يواجه النظام السوري مشكلة تخفيف الاحتقان الشعبي في مناطق سيطرته قبيل الإعلان عن انتخاباته الرئاسية، وذلك بسبب سوء الأوضاع المعيشية وانهيار قيمة العملة السورية المتسارع.

تطمح روسيا إلى تمرير الانتخابات، وتشريع بقاء النظام، وفرضه كأمر واقع، على المجتمع الدولي التعاطي معه. وقد فشلت في تحقيق الغاية من جولة وزير خارجيتها الخليجية قبل أسبوعين، في التسويق لحلولها حول عودة اللاجئين وإعادة الإعمار، والتي طرحتها من الباب الإنساني؛ حيث قوبلت برفضٍ أو تأنٍ خليجي، نتيجة المخاوف من عقوبات قانون قيصر، مع اشتراطات حول العودة إلى الحل السياسي عبر جنيف والقرارات الأممية.

الآن تعود روسيا إلى البحث عن مخارج عبر الشق الإنساني، بمطالبة تركيا فتح ثلاثة معابر مع مناطق المعارضة شمالاً، وهي: معبرين في إدلب (ميزناز وسراقب) وثالث شرقي حلب (أبو الزندين)، مدعية أن الغاية من فتح هذه المنافذ هي تخفيف الوطأة الاقتصادية على المواطنين في مناطق سيطرة المعارضة، حسب ما صدر من تصريحات مسؤولي قاعدة حميميم “الروسية”.

ولتحقيق هذا المطلب “الإنساني”، اتبعت موسكو سياسة الابتزاز العسكري، عبر قصف مشفى الأتارب، وساحة معبر باب الهوى، المنفذ الوحيد لدخول المساعدات الإنسانية، وقتلت مدنيين؛ وذلك للضغط على أنقرة لقبول المطلب الروسي، ويبدو أن هذا القبول قد تم، دون الإعلان عنه من جانب تركيا أو من المعارضة السورية التابعة لها، بسبب الرفض الشعبي الواسع لعملية فتح المعابر، كونها تُعتَبَر إنقاذاً للأسد.

الفائدة الأولى من فتح هذه المعابر، هي تفعيل الحركة التجارية مع مناطق المعارضة وإبطاء تسارع تدهور العملة؛ وكذلك يفتح معبر أبو الزندين (20كم شرقي حلب) المجال لتبادل تجاري مع مدينة الباب، وهي تحت السيطرة التركية، وهو واقع على الطريق الدولي M4، حيث يطمح الروس عبر التحكم به إلى فتح التبادل التجاري مع مدينة منبج التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، والاستفادة من ثروات شرق الفرات، خاصة القمح والنفط. ومسعى فتح هذا المعبر قديم، حيث ظهر أثناء مفاوضات تسليم حلب الشرقية.

تريد موسكو أيضاً تسهيل عبور المدنيين بين مناطق النظام والمعارضة، للإيحاء بصلاحية النظام للتعامل مع المواطنين السوريين، وأنه مستعد لاستقبال اللاجئين؛ وهو أمر صعب التحقق، بسبب مخاوف المدنيين من الاعتقال وسوق الشبان إلى الخدمة العسكرية، وأيضاً النظام غير مستعد لهكذا خطوة، مع رغبته في الانتقام، ومع السيطرة الإيرانية على سلوكه.

فتح المعابر الداخلية هو تمهيد روسي لفيتو جديد، لا إنساني، في الأمم المتحدة، يخص دخول المساعدات عبر المنافذ الحدودية؛ حيث سينتهي، في تموز المقبل العمل بالقرار الدولي، لدخول المساعدات عبر معبر واحد هو باب الهوى، بعد الفيتو الروسي على فتح المعابر الأخرى، مع الأردن والعراق.

تريد موسكو أن يتعامل الغرب مع دمشق كممر لمساعدات الأمم المتحدة، ما يعطي شرعية لحكومة دمشق، وقد وجدت مخرج فتح المعابر الداخلية في هامش علاقتها بتركيا، تحت وطأة التهديد والتصعيد العسكري.

فتح المعابر الداخلية، ودخول المساعدات عبر دمشق، ليس فيه خرق لقانون قيصر بالنسبة لتركيا، ويبدو أن المطلب الروسي بفتح المعابر جاء استناداً إلى بيان مؤتمر الدوحة الذي كانت تركيا عضواً فيه.

بالتزامن مع تحركها حول فتح المعابر الداخلية، تسعى روسيا لإشهار الفيتو مجدداً في مجلس الأمن ضد تدفق المساعدات عبر الحدود، وحصرها عن طريق دمشق.

هناك قمة الاتحاد الأوروبي، حيث موقفه معارض لتشريع انتخابات الأسد، وكذلك ستجري في 29-30 الشهر الجاري مؤتمر بروكسل الخامس حول “دعم مستقبل سوريا والمنطقة”؛ توقيت هذه المؤتمرات دفعت روسيا والنظام إلى استغلال الفرصة وتوجيه تهديد إلى الغرب، عبر بيان مشترك، بإمكانية حصول أزمة هجرة جديدة، بسبب الكارثة الإنسانية، والتي عزاها البيان إلى “الإجراءات التقييدية الصارمة ضد الشعب السوري، لخنق سوريا اقتصادياً وعزلها دولياً”.

إن نجحت روسيا بالفعل في فتح المعابر، فهذا قد ينعش الليرة السورية بعض الوقت، عبر تدفق العملة الصعبة، لكنه حل إسعافي مؤقت، وليس إنقاذاً للاقتصاد السوري المتهالك، والغرض منه تمرير الانتخابات. أقول لو نجحت روسيا؛ وقد لا تنجح، مع الرقابة الأميركية والأوروبية لكل التحركات الروسية الساعية إلى تعويم الأسد وتشريع انتخاباته. والأيام القادمة حافلة بالقرارات والتصريحات بهذا الخصوص.

بلغ العوزُ والجوع حداً لا يستهان به لدى سكان مناطق النظام، وفاقَ الفقرَ في مناطق المعارضة، ولدى اللاجئين على الحدود؛ بات من المعتاد أن تجد أناساً في المدن والأرياف السورية، ينامون في العراء ويعيشون على جمع ما تيسر من حاويات القمامة. وحتى الأحسن حالاً، يشعرون بالضيق مع القرارات الحكومية اليومية، التي تهدف إلى سحب الأموال من جيوبهم، وتضييق سبل الحياة.

ويزداد الازدراء لدى البيئات الموالية للنظام، والتي قدمت تضحيات في سبيل بقاء الأسد في الحكم، خاصة مع ازدياد ثراء تجار الحرب، الأثرياء الجدد، ومع ظهور الصراعات العائلية للطبقة الحاكمة إلى العلن.

هذا يعني أن الوضع الداخلي مهدد بالانفجار، والمشهد يتكرر في السويداء في كل مناسبة، وقد ينتقل إلى مناطق أخرى. لا يمكن التكهن بما سيحدث؛ فرغم أن أسباب الاحتجاجات اليوم أقوى مما كانت عليه في 2011، لكن الظرف مختلف، حيث الاحتلالات أولاً، وخروج القرار من يد السوريين موالاة ومعارضة ثانياً، وفشل القوى الوطنية في تقديم بدائل معقولة، وفشل الثورة في 2011 في تحقيق أي مطلب سياسي، ووجود ذاكرة قريبة من جرائم النظام وانتقاماته من المناطق التي عارضته.

كل ذلك يمنع عودة الاحتجاجات بالشكل الذي كانت عليه في 2011، ويؤخر أي تحرك شعبي ممكن؛ لكن هناك لحظة يتساوى فيها الموت والحياة لدى الشعب، ولا يمكن التكهن بما سيحدث إذا ما انفجر الشعب مجدداً، وهو ما يعتقد النظام أنه قادر على ضبطه بأسلوبه الأمني المعهود، وما تحسب روسيا حسابه، والتي ربطت ضمان مصالحها باستمرار النظام، وتخشى انفلات الوضع من يدها وضياع مكاسبها؛ لذلك تسابق الزمن للتوصل إلى حل يحفظ مصالحها عبر البدء بإعادة الإعمار وتدفق الأموال إلى سوريا.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.