(الليلُ الطَّويل) لـ “حاتم علي” ثورةٌ على المحظور 

 (الليلُ الطَّويل) لـ “حاتم علي” ثورةٌ على المحظور 

لم يلق فيلم “الليل الطويل” للمخرج الراحل حاتم علي  الممتد على مدار 90 دقيقة، قبولاً جماهيرياً، وأغلب التعليقات عليه في اليوتيوب كانت سلبية.

وأكثر التعليقات أجمعت على أنه فيلم ممل وكئيب،  والبعض الآخر أشار إلى أنه  طويل، وكان من الممكن اختصاره في 15 دقيقة.

وهنا لابد من الإشارة إلى تدني الشعور بالشأن العام لدى شريحة واسعة من المشاهدين والمتلقي،  وتغيّر المزاج العام.

والمتلقي هنا لم يصبر 90 دقيقة لمعرفة مصير 4 معتقلين من خلفهم أكثر من 4 عائلات،  بعد سجن الأربعة أكثر من 20 سنة.

ومع فقدان  التعاطف مع قضيتهم، التي  بطبيعة الحال هي قضية وطن وليس شأناً شخصياً،  إنما شأناً عاماً.

وهذا بالضبط ما طرحه الفيلم أيضاً من خلال مواقف بعض الشخصيات الانتهازية فيه،  والتي فضلت التغاضي عن الظلم، الذي  لحق بمحبيهم في سبيل مصالحهم الحياتية اليومية.

وصل عدد مشاهداته إلى نحو نصف مليون مشاهدة و ألف معجب فقط.

والفيلم تم إنتاجه في 2010 قبل ثورات الربيع العربي، وتلا إنتاجه في فترة زمنية حساسة من تاريخ سوريا.

تأمل الكثيرون فيه  بتغييرات جوهرية في الحريات وزيادة هامش الحرية والازدهار الاقتصادي والانفتاح على العالم، وعودة الحياة السياسية والثقافية والملتقيات والصالونات الأدبية والسياسية.

وكل تلك الآمال والطموح الذي ذرتها رياح ربيع 2011 في انتكاسة غير متوقعة؛ بل دموية ومليئة بالعنف.

وجاء الفيلم حذرا في طرح كل ما يتعلق  بقضية المعتقلين السياسيين، ودوافعهم في التمرد أو أسباب اعتقالهم والجهة المسؤولة عن الاعتقال، أو برامج هؤلاء المعتقلين وخلفياتهم السياسية فجاء الطرح عاماً.

واقترب الفيلم من التفاصيل اللحظية لساعة أو ليلة الإفراج وإطلاق سراحهم.

وانشغل كاتب السيناريو هيثم حقي بالتفاصيل الصغيرة لأبطال فيلمه من الضحايا، ووقع وآثار السجن والاعتقال على أبنائهم وعلى نفسيتهم وسلوكهم.

وركّز الفيلم على الشرخ الذي أحدثه فعل الاعتقال ليس فقط على المعتقل، وإنما على مجمل عوالمه والمحيطين به.

ولكن بطبيعة الحال كل سوري  يدرك ويعرف الجهة المسببة في الآلام المتمثلة في أفعال السلطة وآثارها الكارثية على البلاد.

ويحسب لحاتم علي  ولهيثم حقي تطرقهما للقضية في وقت زمني قصير من التغيّرات، والوعود التي أطلقت ونكثت، التي حدثت بعد تسلم الأسد الابن السلطة.

ولم يقع حاتم علي  في فخ الدعاية للنظام، وإنما بطريقة أو أخرى أدان هذا النظام من خلال النهاية السوداوية لبطل الفيلم، خالد تاجا وموته وحيدا على أطلال منزله الريفي، في ليلة الإفراج عنه دون أن يتمكن من لقاء أصدقائه أو عائلته .

واعتمد حاتم علي في السيناريو، اللغة البصرية وأجاد الدمج بين حركة الكاميرا من خلال مشاهد قريبة ومتوسطة، والتجريب في لغة الجسد والانطباعات وحركات وزوايا الكاميرا.

وفيما يخص الحوار، كان في جانب منه خطابياً مباشراً، خصوصاً في الحوار بين الأشقاء باسل خياط وزهير عبد الكريم.

ولم تكن هناك تصاعدية معقّدة أو حبكة محكمة  في السرد، وإنما تطورت محاور السيناريو بالتوازي، وعموماً كان فيلماً فقيراً تقنياً، فيما يخص الإضاءة والموسيقى والصوت.

قصة الفيلم: 

يُطلق سراح ثلاثة من السجناء السياسيين، الذين رفضوا التوقيع على أي تنازل مقابل حريتهم،  بينما يتم التحفظ على الرابع.

ومن خلال متابعة المخرج لحياة هؤلاء المُخلى سبيلهم نتعرف على ردود أفعال عائلاتهم، الذين انخرطوا في لعبة  الحياة وتحدياتها.

ومن هذه العائلات  من رضخ واستسلم لمغريات العيش، ومنهم من قاوم وأكمل مسيرة آبائه ولم يدخل  لعبة المساومات.

وفضَّل الآخرون  الرحيل والهجرة ومنهم اختار حياة العزلة والحياة الهامشية في المجتمع.

ويذكر أن “الليل الطويل” حاز على مجموعة من الجوائز الدولية المهمة، آخرها جائزة مهرجان نيودلهي السينمائي وجائزة اتحاد النقاد السينمائيين الدولي.

ومحور القصة  تدور حول  – خالد تاجا- الذي  يستأجر التاكسي للتوجه إلى مكان غير منزله في دمشق، حين يبقى أبناؤه في انتظاره والقلق يعتريهم من موقفه تجاه مجمل تصرفاتهم خلال فترة غيابه. وبخاصة زواج ابنته عروبة –أمل عرفة- من ابن صديقه القديم ورجل الأمن أو الجلاد رفيق سبيعي .

وكان من نتائج هذا الزواج الذي تم دون موافقة الأب المسجون,يبدو أشبه للاغتصاب  انقسام العائلة.

فالابن الأكبر –زهير عبدالكريم- اختار الترحيب  به بحثاً عن مكاسب, بينما رفض الابن الأصغر –باسل خياط- هذا المشروع واعتبره خيانة للمبادئ التي من أجلها سجن والدهم.

وستشهد جلسة الانتظار في الليلة الطويلة سجالا بين الإخوة الثلاثة حول الماضي والقيم والمثل الأخلاقية، في صراعٍ أيديولوجي حادٍ يُمثل الذروة الأعلى في الفيلم كله.

وإذا استثنينا الصدمة الكبيرة التي ستحدث في النهاية  بموت الأب، والتي ستؤكد روح السوداوية التي طبعت بعض مشاهد الفيلم منذ البداية بالتوازي.

وإن يكن بمساحة أقل هو ظهور حفيدة زميله في المعتقل في مراسيم العزاء وتبادلها الابتسامات مع جدها غير آبهة بأجواء الحزن المخيم على المكان.

بطاقة الفيلم 

الليل الطويل: إنتاج 2010

إخراج : حاتم علي

بطولة :خالد تاجا، رفيق سبيعي ،  أمل عرفة ، حاتم علي، باسل خياط، سليم صبري، حسن عويتي ،وزهير عبد الكريم ونجاح سفكوني وفادي صبيح وضحى الدبس والممثلة التونسية الشابة أنيسة داود .

مسيرة ملؤها الإنجاز

قدم حاتم علي مجموعة هامة من المسلسلات الاجتماعية والتاريخية لعل أهمها: الزير سالم عام 2000، والذي يعد نقطة تحول مهمة في مسيرته، ومسلسل عمر عام 2012.

ومن أبرز المسلسلات التي أخرجها الراحل  مرايا 1998، 1999، والفصول الأربعة 1999، وصلاح الدين الأيوبي 2001، والتغريبة الفلسطينية 2004، والملك فاروق 2007، وأور كيديا 2017.

ونال الراحل حاتم علي جائزة أفضل مخرج لخمس مرات في مهرجان القاهرة للإذاعة والتليفزيون ومهرجان القاهرة للإعلام العربي.

كما نال ست ذهبيات في عدة مهرجانات عربية عن مسلسلاته: الزير سالم، الملك فاروق، ملوك الطوائف، صقر قريش، وصلاح الدين الأيوبي.

وكتب الراحل الذي عرف بالفنان الشامل، مسرحيتين بالتعاون مع المخرج المسرحي زيناتي قدسية هما: الحصار وحكاية مسعود، كما كتب  ثلاث مسرحيات أخرى: مات ثلاث مرات عام 1996، والبارحة- اليوم- وغدًا عام 1998، وأهل الهوى عام 2003.

وأسس حاتم علي شركة صورة للإنتاج الفني، التي قامت بإنتاج عدد من المسلسلات والأفلام الوثائقية والروائية القصيرة.

وحصد الفيلم السوري  (مرور) من إنتاج شركته وإخراج وسيناريو نجله المخرج “عمرو علي” جائزة (نيو بلاك) قبل يوم من وفاته.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.