معابر غير شرعية بين لبنان وسوريا.. فوائد وأضرار

معابر غير شرعية بين لبنان وسوريا.. فوائد وأضرار

منذ تأسيس لبنان الكبير سنة 1920، والحدود مع جارته العربية الوحيدة سوريا غير مرسمة كما يجب، الأمر الذي تسبب بالكثير من حالات تداخل الأراضي والخلافات العقارية والأمنية وحتى العسكرية، وربما كانت أهم الخلافات حول هذه الأراضي قضية مزارع شبعا ونسبتها إلى لبنان لتبرير بقاء حالة حزب الله المسلحة بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان سنة 2000.
كمثال عن حالة تداخل الأراضي بين الدولتين الجارتين تأتي حالة قرية الطفيل التي تم تناول قضيتها في تقرير سابق، والتي تفرض حالة من المعابر غير الشرعية على أساس معيشي يومي وإنساني، فقد نشأ بعضها في الأصل تيسيراً لحاجات الأهالي والسكان على طرفي الحدود، وهي حالة سابقة لسنوات الثورة السورية بكثير، معابر محدودة ومعروفة ولكن مسكوت عنها باعتبارها أمراً واقعاً ضرورياً.

الجديد في حالة هذه المعابر بعد إنطلاق الثورة السورية سنة 2011، وبالذات بعد تدخل ميليشيات حزب الله في دعم النظام هناك بالمقاتلين، خصوصاً في المناطق المتاخمة للحدود اللبنانية في الفترة الأولى كالقلمون ومنطقة القصير، هو تزايد عدد هذه المعابر التي تتصل في الجانب اللبناني بالقرى ذات الأغلبية الشيعية المحسوبة على حزب الله وبيئته الحاضنة، فشكلت هذه المعابر التي كان يبرر وجودها في حينه حركة المقاتلين والإمدادات اللوجستية طرقاً جديدة لتهريب البضائع بين البلدين، بما في ذلك الدخان وحشيشة الكيف والمواد المخدرة، مروراً بالأدوات الكهربائية والإلكترونية ومواد البناء، وليس إنتهاءً بالخضار والفواكه واللحوم.

وفي ظل الوضع الاقتصادي الخانق الذي يعيشه لبنان وزيادة العجز إلى مستويات غير مسبوقة، جرى التركيز حكومياً على خطة انقاذية لحظت رفع الإيرادات وخفض النفقات، الأمر الذي دفع بعض الأطراف السياسية إلى التذكير بموضوع المعابر الشرعية وتأثيرها السلبي على السيادة الوطنية والتهريب والتهرب الضريبي والجمركي وأضرارها على المنتوجات المحلية.
الرقم الذي طرح على صعيد واسع بشأن هدد هذه المعابر هو 136 معبراً، تتركز أغلبها في منطقة البقاعين الأوسط والشمالي، وقلة منها في منطقة عكار الشمالية،، أي أن أغلب هذه المعابر تتركز في مناطق نفوذ حزب الله حيث السكان من أغلبية شيعية، وحيث لمقاتلي الحزب سطوة من الجهة السورية للحدود، وجرى تداول معلومات تفيد أن المعابر مقسمة بحسب البضائع التي تعبرها، فهناك ما هو مخصص للخضروات والفواكه وغيرها مخصص للمحروقات بينما هناك معابر لحشيشة الكيف والمخدرات على أنواعها.

بخلاف رقم 136 الذي كان من بين من أوردوه وزير المالية علي حسن خليل، ورد في اجتماع أمني عقد برئاسة رئيس مجلس الوزراء الحريري رقم أخر أقل بكثير من الرقم الأول هو 12 معبراً فقط، وهو تضارب فسره أحد مخاتير بلدة الفاكهة في البقاع الشمالي بأن بعض المعابر موسمي ولا ينشط على مدار السنة ولا في كل الأيام، وأن تجاذب النفوذ بين حزب الله والمهربين قد يتسبب بتوقف بعض المعابر أحياناً، دون أن ينسى الإشارة إلى أن كلام الاجتماع الحكومي الذي أورد رقم 12 معبراً فقط لا يمكن التعويل على دقته، إذ إن من مصلحة المجتمعين تخفيض الرقم كثيراً لامتصاص نقمة الشعب الذي تُرفع عليه الأسعار والضرائب دون التمكن من إغلاق معابر غير شرعية تخسر الخزينة اللبنانية كثيراً.

وعن الخسارات اللبنانية المتأتية من هذه المعابر قالت مصادر وزير المالية اللبناني علي حسن خليل أن تهريب الخضروات والفواكه ليس مهماً، بل المهم تهريب الدخان مثلاً، فمستوعب “كونتينر” الدخان يكلف المستورد رسوماً جمركية تقارب 500 ألف دولار أمريكي كلها تخسرها خزينة الدولة بسبب التهريب عبر المعابر غير الشرعية.
بالمقابل لا تبدو خزينة حكومة النظام السوري مستفيدة من عمليات تهريب مماثلة، ليس بشكل مباشر على الأقل، فالدخان المهرب إلى لبنان مثلاً ليس نفسه الدخان الشرعي في سوريا والذي تقاضت عنه الحكومة رسوماً جمركية حين استيرداه، بل هو الدخان المهرب بحراً عبر شبيحة بيت الأسد، أصل تسمية الشبيحة الذي صار متداولاً مع الثورة السورية على نطاق واسع وبمعان أوسع.

المستفيدون المباشرون من عمليات التهريب هذه هم شبكات النفوذ المحلية على طرفي الحدود، مع بعض التغطية التي تفرض تحصيل نسبة من الأرباح من قبل نافذين سياسيين وبالأخص عسكريين وأمنيين من الطرفين، مع غلبة لسيطرة ونفوذ حزب الله الذي كثيراً ما يتعامل في التفاصيل اليومية للمناطق السورية التي يسيطر عليها وكأنها مناطقه الخاصة أو تكاد.
من الجانب السوري، المزارعين ومنتجي لحوم الدجاج والبيض، وبعض منتجي الألبسة والسجاد وما شابه، بالإضافة لأصحاب معامل الأدوية، كلهم يستفيدون من عمليات التهريب هذه على حساب الخزينة اللبنانية والمزارع والتاجر اللبنانيين، ولو كانت حصة الوسطاء والمهربين من التهريب أعلى من تلك الخاصة بالمزارع أو المنتج السوري، إلا أن تصريف المنتجات التي تواجه الكساد أحياناً بسبب ضعف القدرة الشرائية المتفاقم للمواطن السوري يبقى أمراً مطلوباً لدى هؤلاء، ولكن تهريب المحروقات مثلاً من لبنان إلى سوريا، على عكس المعتاد تاريخياً نظراً لأزمة المحروقات التي يواجهها النظام السوري جراء العقوبات الأمريكية، تساهم في تخفيف أزمة المواطن السوري، وتحقق مكاسب للخزينة اللبنانية التي تفرض رسوماً وضرائب تقارب ثلث قيمة هذه المحروقات في السوق المحلية، لكن تهريب المحروقات هذا يضع لبنان تحت مجهر العقوبات الأمريكية.

أما الحشيش والمخدرات التي تتجه غالباً من لبنان إلى سوريا فقد صارت مع تطورات الحرب في سوريا تتدفق لتلبية احتياجات “السوق” السورية المتزايدة، وأحد أكبر الدلائل على ذلك، التقرير الذي عرضته محطة التيار الوطني الحر OTV من سهل البقاع، ناقلة “معاناة” مزراعي ومصنعي حشيشة الكيف مؤخراً مع التشدد حيال التهريب عبر المعابر، إذ ظهر شبان ملثمون ومسلحون يطالبون السلطات اللبنانية بالتساهل في موضوع المعابر ولو لمدة أسبوع واحد فقط، ما يمكنهم من نقل مخزوناتهم المتراكمة إلى الداخل السوري وحل أزمة كسادهم!
المخزونات المتراكمة ليست حالة الحشيشة فقط، فقد تم تأكيد وصول حديد بناء إيراني المنشأ المشمول بالعقوبات الأمريكية، غير مطابق للمواصفات المرعية في لبنان إلى الأسواق اللبنانية بعد وصوله إلى المرافئ السورية ومنها إلى لبنان عن طريق المعابر غير الشرعية، ما يدخل هذه المعابر في حلقة تجاوز العقوبات الأمريكية على إيران مع إدراك محدودية قدرتها على إحداث فارق يعول عليه.

من الناحية الإنسانية تبقى هذه المعابر طريقاً رئيسياً لتهريب البشر من سوريا إلى لبنان، خاصة أولئك الهاربين من النظام وغير القادرين على عبور المعابر الرسمية.
رغم الدعم البريطاني اللوجستي للبنان لمراقبة وضبط الحدود، يبقى عدم ترسيم الحدود وسلطة الأمر الواقع لحزب الله المؤثر على القرار السياسي، تحول جميعها دون ضبط جدي قريب لهذه المعابر الشرعية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.