فرض الحظر الكلي في مناطق الإدارة الذاتية: إجراءات صحية ناجحة أم فرصة للفساد وتشديد القبضة الأمنية؟

فرض الحظر الكلي في مناطق الإدارة الذاتية: إجراءات صحية ناجحة أم فرصة للفساد وتشديد القبضة الأمنية؟

فرضتْ #الإدارة_الذاتيّة في شمال وشرقيّ سوريا حظر تجوّلٍ كلّيٍّ، دامَ خمسة عشر يوماً في مدينة ديريك/المالكيّة، في السادس من تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، وأظهرتْ النتائج هبوط أعداد الإصابات إلى أقلّ من ربع الحصيلة قبل فرض الحظر، بعد أنْ شهدتْ “انفجاراً” بلغ اثنتين وسبعين إصابة في يوم واحد.

بَدَتْ الإدارة متحمّسةً لتكرار التجربة، في مُدُن #القامشلي والحسكة والطّبْقة والرقّة، أمَلاً بالحصول على النتائج نفسها، فعَمَدتْ إلى فَرْض حظرٍ كلّيّ، في السادس والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر المنصرم، لمدة عشرة أيام، إلّا أنّه، وبحسب الأرقام المُعْلنة من الإدارة، لَمْ يُسْهِم في تخفيض أعداد الإصابات بمردودٍ عالٍ، كما حَصَلَ في ديريك، وقد يكون مَرَدّ ذلك إلى اختلاف الواقع السّكانيّ والأمنيّ بين هذه المناطق، فديريك مدينة صغيرة نسبيّاً، وتقع بشكلٍ كامل تحت سيطرة الإدارة الذاتيّة، ما يبدو أنّه سهَّلَ فرض إجراءات الحَظْر الكلّيّ، بينما تشترك الإدارة الذاتيّة مع #الحكومة_السورية في السيطرة على مدينتيّ #القامشلي والحسكة، والقلاقل الأمنيّة لا تزالُ حاضرةً في كلّ من #الرقة والطّبّقة.

يُعَلِّل “محمد خلف”، نائب الرئاسة المشتركة لهيئة الصّحة في إقليم الجزيرة بالإدارة الذاتية، فَرْض الحَظْر الكلّيّ الأخير بأنّه «جاء نتيجةً لارتفاع أعداد الإصابات في كلّ مِن مدينتيّ القامشلي والحسكة».

وحول مصداقية الأعداد الرسميّة يؤكد “خلف” في حديثه لموقع «الحل نت»: «تعتمد #منظّمة_الصّحة_العالميّة النتائج الصادرة عن هيئة الصحّة في الإدارة الذاتيّة، ورغم ذلك فهذه النتائج لا تَعْكُس واقع الأعداد الحقيقيّة، بِقَدْرِ ما هي مؤشِّرٌ، نستدلّ به لتقدير مدى انتشار الفيروس».

ويضيف: «نسبة من المصابين لا تَظهر عليهم الأعراض المتقدّمة، وإنْ ظهرتْ، فقد لا يقومون بإجراء فحص الكشف عن الفيروس، لذا نأخذ بعَيْنِ الاعتبار معيار نسبة عدد المصابين إلى عدد الخاضعين للفَحْص في يومٍ واحد»

 

“يَدُ الفساد طائلة وغير معقّمة

قد لا يُطيق سكان شمال وشرق سوريا الأضرار الاقتصاديّة الناجمة عن هذا الحَظْر، فقد بدأتْ الإدارة الذاتيّة اتخاذ الإجراءات الاحترازيّة في مواجهة فيروس #كورونا منذ آذار/مارس، وذلك بإغلاق المعابر، وفَرْضِ القيود على الحركة بشكلٍ كُلّيّ وجزئيّ، وبلغَ مجموع الأيّام التي فُرِضَ فيها الحَظْر الكُلّيّ أربعة وخمسين يوماً، والجزئيّ اثنين وثمانين يوماً، حتى نهاية العام الجاري، وتَرتّبَ على ذلك أضرار اقتصاديّة، طالتْ عدداً كبيراً من المِهَن، وخاصّة اليوميّة منها.

اللافت، في هذا الحَظْر، منع فَتْح مَحال المواد الغذائيّة، وهو ما أثارَ مَوجةَ استياءٍ لدى السّكان، خاصّة بعد تصريح أدلى به أحد مسؤوليّ الإدارة الذاتيّة، لوسيلة إعلاميّة محلّيّة، داعياً المواطنين إلى تخزين المواد الغذائيّة، الأمر الذي أدّى إلى إقبالٍ وازدحامٍ كبيرَيْن على المَحال التي تبيعها.

الباحث الاقتصاديّ “شوقي محمد” وصف، في منشور على صفحته على موقع “فيسبوك”، النشاط الاقتصاديّ، الذي سبقَ تطبيق الحَظْر الكُلّيّ الأخير، بأنّه «عملية انتقال أموال من جيوب الناس مع الأرباح، إلى جيوب التُّجّار، الذين حَقّقوا أرباحاً، تُعادلُ أرباحهم لثلاثة أشهر على الأقلّ، وكُلّ ذلك تمّ ضمنَ القطّاع التجاريّ، دون أنْ تُضاف قيمة للاقتصاد المحلّي، إذْ لَمْ تؤمّن فُرَص عملٍ جديدة، مِن شأنها توفير دُخولٍ جديدة للأفراد».

«أصبحتْ المسألة أشْبه بالحصار والتجويع لا الحظر»، يقول “هشام عرفات”، الصحفيّ والعامل في المجال الإنساني.
ويضيف في حديثه لموقع «الحل نت»: «من الوارد، وبقوّة، أنّ هناك فاسدين في الإدارة الذاتيّة، تواطأوا مع تجار متنفّذين، كان لهم الدّور الأكبر في حَظْر فَتْح مَحال المواد الغذائيّة، كي يستطيعوا تَصْريف بضائعهم بسُرْعة، قبلَ الحَظْر وبَعْده، وتعويض بعَضٍْ من خسائرهم هذا العام»

ينفي “محمد خلف” حصول ذلك بشكلٍ ممنهج، ويقول: «يَدُ الفساد طائلة، وتضافُر جهود الفاسدين مع بَعْض التجّار الجَّشِعين يؤدّي إلى الإضرار بمصالح المواطنين، فمثلاً: مِنَ التجّار مَنْ هَرّبَ أدويةً مِنَ الداخل السوريّ إلى #إقليم_كردستان العراق، في ظلّ حاجة المنطقة الماسّة للأدوية».

يُشارك “هشام عرفات” مع «الحل نت» نتائج استبيان أجراه لعيّنة عشوائيّة من خمسة وثمانين شخصاً، في السّوق الرئيسيّة لمدينة القامشلي، في الأيّام التي تَلَتْ إصدار قرار الحَظْر، وقد حَوى الاستبيان سؤالاً واحداً: «كَمْ صَرَفْتَ أكثر من المُعتاد لأجْلِ الاستعداد للحظر؟»، وأفادتْ مُعْظَم الأجوبة بأنّه «تَمّ صَرْف مِن أربعة إلى خمسة أضعاف الدّخل المخصّص».
ويعلّق “عرفات” على هذه النتائج بالقول: «دَفَعَ إصدار قرار الحَظْر الكُلّيّ الناسَ باتّجاه الأسواق، وصَرْف مبالغ تجاوزتْ المقادير المخصّصة حسب دُخولهم، وذلك بشراء سِلَعٍ بأضعافِ الكمّيات المُعتادة، ما أدّى إلى فُقدان معظمها، وبالتالي ارتفاع سِعْرها، فازداد الاستهلاك أضعافاً، واضطرّ الناس لشِراء البضائع الكاسدة أيضاً».

 

كُلّيّ أم جزئيّ، .أم لا حَظْر؟

بأخَذْ أعداد الإصابات اليوميّة على مستوى شمال وشرق سوريا، فإنّ الحَظْر الجزئيّ، المطبّق منذ الثلاثين من تشرين الأول/أكتوبر المنصرم، ساهم بتخفيض عدد الإصابات اليوميّة بنسبة فاقت 60%، مع ظهور قيمة شاذّة واحدة، وهي مئتين وتسع وستين إصابة، في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر.

“برور سليمان”، طبيب مختصّ بالأمراض القلبيّة والطّوارئ من مدينة ديريك، قَدِمَ مؤخّراً مِن مكان إقامته في #ألمانيا إلى شمال وشرق سوريا، ليتطوّع في دَعْم الجهود المبذولة في مواجهة جائحة فيروس كورونا. ويرى أن «الحظر الكلّيّ في ديريك كان مهمّاً للغاية وضروريّاً، وتجلّتْ نتائجه على أرض الواقع بتقليل أعداد الإصابات».

لافتاً، في حديثه لموقع «الحل نت»، إلى أنّ «مَحال المواد الغذائيّة في ألمانيا لَمْ تُغْلَق البَتّة، كما كان حال العيادات الخاصّة، التي امتنعتْ عن استقبال الحالات الباردة وغير الطارئة فقط، بينما أُغلقتْ عيادات المشافي. في حين تَفْرُض الإدارة الذاتيّة إغلاق العيادات الخاصّة، والاعتماد على المشافي للاستطباب، ما يخلق تَجَمْهُراً في تِلْكَ المشافي، البالغ عدد الخاصّ منها، في مدينة القامشلي، عشرة مشافٍ، تَحوي ما مجموعه مئتين وثمانية وعشرين سريراً فقط».

من جهته يقول “محمد خلف”: «لَمْ نَنْجَحْ، في تجارب الحَظْر السابقة وحتى الآن، بمَنْع التّجمّعات في العيادات والمستشفيات والمدارس بشكلٍ كامل ». ويَعزو ذلك إلى «الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة للناس، مثل الفقر، والحاجة إلى العمل اليوميّ،  وهذا لا يتناسب مع الإجراءات اللازمة لمكافحة الجائحة، مثل فرض القيود على الحركة».

 

زيادة تسلّط الأجهزة الأمنية

“هشام عرفات” يصف الآثار المترتّبة على فَرْضِ الحظر بـ«الكارثيّة على الأفراد والاقتصاد»، ويؤكّد  أنّ «الحَظْر فرصة لزيادة تَسلُّطْ القوى الأمنيّة».

ويضيف: «شَهِدْتُ تعامل قوى الأمن الداخليّ بشدّة مع المخالفين، في محاولة لتكريس الهيَبْة الأمنيّة في القامشلي»,  ويُشدّد على «ضرورة إلغاء العمل بفَرْض القيود على الحركة، والاستعاضة عن ذلك بتفعيل التوعية، عبر وسائل الإعلام والإعلانات الطُّرقيّة والنشرات الدوريّة لهيئة الصّحّة».

مهما يَكُنْ، فإنّ الحظر الكٌلّي الأخير، الذي فُرِضَ في المنطقة، لَمْ يؤد إلى نتائج مُرضية، للسيطرة على تفشّي الوباء، ويبدو أنّ الحال سيستمر على ما هو عليه، في ظلّ غيابِ أيّ استراتيجيّة واضحة لمواجهته، وكذلك ضعف احتمال الحصول على لقاحٍ ما في وقت قريب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.