لا تنفك الأيام إلا وتظهر كيف أن الإدارة الأميركية حصنٌ منيع في وجه الضوء الذي يحاول تسليطه على الدور التركي المُريب في المنطقة ككل. هذه المجموعة التي تمثل الساسة القريبين من ترامب، والمُبتعثين إلى الشرق الأوسط، هم فيما يبدو متفقين على أن الدور التركي في سوريا من الأدوار الإيجابية التي لا بد من دعمها.

لم يعد هناك انتقاد رسمي له، ولم يعد ينظر إلى الاحتلال التركي لمناطق كانت تحت النفوذ الأميركي، وبإدارة مباشرة ل قسد الشريك السوري لواشنطن، على كونه طعنة في الظهر. هذا التتويج لتركيا من قبل واشنطن، غير مفهوم للكثيرين وهو مثال واضح على أن برامج العلاقات العامة التي تقوم عليها مؤسسات كاملة تؤتي ثمارها. حتى وان كانت الجهات الموالية لتركيا في واشنطن هذه الأيام أقرب لتركيا لكونهم من جيل الكلاسيكيات الدولية.

جيل الاعتقاد أن حلف الناتو هو ذاته، وإن تركيا هي لب هذا الحلف القابع كجدار منيع جنوب البحر الأسود في وجه روسيا. وهذا نابع من قناعات ذاتية مرده سنوات من العلاقات بين الطرفين.

ينسى جيفري، زعيم ذاك الفريق، إن تركيا نفسها تفتخر هذه الأيام لكونها تُسيّر دوريات عسكرية مشتركة مع موسكو “عدوة الناتو” في مناطق من سوريا كانت من المُفترض أنها تحت النفوذ الأميركي، وسيطرة مباشرة لشريكتها قسد.

حليف جيفري المفضل في الملف السوري، أنقرة يُسيرّ دوريات مع الروس على حساب أميركا، ويناصر التيارات السنية الراديكالية في إدلب، ويكتنز السلاح الروسي على حساب المضايقات لعمل القاعدة الأميركية في أضنة، ومع ذلك، يبقى هذا الحليف القريب إلى قلب الرجل وعقله.

هذه المجموعة من حلفاء أنقرة في واشنطن في تعاظم. لم يعد حماية تركيا من هؤلاء يقتصر على الجغرافية السورية؛ بل بدأت الأخبار تتحدث عن تبريرات قادمة من واشنطن عن الدور التركي في ليبيا.

الحديث هنا ليس عن مدى أحقية جهة ضد أخرى في الحرب الليبية بقدر ما هو توضيح عن دور الفريق الجديد في تقوية الموقف التركي في المنطقة بطريقتين مباشرة وغير مباشرة. المباشرة كما شاهدنا حين سُمح لتركيا بالدخول إلى شمال شرق سوريا.

وغير المباشرة، بعد أن بدأت التصريحات من جيمس جيفري الموفد الأميركي الخاص إلى سوريا والسيد هنري ووستر  نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي عن أن الأطراف التي تدعم حفتر هي المسؤولة عن نقل المرتزقة من سوريا إلى شرق ليبيا للمشاركة في القتال.

لم يذكرا أبداً قضية انتقال المقاتلين السنة من مناطق الاحتلال التركي في شمال سوريا إلى ليبيا، أي إلى طرابلس حيث الحكومة المُعترفة بها دولياً، والمُتحالفة مع تركيا.

لم يصدر عن الرجل أي حديث عن تلك الحركة، وكان الانتقاد موجه إلى جهة معينة على حساب أخرى، فيما يدل ان الدعم جاء غير مباشر إلى تركيا في هذه المرة. أي بلغة أكثر تبسيط، هو عملية تسليط الضوء على طرف ما بصورة سيئة، والطرف المقابل سوف يخبو النور عن تصرفاته المُثيرة للاشتباه بشكل درامي.

هذا النوع من السياسة مطلوبة منهم،  وهي الحل المتوفر لديهم هذه الأيام، في ظل ظرف تعاني منه تركيا بسبب تصرفاتها الداخلية المنتهكة للحريات، وفي سوريا من احتلالات لأراضي، ودعم الإرهاب، من كره عام لدى الساسة في البرلمان والكونغرس. دفاع ترامب كان محرج له عندما كان يقف ضد المجلسين لصالح تركيا وصالح رؤيته.

مع الوقت خفتت العدائية في المجلسين، وسقط الكثير من كان يُعادي السياسات التركية في واشنطن، وتسير الأمور إلى التطبيع في شمال شرق سوريا مع دعوات لفتح معبر إنساني من المنطقة التي احتلتها تركيا في تل أبيض.

هذا الترويج لتركيا من قبل هؤلاء الساسة، يزيد من الشكوك حول الزاوية التي ترى منها واشنطن الحقائق في الشرق الأوسط. هذه الزاوية التي تماثل الزاوية التركية للأمور تُصعب الأمور على قسد، والإدارة الذاتية، في شرق الفرات ومنبج.

هذا التماهي الأمريكي التركي أقله حتى الانتخابات القادمة، والتي فيما يبدو أن ترامب يتجه لكسبها، سيزيد من الضغط على قسد، ويفتح الطريق للقوى الرئيسية الأخرى في سوريا للتواصل مع قسد، وجرها إلى التفكير أكثر في خيار التوصل إلى حل مع دمشق. وإن كان هذا الحل مؤلم فيما يبدو. هذا بالطبع إن وافقت دمشق على هذا الحوار المفترض.

لم يعد يُغني قسد إيقاف دورية أمريكية لروسية في نقطة ما  أو تصريح ضابط من الرتب الدُنيا في صحارى ديرالزور عن قوة العلاقة بين قسد والجيش الأمريكي بكونه دليل على مستقبل منشود مفترض. هذا تدوير للمصطلحات بصورة مُثيرة للضحك.

لا يمكن الركون إلى هذا التبسيط في الرؤية لمسار العلاقة بين الطرفين. التماهي بين أنقرة وواشنطن أصبح أكتر تمدداً مع وقوف واشنطن بشكل غير مباشر مع حليف تركيا في طرابلس رغم ان ذاك الحليف يعتمد على الإخوان المسلمين هناك، والكثير من المرتزقة الراديكاليين.

كان التركيز  والحديث حينها، على أن وصول تركيا إلى هناك، ومنافسة قوى حليفة لأميركا في ليبيا، ونقل مقاتلين سوريين على شكل مرتزقة إلى هناك، سيكلف تركيا الغضب الغربي.

تبين ان كل هذا عبارة عن تمنيات مع دخول أميركا الحالية إلى ساحة التصريحات لصالح إنهاك الطرف المقابل لتركيا بالاتهامات، وإن كان ذاك الطرف قريب من حلفاء آخرين لأميركا في المنطقة كمصر والإمارات العربية المتحدة.

العدائية لروسيا في الدولتين سوريا وليبيا، كان الأكثر تظهيراً من التضاد مع الاجندة التركية. وان كان كل طرف ينظر للآخر على كونه داعم لمليشيا ما في ليبيا. وهذا هو ما ليس في جدول حديثنا هنا.

يبقى التذكير إن الحديث هنا هو للتوضيح مع مثال حديث عن مدى زيادة المزايا لتركيا على حساب باقي الأطراف في الميزان الدبلوماسي لواشنطن في سوريا وليبيا هذه الأيام. مزايا ستزيد من مصاعب المنطقة، وتدفعها للتفكير أكثر في كم الخيارات التي تملك لتحضير الذات، والتفكير بخيارات بديلة مُمكنة.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.