي سلبي
شهد إعلان الفيلم زخماً إعلامياً كبيراً في الأوساط المحلية ووسائل إعلام النظام، وتداولته عشرات الوسائل المكتوبة والمسموعة وحتى المرئية، وزاد في هذا الاهتمام الكبير حضور رئيس النظام بشار الأسد وزوجته إلى حفل الإعلان عنه في العاصمة دمشق، حيث ظنّ منتجوه أنّهم قد حققوا النجاح الذي لا يمكن سلبه، والنتيجة التي لا يمكن المساس بها، فحضور الأسد قد يُعتبر حصانةً مميزة.

هذا الحضور الذي دعّم الفيلم في الساعات الأولى من إعلانه بات مسبباً للمشاكل التي واجهته، وتم إلصاق بعض الانتقادات بالأسد شخصياً، حيث اعتبر معلقّون على مواقع التواصل الاجتماعي أنّ سياق العرض لم يتناسب مع الأسد فطالب بإيقاف عرضه، بينما يرى آخرون أنّ الهالة الإعلامية التي رافقت حضور الأسد إلى الإعلان تسبب بانتشار واسع له محلياً، خصوصاً بين الموالين للنظام في مناطق سيطرته، ونتيجةً لهذا الانتشار زادت الانتقادات واعتبره الكثيرون مسيئاً لإحدى طوائف البلاد، و “مُلمعاً” لأخرى، كما رأى البعض أنّ فيه احتقار للشعب الذي واجه الحرب طيلة السنوات التسع الماضية.

أنزور ونظرية “الحرب على التاريخ”
رأى مخرج الفيلم “نجدت أنزور” أنّ غاية “الحرب على سوريا” هي تدمير الحضارة التاريخية لها، ونسف كل شيء يتعلق بتاريخها ومسح هويتها بشكل كامل، واعتبر مع منتجي الفيلم أنّ الحركات الإسلامية مرتبطة مع الحركة الصهيونية العالمية، متجاهلاً المطالب الشعبية التي نادى بها السوريين وطالبوا من خلالها بالإصلاحات، قبل أن يبدأ النظام الذي يمجّد أنزور “انتصاراته” بقمعهم ومواجهتهم بقوة السلاح والترهيب.
أنزور تغاضى في فيلمه عن جرائم ارتكبتها قوات النظام المدعومة من روسيا بحق المناطق الأثرية في مختلف المناطق السورية، حيث تم استهداف عدة مناطق أثرية بقصف عنيف ومنها مدينة تدمر التي تدور أحداث الفيلم حولها، كما تجاهل “إعارة” قطع أثرية لسلطنة عمان مقابل ترميمها وصيانتها.

توقيت ماكر وأطماع بالعالمية
يرى كُتاب ونقاد أنّ اختيار أنزور لجزئيات الفيلم يأتي لأهميتها وتداولها عالمياً، فاسم تدمر أو “بالميرا” مشهور عالمياً ويحظى باهتمام كبير على الصعيد الثقافي والتاريخي، والغاية من هذا الاختيار هي تلميع صورة النظام بقدر الإمكان في المحافل العالمية، إضافةً لأطماع بتحقيق جوائز عالمية بناءً على ما يحتويه الفيلم من رمزية في المكان التاريخي والمحتوى المحارب لداعش المنبوذة عالمياً، والتي قتلت الباحث المعروف لجهات ثقافية دولية خالد الأسعد بعد بقاءه في المدينة أثناء حملتها عليها.

تزامن توقيت الفيلم مع تطور الأحداث المتسارع في القضية السورية، حيث تم تكثيف الاجتماعات لإنهاء الصراع فيها، مع استمرار حملة قوات النظام العسكرية على مناطق سيطرة المعارضة شمالي سوريا والتي تشهد انتهاكات واضحة لحقوق الإنسان بقصف مناطق المدنيين، وحصارهم معيشياً، ما تسبب بنزوحه عشرات الآلاف إلى المناطق الحدودية، حيث استقروا في مخيمات بدائية بين أشجار الزيتون.

ماذا عن إغفال الدور الروسي؟
لم يتطرق منتجو الفيلم للمساهمة الروسية في سيطرة النظام على مدينة تدمر وطرد داعش منها، بل اختزلوا جهد محاربته في عناصر النظام، الذين تم إظهارهم بمظهر الأبطال القوميين الحريصين على مصلحة بلدهم، وذلك على الرغم من الدعم الجوي الروسي الذي لم يتوقف حتى اليوم، والذي لولاه لما تمكّنت قوات النظام من استعادة المساحات التي فقدتها مع توسّع فصائل المعارضة وانتشارها على مدار السنوات الماضية.

ولعلّ هذا سبب يضاف إلى قائمة الأسباب التي أدت لسحب الفيلم من دور العرض، وتأجيل عرضه حتى إجراء تعديلات عليه، أو قد يتم إلغاءه بعد اجتماع أسباب كثيرة لرفضه، وربما لا يتسنى للمنتجين إجراء تعديلات عليه بعد الانتهاء من تصويره وإعلانه للجمهور بحضور رئيس النظام الذي صفق له قبل أن تنفجر الانتقادات بوجه المسؤولين عنه.

هذه الضربة التي تعرض لها العمل السينمائي المدعوم من النظام من الداخل قبل الخارج تظهر بشكل واضح مدى تراجع قدرة النظام على فرض سيادته وإرادته على شعبه الذي يعتبر حاضنته الشعبية الموالية، على الرغم من استمرار قبضته الأمنية، لينتج السوريون في الداخل فيلمهم الخاص بعنوان “صمود السنين ثمنه الحقوق”، فارضين بذلك رأيهم وإرادتهم على إرادة البندقية والتملق لها

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.