تأسيس”الفيلق الخامس” بالسويداء: الفوضى الإيرانية تعرقل المخططات الروسية في جنوب سوريا

تأسيس”الفيلق الخامس” بالسويداء: الفوضى الإيرانية تعرقل المخططات الروسية في جنوب سوريا

رغم أن دخول #روسيا إلى محافظة #السويداء يعود إلى نهاية عام 2016، إلا أن محاولات تشكيل جناح عسكري مرتبط بـ”الفيلق الخامس” تأخرت حتى منتصف عام 2018، ومع هذا لم تفلح روسيا حتى اللحظة في خلق كيان عسكري رديف للقطاعات العسكرية، التي تعمل على تعزيز سلطتها ووجودها في سوريا، مثل قوات “النمر” بقيادة العميد “سهيل الحسن”.

 

مكونات “الفيلق الخامس” ومهامه

تم تشكيل ما يسمى #الفيلق_الخامس في #دمشق رديفاً للقوات النظامية، مع بداية العام 2016، من خليط متنوع عسكرياً وبشرياً، خاصة بعد أن بات النقص البشري في #القوات_النظامية غير قابل للحل، في ظل إحجام عدد كبير من السوريين عن الالتحاق بالخدمة الإلزامية، والمشاركة في الحرب. فجاءت فكرة التشكيل العسكري، الذي ضمّ مقاتلين أجانب، من الأفغان والإيرانيين وعناصر #حزب_الله اللبناني، ومتطوعين سوريين، طمعاً بالعائد المادي، الذي بلغ مئتي دولار شهرياً، وكانت تدريباته تتم في ساحات #الفرقة_الرابعة، حول دمشق، ومهماته الأساسية القتال في أي مكان على الأراضي السورية.

وعندما بدأت مرحلة التسويات والمصالحات، وأمسكت روسيا الملف العسكري، بدأت بتأسيس فيالق جديدة في كل المحافظات، التي تسيطر عليها مع القوات النظامية.
 

وعود روسية بالحماية

مرّت تجربة تشكيل الفيلق بعدة محطات مفصلية في السويداء، بدأت بلقاءات روسية، جرت منتصف عام 2018، مع حركة #رجال_الكرامة، التي تُعد الفصيل الأكبر في السويداء، وتمّ دعوة قادتها للانضواء تحت الراية الروسية، لمحاربة تنظيمات المعارضة المسلحة في #درعا، مقابل تأمين الحماية وضمان الاستقلالية.

يقول “أبو تيمور”، عضو الجناح الإعلامي للحركة، إن «العرض الروسي رُفض جملة وتفصيلاً، لأن المبادئ التي قامت عليها الحركة تحرّم التعدي على أي سوري، وتهدف لحماية المحافظة من الاعتداء، دون أي طموحات خارجية»، حسب تعبيره.

وبحسب المحامي والناشط المدني “سعيد أبو حسين”  (اسم مستعار للضرورة الأمنية): «كان رد الحركة السلبي بداية تفكير روسي بتحجيمها، ومعاقبتها داخل المحافظة وخارجها. فتم اعتبارها في ذلك الحين جماعة إرهابية وخارجة عن القانون. وبدأت روسيا تتواصل مع فصائل أخرى عاملة على الأرض، لكن الأحداث في درعا كانت متسارعة، فقد شنّت القوات النظامية وروسيا حرباً مفتوحة على معاقل المعارضة، وخاصة تنظيم “جيش خالد”، الذي يتبع لتنظيم #داعش في “وادي اليرموك”».

يضيف “أبو حسين”: «انتهت العمليات العسكرية في درعا باستسلام عديد من الفصائل والتنظيمات المسلحة، ونقل كثير من المقاتلين نحو #إدلب، وتسرّبت كثير من المعلومات عن تهريب عناصر “جيش خالد” نحو بادية السويداء الشرقية، ليلتحقوا بعناصر “داعش” الخارجين من #مخيم_اليرموك و”الحجر الأسود”، بعد أن وقعوا اتفاقاً مع الحكومة السورية».

وبحسب “أبو حسين”  فقد تمخّض عن «الانتصار على فصائل المعارضة المسلحة في درعا تشكيل “الفيلق الخامس” التابع لروسيا، بقيادة “أحمد العودة”، فيما كان التنافس على أشده بين #إيران، التي تموّل وتسلّح “الفرقة الرابعة”، وروسيا، التي أعطت ضمانات كبيرة للمسلحين، واستقطبت المطلوبين والهاربين من الخدمة العسكرية، فالتحق حوالي ألفين وخمسمئة شاب بـ”الفيلق الخامس”، فيما التحق ما يزيد عن ألف وأربعمئة مطلوب للخدمة العسكرية  بـ”الفرقة الرابعة”».

 

ما بعد “الأربعاء الأسود”

جاء “الأربعاء الأسود” في الخامس والعشرين من تموز/يوليو 2018، ليكون يوماً  مفصلياً في السويداء، عندما هاجم تنظيم “داعش” مناطق واسعة من المحافظة، لينتهي اليوم الدموي بهزيمة غير متوقعة للتنظيم، لكن الثمن كان باهضاً، فُقد قتل ما يزيد عن مئتين وخمسين مدنياً، فضلاً عن خطف أربع وثلاثين امرأة وطفلاً. لتبدأ عقبها معارك البادية، التي اشتركت فيها كل القوى بالمحافظة: القوات النظامية وحلفاؤها الروس والإيرانيون، فصائل السويداء، و”الفيلق الخامس” بقيادة “أحمد العودة”، الذي كان دخوله إلى السويداء بمثابة اختبار حقيقي لكل الفصائل في المحافظة، فمنها ما تقبّل ذلك، ومنهما ما رفض بشكل قاطع، وضغط لإجل إخراج الفيلق من المعركة والمحافظة.

ويؤكد “أبو تيمور”، من حركة “رجال الكرامة”، أنه «عقب هجوم “داعش”، عادت الاتصالات الروسية من جديد مع الحركة، وتمت المفاوضات في قرية “شنيري”، جنوبي السويداء، ببطء، مع دعوة رسمية لزعيم الحركة “يحيى الحجار”، للذهاب إلى دمشق، ومقابلة كبار الضباط الروس، لكن قيادة الحركة رفضت ذلك».

ويضيف: «بعد هذا الرفض لجأ الروس إلى خيارهم الثاني، والتفاوض مع فصيل آخر خارج من رحم حركة “رجال الكرامة” نفسها، ويدعى قوات “الفهد”، المتمركز في بلدة “قنوات”، ورغم الإغراءات العديدة المقدّمة لقادة الفصيل، رفضوا الأمر جملة وتفصيلاً، لسببين: أولهما عدم إغضاب حركة “رجال الكرامة”، والثاني متعلق ببلدة “قنوات”، ورمزيتها المتمثلة بشيخ العقل “حكمت الهجري”، الموالي بشدة للحكومة السورية».


العرقلة الإيرانية عبر المجموعات الإجرامية

يقول الناشط المدني “شاهر صائب” (اسم مستعار للضرورة الأمنية): «في مطلع شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2019، سعت روسيا لتحقيق مخططاتها الاستراتيجية في السويداء،  فعقدت اجتماعات عديدة، نظمها “مركز المصالحة الروسية” مع مكونات مختلفة في المحافظة. لكنَّ إيران عرقلت الجهود الروسية من خلال دعمها لعصابات الخطف في السويداء. وسبق ذلك تسوية فرع “الأمن العسكري” لأوضاع مئة وأربعين شخصاً، من المتهمين بتشكيل عصابات الخطف، لتعود بعدها بقوة موجة الخطف والخطف المضاد بين محافظتي درعا والسويداء، وتم توثيق خمس وثلاثين حالة خطف في شهر تشرين الثاني/نوفمبر فقط. ثم جاءت تصفية عدد من شبان بلدة #القريا، من قبل عناصر “الفيلق الخامس” في درعا، بداية شهر نيسان/إبريل الماضي، لتوقف المفاوضات الروسية مع شخصيات متعددة من السويداء ودرعا والقنيطرة، في السفارة الروسية بدمشق».

ويضيف “صعب”: «خلال الشهور الستة الماضية ازداد التصعيد من قبل كافة الأطراف، وظهرت إلى العلن قوى بديلة، تمثلت بالشيخ “فضل الله نمور”، والشيخ “مهران عبيد”، و”مجدي نعيم” في المنطقة الجنوبية من السويداء. وادعى هؤلاء ملاحقة عصابات الخطف، ولكن اتضح أن تحركاتهم مدعومة من إيران، فاستهدافوا قوات “شيخ الكرامة” في مدينة #صلخد، ونجحوا بتصفيتها تماماً»
وكان فصیل “شيخ الكرامة” قد نشأ بعد اغتيال “وحید البلعوس”، مؤسس حركة “رجال الكرامة”، عام 2015. فقد انشقّ أبناؤه عن الحركة الأم، وأسسوا فصيلاً بهدف أخذ ثأر والدهم من القوات النظامية، ضمّ عدیداً من المقاتلين الشبان، الذین انتشروا في عدد من البلدات والقرى، وظهروا بشكل واضح في مدینة “صلخد”، واشتُهروا بالقضاء على أحد تجّار المخدرات الكبار في المنطقة.

وحول مآلات المدينة بعد تصفية فصيل “شيخ الكرامة” يؤكد “صعب”: «باتت “صلخد” بقبضة الأمن العسكري وفصيل “مهران عبيد”، وبالتالي أصبح طريق تهريب المخدرات نحو #الأردن سالكاً، وهو ما يؤكد أن فصيل “شيخ الكرامة”، الذي تمّت تصفيته، كان العقبة الرئيسية أمام طريق المخدرات الرئيسي نحو البادية والأردن».


غايات روسيا من تشكيل “الفليق الخامس”
«”الفيلق الخامس” في السويداء مشروعٌ  تهدف روسيا من خلاله إلى توحيد كافة الفصائل ضمن تشكيل عسكري، تقوده شخصية متفقٌ عليها، لكن حركة “رجال الكرامة” تعتبر نفسها غير معنية بذلك، أما “مهران عبيد” فمعروفٌ لدى الروس بخدمته لمصالح  إيران و”حزب الله”، لذلك لم يجد الروس أمامهم سوى مجموعات تسمي نفسها “الشريان الواحد”، وتضمّ فصائل “ليث البلعوس”، “قوات الفهد”، “قوات شهبا الكرامة”، “بيرق عتيل”، “حرايب عرمان”. وقد اتضح أن المفاوضات مع هؤلاء تسير ببطء، لكنها مثمرة بالنسبة للروس، وتأكد ذلك بعد عدم قيام هؤلاء بأي رد فعل على تصفية “قوات شيخ الكرامة” في “صلخد” بأمر روسي». يقول “صعب”.

ويضيف الناشط أن «زعزعة أمن السويداء مخطط إيراني للتشويش على الروس، وإفشال مخططهم الهادف إلى تنظيم الحياة السياسية في الجنوب، وحفظ أمن #اسرائيل، وإبعاد إيران وأذرعها عن المنطقة كلها، وضبط السلاح، وإنشاء قوة موحّدة، على غرار ما فعلوه في درعا، لكن العقدة الأكبر تبقى في إيجاد قائد مسيطر في المحافظة، له قاعدة شعبية كبيرة».

في النهاية حقّق “الأمن العسكري” سيطرته على “صلخد”، المدينة الجنوبية، وظهرت إيران  في المنطقة من جديد بغفلة عن روسيا، بعد أن عجزت لسنوات عن ذلك، وبدأت في بناء قوتها الضاربة بأذرع محلية. فهل تصمد خططها التوسعية، خاصة أنه قد كانت لها محاولات عديدة، فشلت فيها بتشكيل فصائل محلية طائفية، تدعم مخططاتها في السويداء؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.