اللّجنة الدّستوريّة السّوريّة تَخُطُّ بِمِدادِ الفُرَقاء

اللّجنة الدّستوريّة السّوريّة تَخُطُّ بِمِدادِ الفُرَقاء

بَعْدَ أربع جَولات لَمْ تُقَدِّم سِوى “خيبات الأمَل” على حَدّ تَوصيف المبعوث الأُمَميّ إلى سوريا “غير بيدرسون” تَتَّجِه الأنظار إلى الجولة الخامسة مِن مفاوضات اللّجنة الدّستوريّة السوريّة، والمُقَرَّر عَقْدُها اليوم الإثنين، في ظِلّ تَرَقُّب موقف الإدارة الأميركيّة الجديدة بقيادة جوزيف بايدن، والانتخابات الرئاسيّة السوريّة المزمع إجراؤها خلال النِّصْف الأوّل مِن العام الحاليّ، وكذلك، الخِلافات البُنْيويّة العَميقة بَيْن مُكوِّنات المُعارضة السّوريّة، والتي وَصَلَتْ إلى حدودٍ غَيْرِ مَسْبوقة مُنْذُ تشكيل الهيئة العُليا للتفاوض وفْقَاً للقرار الأُمميّ (2254) وقد كانَ آخر تداعياتها سَحْب السعوديّة دَعْمها للهيئة، عَبْر تعليق عَمَل موظّفيها في الرياض اعتباراً من نهاية كانون الثاني/يناير مِن العام الحاليّ، مُعَلِّلَةً ذلك بِرَفْضِ كُلٍّ مِن «هيئة التّنسيق الوطنيّة لِقوى التّغيير الديمقراطيّ، ومنصّة موسكو، وبَعْض شخصيّات منصّة القاهرة» قرارات هيئة التفاوض السوريّة.

وتُشكِّل اللجنة الدستورية؛ السَّلّة الثالثة مِن السِّلال الأربعة التي كَشَفَ عنها المبعوث الأُمَميّ السابق إلى سوريا “ستيفان دي ميستورا” في المؤتمر الختامي لـ (جنيف 4) في آذار/مارس 2017 حيث ضمّت السلّة الأولى القضايا الخاصّة بإنشاء حُكْمٍ غير طائفيّ، وشَمَلتْ السلّة الثانية القضايا المتعلِّقة بِوَضْعِ جدول زمنيّ لمسودة دستور جديد، بينما شَكَّلَت السلّة الثالثة كُلّ ما يتعلّق بإجراء انتخابات حرّة ونزيهة تحت إشراف الأُمَم المُتَّحدة، وتشمل السوريين خارج بلادهم.

أما السلّة الرابعة فتختصّ باستراتيجيّة مكافحة الإرهاب والحَوْكمة الأمنيّة، وبِناء إجراءات للثقة المتوسّطة الأَمَد.

حاولتْ الحكومة السوريّة جاهِدة تأخير عَمَل اللجنة الدستوريّة سَعْيَاً لإجراء الانتخابات الرئاسيّة وفقاً لدستور عام (2012) الذي يُخَوِّل الرئيس بشار الأسد التَّرَشُّح لولاية ثانية وأخيرة، وبالتالي فالدّستور المُستقبليّ -إذا ما كُتِب- سيشكِّل فُرْصةً للأسد لإعادة مشاركته في الانتخابات الّتي تَلي تطبيق هذا الدّستور، وفق نظرية “تصفير العدّاد” كما يحدث عادة في دُوَل الشرق الأوسط.

موسكو بِدَوْرِها لا تَنْفَكّ في استخدام نُفوذها داخل المعارضة، فقد استقبل وزير خارجيتها سيرغي لافروف وَفْداً من أعضاء منصتَيّ موسكو والقاهرة، سَعْيَاً مِنها لِكَسْب الثانية إلى جانبها، وذلك بَعْد الخلافات الداخليّة الكبيرة ضمنها، في ظلّ بروز تيارين داخل المنصّة، أحدهما يوالي السعوديّة، والآخر يُوَلِّي وَجْهَه شَطْر موسكو، وكذلك الإقصاء الذي تُمارسه منصّة الرياض بِحَقّ مندوبي المنصّات الأخرى في عَمَلَ اللجنة الدستوريّة المُصَغَّرة المُكَوَّنة مِن (45) عضواً، موزّعين بالتَّساوي بين كُلّ مِن الحكومة السوريّة، والمعارضة، ووفد المجتمع المدنيّ الّذي تُرشّحه الأُمم المتّحدة.

ويبدو أنّ السَّعي لإيجاد توافقات بين الكيانات السوريّة المُعارِضة ماضٍ على قَدَمٍ وَساق، فَحزب الإرادة الشعبيّة، المُقَرَّب مَن موسكو، وَقّعَ مُذَكّرة تفاهُم مع “مجلس سوريا الديمقراطيّة” في آب/أغسطس 2020 نَصّتْ على السَّعي لضمِّ «مسد» إلى العمليّة السياسيّة، وكذلك الأمر، يعمل “الحزب” على خطٍ متوازٍ مع أعضاء مِن منصّة القاهرة، لتنسيق المواقف داخل هيئة التفاوض، وفي جولات جنيف.

السعوديّة بِدَوْرِها تَتَطَلَّع إلى دَوْرٍ سياسيّ ما في حَلّ الأزمة السوريّة، مستفيدةً مِن ثِقَلِها الإقليميّ، والدَّوْر المَنُوط بها في مواجهة التّمَدُّد الإيرانيّ في الشَّرْق الأوْسط عامّة، وسوريا كجزءٍ مِنْها، وكذلك لِوَزْنِها النَّوعيّ داخل شرائح مجتمعيّة مهمّة في شمال وشرقيّ سوريا، والتي لا تزال تحتفظ بعلاقات متميّزة مع الرياض بِحُكْمِ الحالة العشائريّة السائدة.

مِن جانبه يُدرك الجانب التّركيّ أنّ تقاسمه احتكار إدارة المعارضة السوريّة، مع حليفته المؤقّتة روسيا، إنّما أصبحَ مَوْضِع شّكّ في الوقت الرّاهن، خاصّة بَعْدَ الفَشَل الذّريع في إيجاد أيّة حُلولٍ سياسيّة خلال الفترة التي عَمِلا فيها سَوَيّةً تَحْتَ مِظَلّة اتّفاقات أستنة، ومفاوضات اللّجنة الدّستوريّة، وبالتّالي فهي ستكون مُضْطرّة لمواجهة واقع آخر مُختلف.

الموقف الأميركيّ سيكون حاسِماً في مستقبل العمليّة السياسيّة في سوريا، بِحُكْم تواجده المباشر في المناطق النّفطيّة الواقعة تحت سيطرة “قوّات سوريا الديمقراطيّة” وكذلك فهي تستطيع التأثير على مناطق سيطرة الفصائل السّوريّة الموالية لأنقرة في الشّريط الحدوديّ السّوريّ التُّركيّ.

رعاية الولايات المُتّحدة لجَوْلات الحوار الكُرديّ الكُرديّ، والتَّوَصُّل إلى وثيقة سياسيّة مُلْزِمة بين الطرفين الكُرديَّيْن الرئيسيَّيْن، حزب الاتّحاد الديمقراطيّ، والحزب الديمقراطيّ الكُردستانيّ – سوريا قد تُشَكِّل إحدى المُرتكزات الّتي، على إثْرها، تعود واشنطن للانخراط في العمليّة السياسيّة.

فوصول كُرْد سوريا إلى تفاهم على رؤية سياسيّة لمستقبل البلاد، ربّما يكون مُقدّمة لتفاهمات أشْمَل مع مُكوّنات المنطقة، وصولاً إلى تشكيل جبهة مُعارِضة خارج العَباءة التركيّة، وسَحْبِ البساط مِن تحت الرّوس والأتراك في الاستئثار بتمثيل المُعارضة، وكذلك لِتَشْكيل ضَغْطٍ على أنقرة كَي تَبتعد خطوات عن موسكو.

وبذلك تكون الكُتلة المُعارِضة الجديدة مُتِّسَقة مع الرؤية الأميركيّة، في مجابهة الوجود الإيرانيّ في سوريا، والضَّغْط على الحكومة السوريّة كَي تَتَّخِذ القرار المنتظر بالدخول للجهود الدوليّة الرّامية إلى إخراج القوّات الإيرانيّة وحلفائها من سوريا تَمهيداً لحلٍ سياسيّ يَسْتَنِد لقرار مجلس الأمن (2254)

التوافق الأميركيّ الرّوسيّ سيكون مِنْ شأنه إيجاد عمليّة سلام آمِنة في البَلَد الذي أنهكتهُ التدخّلات الإقليميّة والدوليّة، فَضْلاً عن الاحتراب الأهليّ الحاصل، وقد يُشَكِّل التوافق ذاك فُرْصة لإعادة بناء سوريا على أُسِسٍ جديدة تختلف عن تلك التي أنتهجتها منظومة الحُكْم في سوريا منذ تولّي حزب البعث زِمام السُّلطة عام (1963) عَبْرَ انقلاب الثامن من آذار/مارس، وتكون مُنطَلقاً لعمليّة إعادة الإعمار التي مِن شأنها خَلْقِ فُرْصَة لعودة اللّاجئين السّوريين إلى بِلادهم.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.