في يوليو تموز  2018 ادّعى جهاز الاستخبارات الإسرائيلي “الموساد” حصوله على الساعة الخاصة لعميلها الذي أُعدِم في دمشق عام 1965، “إيلي كوهين” أو المعروف باسمه السوري “كامل ثابت”.

لم تكن تلك العملية ذات مغزى واضح أو ذو أهمية؛ سوى أنها خفّفت من الضغط الذي كان يلاحق تل أبيب من قبل عائلة “كوهين” التي تدير حملةً محلية ودولية منذ أكثر من عشر سنوات، للتّوصّل إلى معلوماتٍ حول مكان دفنه.

إضافةٍ إلى تخفيف الضغوط، قد يُحسَب آنذاك للحكومة الإسرائيلية بزعامة بنيامين نتنياهو تسجيل نقطة رابحة في عملية الانتخابات المحلية، حيث ألحق ذلك أيضاً صفقة تسلم رفات الجندي الإسرائيلي “زخاريا بوميل” الذي احتفظت دمشق بجثته لمدة 36 عاماً، انتظاراً على ما يبدو لهذه المرحلة.

بالعموم، لم تعد تطورات ملف العلاقات الإسرائيلية-السورية وبالوساطة الروسية مجالاً للتأكيد على مكاسب نتنياهو في أيِّ موسمٍ انتخابي، الأمر بات مختلفاً، ويبدو أن نتنياهو يسير على نهج “حليفه” الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب؛ الذي أحدث نقلةً نوعية في مسار العلاقات العربية الإسرائيلية، فرئيس الحكومة الإسرائيلي الحالي لن يترك كرسي زعامة الحكومة إلا وملف التطبيع بين دمشق و تل أبيب بات معلناً.

المسألة لدى إسرائيل وجودية، فإيران التي استثمرت في الحراكات العربية و تسللت إلى دول عربية جديدة بعد تغوّلها في لبنان والعراق، فوصلت سوريا؛ بل سمحت لها إسرائيل بذلك حتى تستطيع فيما بعد مقايضة دمشق على خيارات عدة تكون هي الرابحة في نهاية المطاف مهما كان خيار دمشق التي ستُجبَر على الاختيار، فالوضع الاقتصادي والأمني والاجتماعي لن يمرّ على سوريا بسوئه وفشله.

عودة الحديث مجدداً عن جثة “إيلي كوهين”، وعن الدور الروسي الكبير في عملية البحث وإتمام الصفقة، يأتي ضمن سلسلة من الخطوات اتفقت عليها ضمنياً كل من روسيا وإسرائيل منذ تعهّد روسيا عام 2018 (فترة حصول الموساد على ساعة كوهين)، إبعاد النفوذ الإيراني عن الجنوب السوري لمسافةٍ تُرضي إسرائيل والتي رفضت وطالبت بمنع أي تموضع إيراني مستقبلي في سوريا.

في تلك الفترة أيضاً (صيف 2018) وافقت إسرائيل على وصول النفوذ الروسي إلى الجنوب السوري تحت مسمى سيطرة حكومة دمشق على تلك الأراضي منذ ذلك الوقت.

أرادت روسيا تهيئة الأجواء لإنجاز اتفاق تطبيع بين تل أبيب ودمشق، يخفف من حدّة التصعيد في البلد الذي تريده روسيا قاعدة استراتيجية لها، وتريده إسرائيل محطة تفصل بين أذرع إيران في كل من العراق ولبنان، في الوقت الذي تريد فيه دمشق أن تنجو من الغرق بالوحل الذي أوشكت أن تُدفَن تحته فيما لو تمد لها إسرائيل بخيط صفقة التطبيع.

رفات “إيلي كوهين” ليست سوى نقطة في بحر تشابكات العلاقات الإسرائيلية الروسية في المنطقة، وما دمشق إلا لاعب روسي سيتحرك وفق أهواء تلك العلاقات، بينما كان صمت إسرائيل عن التمدد الإيراني هو الوصول لهذه النقطة، وقوف كل القوى الفاعلة في الملف السوري ضد الوجود الإيراني الذي يتسبب في زعزعة الاستقرار في سوريا بعد 10 سنوات من الحرب المدمرة وباهظة الثمن.

بمقابل أن دمشق سترضى بما سيقدم لها، ما دام أن صفقة التطبيع برعاية روسيا ستبحث ملفات تحسين الأوضاع الاقتصادية وصولاً لإعادة الإعمار، والأهم ضمان سلامة كرسي الأسد، وتبقى ورقة الجولان لا تستدعي الصدام من قبل دمشق التي قد لا يهمها استعادتها كاملة أم لا، فالأهم لديها استعادة وجودها وفعاليتها الاقتصادية والسياسية مع المحيط والعالم.

رفات “كوهين” تفصيلٌ هامشي، أما وجود إيران و بحث إزالة تموضعها من سوريا هو العائق لتسريع عملية الإنجاز، فمن ترك المجال لإيران للتمدد خلال السنوات الماضية في سوريا، سيحتاج لوقتٍ ليس بالقصير لمعالجة اجتثاث السرطان الإيراني.

المعادلة الإسرائيلية في الحل، تتشابه فيما ذهب إليه الاتحاد السوفييتي خلال معاركه مع ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، كانت الخطة تتلخّص في السماح للقوات الألمانية بالتوغل شمالاً من الأراضي السوفييتية وتحصيل سيطرة على الجغرافيا كانت وهمية، فكان التوغل الألماني ناراً ستحرق كل القوات في أرضٍ لم يدركوا طبيعتها.

تماما كما الأسد وإيران، فرئيس النظام الذي سمح للحرس الثوري بالتوغل شرقاً و شمالاً وجنوباً، فاصطدم بنهاية المطاف بخسائر كارثية على مختلف الأصعدة، بينما وجدت نفسها طهران بمواجهة قوى محلية عسكرية تتأهب لمقاتلتها، وقوى سياسية إقليمية ودولية لا ترى أن إتمام الحل السياسي في سوريا يمكن إنجازه باستمرار التموضع الإيراني في سوريا.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.