نشرت صحيفة “نيويورك تايمز الأمريكية، تقريراً شاملاً عن انتشار فيروس كورونا في الشرق الأوسط، انطلاقاً من إيران. ومدى التهديد العالمي الذي يشكله، في ظل ضعف الأنطمة الصحية، وتصاعد الاضطرابات السياسية، في دول مثل سوريا والعراق ولبنان وأفغانستان.

تشكل إيران اليوم خطراً على المستوى العالمي، بعد تفشي فيروس كورونا القاتل على أراضيها، وتأتي اليوم في المرتبة الثانية بعد الصين من ناحية الخطورة. فالحجاج الإيرانيون والمهاجرون من العمال ورجال الأعمال والجنود ورجال الدين، يتدفقون بشكل ثابت إلى الدول المجاورة، التي تعاني من تراخي سيطرتها على حدودها، وهشاشة أنظمتها الصحية، بالإضافة إلى ضعف حكوماتها.

إيران اليوم، التي تكافح من أجل السيطرة على الفيروس واحتوائه، تعتبر ثاني نقطة محورية بعد الصين لانتشار المرض. فالحالات التي سُجلت في العراق وأفغانستان والبحرين والكويت وسلطنة عمان ولبنان والإمارات، إضافةً لحالة وحيدة في كندا، جميعها قادمة من إيران.

وبحسب خبراء فإن الشرق الأوسط هو المكان المثالي لتوليد هذا الوباء من نواحٍ كثيرة، لاسيما مع الذهاب والإياب المستمر للحجاج والعمال المتنقلين، الذين قد يحملون معهم الفيروس. في الوقت الذي خنقت فيه العقوبات الاقتصاد الإيراني، وفقد الشعب ثقته بحكومته، وعُزل زعماء إيران عن معظم أنحاء العالم.

كل ذلك ساهم في ندرة البيانات حول مدى انتشار الوباء. في حين أدت الحروب الأهلية وسنوات الاضطراب، التي عاشتها الدول المجاورة لإيران، مثل سوريا والعراق وأفغانستان واليمن، إلى اضطراب أنظمة الصحة فيها. فضلاً عن أن المنطقة محكومة، بشكلٍ كبير، من قبل حكام مستبدين متسلطين، لديهم سجلات سيئة فيما يتعلق بالشفافية العامة والخدمات الصحية.

“إنها وصفة لتفشي فيروس هائل”، يقول بيتر بيوت، مدير مدرسة الصحة والطب الاستوائي في لندن، والمدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة المشترك حول فيروس نقص المناعة المكتسب “الإيدز”. يجوب ملايين الحجاج المسلمون المنطقة، بقصد زيارة الأماكن الشيعية المقدسة في كل من إيران والعراق. وفي شهر كانون الثاني وحده، عاد ثلاثون ألف شخصاً إلى أفغانستان، قادمين من إيران، في حين لا يزال مئات آخرون يحجون بشكل أسبوعي إلى مدينة قُم، مركز تفشي المرض، بحسب مسؤولين أفغان.

من جانبه قام العراق بإغلاق حدوده مع إيران، في الثاني والعشرين من شهر شباط/فبراير، إلا أن الملايين من الإيرانيين يعبرون الحدود كل عام. لذلك من المحتمل أن يكون عشرات المصابين قد نقلوا الفيروس إلى العراق. في حين كانت الرحلات الجوية لا تزال تقلع وتهبط في مدينة النجف، حتى منتصف يوم الاثنين، الرابع والعشرين من شهر شباط/فبراير.

محافظو المناطق العراقية المتاخمة لإيران أخذوا إمكانية انتقال العدوى على محمل الجد، وتفقد اثنان منهم على الأقل المعابر الحدودية شخصياً، للتأكد من ضبطها، ومنع الإيرانيين من العبور إلى العراق. وقد وصف، قتيبة الجبوري، رئيس لجنة الشؤون الصحية في البرلمان العراقي، فيروس كورونا بـ “الطاعون”. وقال إن لجنته تطالب بإغلاق كامل لجميع المعابر الحدودية مع إيران “جواً وبحراً وبراً”، إلى أن تتم السيطرة على المرض تماماً.

أما في إيران، فقد أرسلت وزارة الصحة رسالة إلى حاكم قُم، تطلب فيها من رجال الدين الشيعة تقليل عدد الحجاج في ضريح “فاطمة المعصومة”، والمواقع الدينية الأخرى في المدينة، إلا أنه، وحتى وقت مبكر من يوم الثلاثاء، الخامس والعشرين من شهر شباط/فبراير، كانت حشود الحجاج ما تزال متجمعة حول الضريح، يلمسونه ويشاركون في أداء الصلوات الجماعية.

وكانت إيران قد أبلغت عن الحالة الأولى للإصابة بفيروس كورونا قبل أقل من أسبوع في قُم. وأعلن مسؤولون في مديرية الصحة يوم الثلاثاء، الخامس والعشرين من شهر شباط/فبراير، أن خمسة عشر شخصاً على الأقل قد ماتوا بعد إصابتهم بالفيروس، في حين أصيب خمسة وتسعون شخصاً آخرين على الأقل. بعد الإبلاغ عن إصابات جديدة في كل من أصفهان وهمدان ومواقع أخرى، إضافة إلى قُم.

تتسبب قله الأخبار المنشورة حول انتشار الفيروس بإضعاف مصداقية طهران. بعد أقل من شهرين من اضطرار المسؤولين الإيرانيين للاعتراف بكذبهم فيما يتعلق بسقوط طائرة الركاب الأوكرانية، وادعائهم بأن الطائرة قد أُسقطت، عن طريق الخطأ، بأنظمة الدفاع الجوية الإيرانية. كل هذا يدفع كثيراً من الإيرانيين للتشكيك بالروايات الرسمية المتعلقة بانتشار الفيروس.

وزعم أحمد أميري فرحاني، النائب في البرلمان الإيراني عن مدينة قُم، بأن خمسين شخصاً على الأقل ماتوا جراء إصابتهم بالفيروس، من ضمنهم أربعة وثلاثون في الحجر الصحي، وأن أولى الحالات، التي تم الإبلاغ عنها، كانت قبل ما يزيد عن أسبوعين من الإعلان الرسمي عن وجود إصابات. “يموت كل يوم عشرة أشخاص في قُم”، كما أكد النائب في خطابه أمام البرلمان، مطالباً بالحجر الصحي على مدينته.

من جانبهم شكك مسؤولون في وزارة الصحة بشدة بمزاعم فرحاني. وقال إراج هاريشي، مستشار وزير الصحة: “سوف أستقيل من منصبي إذا كانت الأرقام نصف أو حتى ربع ما ذُكر”.

وكانت وسائل الإعلام الإيرانية ذكرت بأن الطبيب محمد رضا غدير، رئيس كلية الطب في قُم، والمسؤول الأعلى في مكافحة المرض هناك، من بين الأشخاص الذين وضعوا في الحجر الصحي، الأمر الذي زاد من قلق المواطنين. وكان الطبيب غدير أعلن على شبكة التلفزيون الحكومية الإيرانية، بأن وزارة الصحة قد أصدرت أوامر بمنع المسؤولين في المدينة من نشر أية إحصائيات تتعلق بمدى تفشي المرض في قُم. وأضاف بأن الوضع هناك مروع للغاية، وبأن المرض قد انتشر في جميع أرجاء المدينة.

المواطنون الإيرانيون الذين لا يثقون بالسلطات، يتجاهلون المطالب الرسمية بتجنب التواجد في المستشفيات. وبدلاً من ذلك يتوافدون إلى غرف الطوارئ لإجراء الفحوصات والتأكد من عدم إصابتهم. وقد أضطر “مستشفى الإمام الخميني” في طهران لنصب خيمة فرز خارجه للتعامل مع الحشود الكبيرة. وحث الطبيب باباك غاراي، في مقابلة له من طهران مع “BBC الفارسية”، المواطنين على الإصغاء إلى نصائح مسؤولي الصحة، وتجنب الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على التوجيهات.

وكانت أسعار الكمامات الطبية قد ارتفعت في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك إيران والعراق وسوريا ولبنان وأفغانستان. وأصبحت تُباع أحياناً بسعر يصل إلى ثلاثين ضعف سعرها المعتاد. ويشعر الخبراء بالقلق من أن عدداً قليلاً من دول الشرق الأوسط جاهزة عملياً للتصدي بفاعلية للتهديد الذي يشكّله الفيروس.

“ما مدى جاهزية هذه البلدان لمواجهة الفيروس؟” يتساءل الدكتور منتصر بيلبيسي، أخصائي الأمراض المعدية في العاصمة الأردنية، الذي تلقى تدريبه في الولايات المتحدة. ويضيف: “صدقاً، لم أر مستوى استعداد مشابه للذي وجدته في الصين أو أي مكان آخر. في بعض الأحيان حتى معدات الحماية الشخصية غير متوفرة”. ويضيف بيلبيسي أنه “لم ير أي بذلة واقية بالكامل من المواد الخطيرة في الأردن على سبيل المثال. لذا فإن العاملين في مجال الصحة سوف يكونون معرضين لخطر الإصابة بشكل كبير”.

في أفغانستان، أعلن المسؤولون أن أول حالة مؤكدة للفيروس كانت لرجل يبلغ من العمر خمسة وثلاثين عاماً، من محافظة هيرات الغربية، كان قد سافر مؤخراً إلى قُم. وقد أُعلنت حالة الطوارئ في هيرات. من جانبها علّقت الحكومة الأفغانية جميع الرحلات الجوية والبرية من وإلى إيران بشكل فعلي. لكن من الصعب ضبط الحدود. فالآلاف يعبرونها بشكل أسبوعي بغرض الحج والتجارة والعمل والدراسة. في شهر كانون الثاني وحده عبر الحدود حوالي ثلاثين ألف شخصاً، بحسب ما ذكرته المنظمة الدولية للهجرة.

وقال فيروز الدين فيروز، وزير الصحة الأفغاني، في مؤتمر صحفي يوم الاثنين الماضي: “خلال الأسبوعين الماضيين، زار أو سافر ما يزيد عن مئة شخص من هرات مدينة قُم، الأمر الذي يعني بأنهم كانوا على اتصال وثيق بحاملي الفيروس”.

وكانت المملكة العربية السعودية، قبل سبعة أعوام، مركزاً لتفشي وباء مماثل، يعرف باسم متلازمة الشرق الأوسط التنفسية أو MERS، التي تنتقل من الجمال إلى البشر. لكن حتى بعد سبع سنوات، لا تزال المملكة العربية السعودية، إحدى أغنى البلدان في العالم، تكافح من اجل التلاؤم مع أحدث إجراءات التعقيم، للحد من انتشار الفيروس ضمن المستشفيات. ومع ذلك، تفشى فيروس MERS الربيع الماضي، وأصاب واحداً وستين شخصاً على الأقل، توفي ثمانية منهم.

وقال الدكتور ديفيد هيمان، الرئيس السابق لوكالة حماية الصحة في بريطانيا: “لقد تحسنت العديد من المستشفيات في المملكة العربية السعودية، ولكن ما يزال بإمكان البعض منها تقديم خدمات أفضل في مجال الوقاية”.

وفي العراق، البلد الاطول حدوداً مع إيران، اكتُشفت حالة واحدة فقط حتى الآن في النجف، لدى طالب دين إيراني، يبلغ من العمر اثنين وعشرين عاماً. وفي أولى الخطوات الشاملة للتصدي لانتشار الفيروس، أجلّت إدارة التعليم في النجف امتحانات الربيع، وأغلقت ضريح الإمام علي المقدس. وأوصت مديرية الصحة في الحكومة المركزية بتجنب الأماكن المزدحمة والتقبيل والمصافحة.

أما في بيروت، فقد تم اكتشاف إصابة سيدة تبلغ من العمر واحداً وأربعين عاماً، كانت قد سافرت إلى قُم بغرض الحج. وبالرغم من ذلك لم تعلن الحكومة اللبنانية أية خطة للطوارئ حتى الآن، واكتفت بتقييد السفر إلى المناطق الموبوءة، وعزل المسافرين القادمين إلى مطار بيروت إذا ما ظهرت عليهم أعراض المرض. لكن لم ينفذ أي حجر صحي حقيقي، فلم يتم فحص جميع المسافرين الواصلين إلى مطار بيروت في الأيام الأخيرة. كما سُمح لطائرتين قادمتين من قُم بالهبوط على أرض المطار يوم الاثنين الماضي. وطُلب من المسافرين على متن الطائرة، التي كانت تحمل السيدة اللبنانية المصابة، حجر أنفسهم في البيت.

وحثّ حمد حسن، وزير الصحة اللبناني، المواطنين على التزام الهدوء. من جانبه وصف ربيع شاعر، مؤسس منظمة لبنانية غير ربحية، تعمل على مكافحة الفساد، تصرف الحكومة اللبنانية البطيء بـ “اللامبالي والإجرامي”. وقال: “لقد فقد الشعب اللبناني ثقته بأن هذه الطبقة السياسية بامكانها مواجهة المشاكل”. وأضاف: “حتى اليوم، لم يتخذوا بعد أية إجراءات صحيحة. ليس هناك شفافية ولا توجد محاسبة”.

من جانبها صرّحت الدكتورة ندى ملحم، أستاذة علم الفيروسات في الجامعة الأمريكية في بيروت، التي تمت استشارتها من قبل وزارة الصحة، بأن حالة الذعر في لبنان مرتفعة جداً. وأضافت: “لكن سوف نتمكن من احتوائها مع المتابعة المنتظمة. هل سنواجه بعض الثغرات؟ بالتأكيد، سوف يكون لدينا البعض منها، لكنني آمل أن نتمكن من الحد منها قدر المستطاع”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.