تشير تحركات رئيس النظام السوري بشار الأسد، في الآونة الأخيرة، إلى أن دمشق بدأت جدياً مرحلة الدعاية السياسية لانتخاباتٍ اعتاد أن يحسمها المرشّح الوحيد للرئاسة في مراتٍ عديدة خلال السنوات السابقة، فما الذي سيختلف في الانتخابات الرئاسية المقبلة في دمشق بعد شهورٍ قليلة؟

مفكرٌ إسلامي يخرج بمغالطاتٍ عديدة أمام جموع من رجال الدين مطلع شهر كانون الأول، ومنظّرٌ اقتصادي تملّص من إخفاقاته المتكررة والتي أدت إلى تدهورٍ اقتصادي، أو رجل دولة يهتم بشعبه بعد حرائق ارتكبها “مجهولون” التهمت الأخضر واليابس في الساحل منذ أشهر، وداعية إصلاح يحارب الفساد حتى لو طال ذلك القصاص من ابن خاله.

هكذا أطلّ الأسد على أوساط مؤيديه خلال الشهرين الماضيين، حيث باتت على ما يبدو الماكينة الإعلامية في القصر الجمهوري تدرك أن شكل الانتخابات هذه المرة مختلف تماماً عما سبقها طوال حكم الأسدين، وتشير ترتيبات تداول الملفات داخل الرواق السوري؛ أن روسيا باتت مستعجلة للتوافق خلال الفترة القريبة المقبلة أكثر من أي وقتٍ مضى.

تريد موسكو ومن ورائها دمشق، الانتهاء من إشكالية مشروعية بقاء بشار الأسد في السلطة التي يعتمدها الأوروبيون وواشنطن في تأجيل الدخول بمرحلة إعادة الإعمار وما يتصل بها، فـ رمزية بقاء الأسد في السلطة تُعَدُّ أحد العوامل العديدة المعطّلة لتشكيل حلٍّ سياسي متوافَق عليه للقضية السورية.

لذا، فإن أي انتخابات رئاسية يراقب أوضاعها المجتمع الدولي وكذلك ما سبقها وينجح بها الأسد بعد مشاركة محدودة للمعارضة، سيُعدُّ ذلك نجاحاً منتظر وغير مفاجئ للروس أمام خصومهم في الملف السوري، وليس القصد هنا الأتراك الذين باتوا على ما يبدو أقرب للروس وتصوراتهم في سوريا من أيّ وقت مضى؛ بل القصد هنا عن الأوروبيين الذين يعيشون أزمات مختلفة قد تدفعهم أكثر للسير كما يتجه الجانب الأميركي الذي يدخل الملف السوري من جديد بإدارة رئاسية مختلفة، قد تتبع نهج إدارة باراك أوباما (الرئيس الأميركي الأسبق) حيث في عهده تدخلت روسيا عسكرياً في سوريا ونجحت باستعادة السيطرة الميدانية على مساحات واسعة من قبضة المعارضة والإسلاميين.

ضاقت روسيا ذرعاً باستعصاء الحل السياسي في سوريا والذي أجّل بدوره مرحلة إعادة الإعمار التي من خلالها يمكن أن تحقق بعض المكاسب “الأولية” الحقيقية في المنطقة، لذا نرى أن ملف الانتخابات الرئاسية هو أحد الملفات ضمن حزمة متكاملة من مفاعيل الحل في سوريا، بدأته موسكو سياسياً في مؤتمر مسار أستانا مطلع عام 2017 ثم مؤتمر سوتشي 2018 الذي أفرز اللجنة الدستورية، ومن ثم بدأت بنسخة أولى من مؤتمر إعادة اللاجئين، ورغم هزالته؛ إلا أنه كان لا بد منه ضمن الترتيبات الروسية التي تسبق الانتخابات الرئاسية.

انساقت المعارضة للجنة الدستورية، كونها بوابة الحل السياسي وفق رؤية المشاركين بها، إلا أن تطورات الانسياق مع الرؤية الروسية للحل في سوريا، وصلت إلى تشكيل “الائتلاف” المعارض مفوضيةً عليا للانتخابات تتماهى مع رغبة موسكو في القيام بالانتخابات الرئاسية بموعدها المفترض، حتى وإن تراجعت رئاسة الائتلاف عنه.

إلا أن قرار المفوضية، يؤكد تقاطعات الأنباء التي بدأت تتوارد حول مساعي روسيا لتشكيل قوة معارضة جديدة- قديمة تتوالف مع عقد الانتخابات لا بل تشارك بها، ما يُشرعِن عقد هذه الانتخابات التي قال عنها، في وقتٍ سابق، المبعوث الأممي إلى سوريا “غير بيدرسن” إنها ستحصل دون رضى المجتمع الدولي؛ طالما أنها لن تكون تحت مراقبة دولية وضمن بيئة وظروف مناسبة. ولا عجب أن نرى بعض “صقور” المعارضة يدعمون إقامة الانتخابات والمشاركة بها، أيضاً من أجل إحراج الأسد وحشره في الزاوية التي لم يسمونها منذ ذهابهم إلى أستانا.

لا تدعم روسيا بقاء بشار الأسد إعجاباً بحنكته السياسية وولائه المطلق لروسيا، فهي تدرك أن الضغوط المتزايدة عليه ستدفعه لإرضاء موسكو ولو حتى على حساب طهران أو حتى مقابل فاتورة وطنية كبيرة تكون الجولان بمقابلها.

غير أن روسيا تدرك أيضاً أن أي بديل للأسد من محيطه؛ لن يكون أفضل منه أو أن الوقت والظروف ستكون مناسبة لذلك، وكذلك في المعارضة التي تاهت في برامجها السياسية ذات الميول والتوجهات الخارجية.

لذا، فإن روسيا لن تقبل أي خسارة لها في المنطقة، فسوريا تمثل لها نقطة تمركز استراتيجية؛ بخاصة بعد كل ما قدمته لدمشق والأسد، فهي لن تتخلى عن تحصيل مكاسبها، بعكس ما قد يرضى البعض أنها لا تريد التخلي عن الأسد.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.