نشرت صحيفة لوفيغارو الفرنسية بالأمس تقريراً عن الفصائل المسلحة السورية المشاركة في الاجتياح التركي الأخير لشمال سوريا والتي تتشكل من مختلف الجماعات الإسلامية المنطوية تحت ما يسمى بـ “الجيش الوطني السوري”. حيث تشكل هذه الفصائل مجتمعةً ذراع تركيا على الأرض في حربها ضد الأكراد.

فاسم الجيش الوطني السوري هو تسمية مضللة ولا علاقة لها بجيش نظام بشار الأسد، وإنما هي عبارة عن الآلاف من المقاتلين السوريين الذين يحاربون إلى جانب الأتراك في حربهم ضد القوات الكردية في شمال شرق سوريا. والبعض من هذه الفصائل المتهمة بالعديد من الانتهاكات هي من المنطقة، بينما ينتمي البعض الآخر إلى الجماعات الإسلامية والجهاديين المتواجدين في محافظة إدلب وريفها. حيث يقول وسيم نصر، صحفي من قناة فرانس 24 ومتخصص بالحركات الجهادية، مؤكداً: “رأس حربة ما يسمى بالجيش الوطني السوري في هذه العملية هم مقاتلون سوريون من المناطق التي اندلع فيها القتال والذين غادروا مناطقهم بعد وصول تنظيم داعش أو حتى وصول وحدات حماية الشعب الكردية”. وقد سنحت لهم الفرصة بالانتقام اليوم والعودة إلى شمال شرق سوريا بفضل العملية العسكرية التي أطلقتها تركيا في التاسع من الشهر الحالي والتي أطلقت عليها اسم “نبع السلام”. حيث تحاول تركيا جاهدة تقويض إدارة الأكراد الذاتية لمناطق شمال وشمال شرق سوريا التي ترسخت بعد هزيمتهم لتنظيم داعش. لكن وفي بعض المناطق من شمال سوريا، فإن الأكراد يشكلون أقلية، مثل تل أبيض التي تسيطر عليها أنقرة اليوم، حيث يشكل العرب فيها الأكثرية.

من جهته، يبين فابريس بلانش، عالم جغرافيا وأستاذ محاضر في جامعة ليون الثانية، أن هناك “بالفعل مجموعة كبيرة جداً من المقاتلين المحليين ضمن صفوف الجيش الوطني السوري، لاسيما أفراد من عشيرة “الجيس” الذين تعاونوا مع تنظيم داعش سابقاً وشاركوا إلى جانب الجهاديين في معركة كوباني في العام 2014″. ومنذ عام 2015 وبسبب الانتصارات التي حققتها القوات الكردية، فإن الكثير من أولئك العرب فروا من المنطقة واتجهوا نحو الدولة الجارة تركيا. حيث يوضح نصر، مؤلف كتاب “الدولة الإسلامية، أمر الواقع”، قائلاً: “هناك نزوح للأكراد اليوم، لكن يجب ألا ننسى أن هذه المنطقة قد شهدت عمليات تهجير متتالية وهي لا تزال تتغير”.

الفصائل المسلحة السلفية جاءت من إدلب
ويشير التقرير إلى أن المقاتلين السوريين المحليين في الجيش الوطني السوري يلعبون دوراً أساسياً لأنهم يتميزون بمعرفتهم لجغرافيا المنطقة ولديهم ثأر قديم مع الأكراد. حيث يقول بلانش مؤكداً: “لقد تم تدريبهم لعدة سنوات بشكلٍ جيد في الجهة الأخرى من الحدود في معسكرات تدريب في تركيا”، مشيراً إلى وجود أقلية تركمانية إلى جانب المقاتلين العرب. ويضيف قائلاً: “إن الأقلية التركمانية هذه تحتل مكانة هامة في هذه العملية، بالإضافة إلى تميزهم بالتكلم باللغة التركية”. وفي إشارة إلى التوجه الماركسي للمسؤولين الأكراد في سوريا والمرتبطين بحزب العمال الكردستاني التركي، يشير نصر إلى وجود عدد من المقاتلين الأكراد كذلك في صفوف الجيش الوطني السوري، وأنه يمكن وصف هؤلاء المقاتلين بالمتشددين الإسلاميين مقارنة بمقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية.

وتكشف لوفيغارو بأن عدد كبير من مقاتلي الجيش الوطني السوري قد تم تجنيدهم من مخيمات اللاجئين على الحدود التركية السورية. وقد جاء البعض الآخر من مكانٍ أبعد، وادي الفرات، على سبيل المثال، حيث اشتدت المعارك بين قوات سوريا الديمقراطية وتنظيم داعش. أما بالنسبة للمقاتلين السوريين الغير محليين، فإن معظمهم منتمي للفصائل المسلحة الموجودة في محافظة إدلب وريفها. وهي آخر معاقل المعارضة المسلحة، بالإضافة إلى المجموعات الجهادية. فهيئة تحرير الشام، جبهة النُصرة سابقاً، تهيمن اليوم على إدلب. وعلى أرض الواقع، فقد تمكنت هيئة تحرير الشام من هزيمة الجماعات الإسلامية المنافسة والمدعومة من تركيا، مثل أحرار الشام. حيث توحدت تلك الجماعات تحت اسم الجبهة الوطنية للتحرير والتي أعلنت لاحقاً في شهر تشرين الأول الحالي انضمامها للجيش الوطني السوري.

يذهبون حيث ما يُدفع لهم
وبالتالي فإن عدد كبير من مقاتلي الجيش الوطني السوري ينتمي للجماعات المنافسة لهيئة تحرير الشام، والتي فقدت نفوذها تدريجياً في إدلب. حيث يبين نصر هذا الأمر قائلاً: “أعلن أبو محمد الجولاني، قائد هيئة تحرير الشام، بأنه لا يدين ولا يدعم الفصائل المؤيدة لتركيا. لكنه أوضح بالمقابل بأنه يتفهم بأن بعض المقاتلين المحليين من شمال شرق سوريا يؤيدون ويشاركون تركيا في عملها العسكري أملاً بالعودة إلى مناطقهم. فعلاقة الجولاني متأزمة حالياً مع الأتراك الذين يحاولون التخلص منه ولكن لم يتمكنوا من ذلك حتى الآن”. في الوقت ذاته، أدانت المجموعات الإسلامية الصغيرة التي لم تنفصل بعد عن تنظيم القاعدة أي انخراط في صفوف الجيش الوطني السوري، لأنه لا يمثل بالنسبة لهذه الجماعات الإسلام الصحيح.
لكن كيف يمكن تصنيف المقاتلين السوريين المؤيدين لتركيا من وجهة نظر دينية؟
“لنقل: سلفيون متطرفون أو جهاديون محليون وليس دوليون”، يقول بلانش الذي يشير إلى أنه فيما عدا بعض الاختلافات العلمية، فإنه ومن الناحية العملية، فإن نقاط التقارب عديدة. فجبهة النُصرة كانت متحالفة مع تنظيم القاعدة لمدة طويلة. أما بالنسبة للمقاتلين الموالين لتركيا اليوم، فإن الكثير منهم كانوا أعضاء في تنظيم داعش. ويقول نصر، الذي يرى بأن البعد الإيديولوجي ليس ضرورياً، بهذا الخصوص مقراً: “إنها فوضى عامة”. ويضيف: “هناك من هم مقربون من جماعة الإخوان المسلمين والذين يرون في أردوغان اليوم زعيماً لهم. لكن بشكلٍ عام أنا لا أصنفهم إيديولوجياً. فهم أولاً وقبل كل شيء وكلاء مأجورون، والناحية المادية هي من تهيمن عليهم. إنهم يذهبون حيث ما يُدفع لهم!”.

حوالي ثمانين ألف مقاتل
ويكشف التقرير أنه، وبحسب بلانش، فإن مقاتلين الجيش الوطني السوري يتقاضون أربعمائة دولار شهرياً. وهو راتب لا يقارن مع ما يتقاضاه موظف محلي في شمال سوريا (حوالي مائة دولار) أو حتى مقاتل في صفوف وحدات حماية الشعب الكردية (حوالي مائتان دولار)، يوضح عالم الجغرافية المذكور. كما أن هناك عنصر أساسي آخر، وهو أنه قد تم تجهيز مقاتلي الجيش الوطني السوري بالعتاد جيداً. فبالإضافة إلى التجهيزات التقليدية من بنادق الكلاشنكوف الهجومية وقاذفات الآر بي جي 7، فإنه قد تم تزويدهم بناقلات مدرعة تركية، وإن لم تكن بالتأكيد الأكثر حداثة، بالإضافة إلى سيارات الدفع الرباعي. ويقول نصر موضحاً: “الأتراك يستخدمونهم كمشاة على الأرض. وبالتالي فإن وجود الجيش الوطني السوري على الأرض يسمح للأتراك بالاحتفاظ بوحداتهم القتالية النظامية ويجنبهم أية خسائر بشرية قد تكون لها آثار سلبية على شعبية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

ولكن كم يبلغ عدد وكلاء أردوغان المأجورين من السوريين؟
لقد لعب وكلاء أردوغان المأجورين دوراً مهماً في أولى عملياته العسكرية في كلّ من جرابلس والباب (عملية درع الفرات) في شهر آب من العام 2016 والتي يُفترض أنها كانت ضد تنظيم داعش، لكنها كانت في الحقيقة للحد من التقدم الكردي. وقد تم استعمال هؤلاء الوكلاء المأجورين كذلك في مدينة عفرين (عملية غصن الزيتون) في شهر كانون الثاني من العام 2018 والتي استهدفت الأكراد مباشرة. وبالمجموع، يمكن القول أن عدد وكلاء أردوغان المأجورين من السوريين قد يصل إلى ثمانين ألف مقاتلاً، لكنهم لا يشاركون جميعا اليوم في عملية نبع السلام التي تنفذها أنقرة في الشمال السوري. فقد تم استخدام حوالي أربعة عشر ألف مقاتل فقط في هذه العملية الأخيرة، بحسب يوسف حمود، الناطق الرسمي للجيش الوطني السوري، في تصريح له لوكالة فرانس برس.

إعدامات ميدانية وانتهاكات بحق المدنيين
ويشير التقرير إلى أن الجيش الوطني السوري، إذا ما عدنا لتاريخ النزاع السوري، هو الوريث المباشر للجيش السوري الحر الذي جمع بشكل رسمي منذ عام 2011 فصائل المعارضة “المعتدلة” ضد نظام بشار الأسد. لكن الجيش السوري الحر هذا لم يعد موجوداً على الأرض، بعد أن تجاوزته المجموعات المتطرفة كجبهة النُصرة. وكما كان حال الجيش السوري الحر، فإن الجيش الوطني السوري يُعتبر اليوم الذراع العسكرية للحكومة السورية المؤقتة التي تتخذ من تركيا مقراً لها والتي يُفترض أنها تجمع المعارضة في المنفى. ويقود الجيش الوطني السوري اليوم اللواء سليم إدريس والذي سبق وأن قاد الجيش السوري الحر ما بين الأعوام 2012 و 2014. ويقول بلانش موضحاً: “إنه من الواضح أن هؤلاء المقاتلون التابعون للأتراك يعودون بالأصل إلى الكثير من الفصائل والمجموعات التي دعمتها الدول الغربية على مدى عدّة سنوات”. ويضيف نصر بهذا الخصوص قائلاً: “إن أولئك الذين كانوا مدعومين ومجهزين من قبلا الأمريكان رأوا أنفسهم فجأة مجردين من التمويل. فتم تجنيدهم من قبل الأتراك”.

لكن أصول ومنشأ هؤلاء الوكلاء المأجورين لم يمنع مسؤول كبير في البيت الأبيض من التصريح بحسب صحفي من الـ CNN، بالقول: “كان يجب على الأتراك أن يستخدموا قواتهم النظامية على الأقل. وبدلاً من ذلك، قرروا استخدام الزعران والمرتزقة وقطاع الطرق والذين يستحقون أن يتم سحقهم ومسحهم من على سطح الأرض”. وردة الفعل هذه تأتي بسبب الانتهاكات التي يرتكبها وكلاء أردوغان المأجورين بحق المدنيين في المناطق التي دخلوها في شمال سوريا. ولعل أقرب الأمثلة إلى هذه الانتهاكات هو الصور البشعة لجثمان السياسية الكردية هفرين خلف ذات الخمسة وثلاثون ربيعاً والتي تم قتلها والتمثيل بجسدها بعد أن عذبها مرتزقة أردوغان، حيث ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي بصور هذه المرأة.

ويختم بلانش حديثه لصيفة لوفيغارو بالقول: “إن أردوغان قد قام باستخدام أسوأ صنف من البشر في عمليته هذه. إن جزءاً كبيراً من السكان المحليين يخشى هؤلاء المقاتلون الإسلاميون في الجيش الوطني السوري. إنهم يتذكرون الانتهاكات التي نفذها الجيش السوري الحر عندما سيطر على هذه المناطق بدعمٍ غربي. ويبدو أن الأمر أسوأ اليوم مما كان عليه في عهد تنظيم داعش حيث كان هناك نوع من النظام”. من جهته يرى نصر أن هناك انتهاكات كما هو الحال في كل الجهات. فمن هم ضد وحدات حماية الشعب الكردية مسرورين اليوم، بينما لا تجد من يحب المقاتلين الأكراد مسروراً. فداخل العائلة الواحدة، قد تجد مؤيداً لبشار الأسد وآخر مؤيد لقوات سوريا الديمقراطية وثالث مؤيد لتنظيم داعش!

ترجمة (الحل نت)

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.