نفت الخارجية السعودية، التقارير الإعلامية التي تحدّثت عن زيارةٍ لبعض مسؤوليها إلى سوريا، رغم ذلك، فإن هناك إمكانيةٌ مؤجّلة للتقارب بين دمشق والرياض، وله مقدمات تتمثّل بإعادة الإمارات والبحرين فتح سفارتيهما في دمشق، والتي بكل حال، تتحرك بتنسيقٍ مع الاستراتيجية السعودية للمنطقة.

التنسيق بين دول الخليج، باستثناء قطر وعُمان، لا يقتصر على سوريا فحسب؛ بل يشمل كل السياسات في المنطقة، والتي قويت وتعززت بعد الثورات العربية 2011.

الخوف من تسييسٍ إسلاميٍّ يهزّ المرجعية الدينية التي ترتكز إليها الدول المشار إليها، وبرأس القائمة السعودية؛ دفعت بها بدعم الثورات المضادة، وخربت الدواخل العربية، وهذا يأتي تكملة للدور الإيراني والإسرائيلي والتركي.

الاستراتيجية السعودية لا تعاكس الاستراتيجية الأميركية والروسية في المنطقة العربية عموماً وسوريا خصوصاً، بل هي تدرس خطواتها جيداً، وكيفية الحركة في ظل الاستراتيجيات الكبرى للعالم في المنطقة.

باعتبار السعودية غير وزانة إقليمياً، فإن سياساتها تتحرك بضوءٍ أميركي، والأخير، يترك للدول الإقليمية مساحاتٍ للحركة. وبالتالي فأن السعودية وتدخلاتها في سوريا منذ الأشهر الأخيرة من 2011، وحتى علاقاتها مع الاتحاد الديموقراطي وقسد في شمالي سوريا، لا تخرج عن المسموح به أميركياً.

هذه الرؤية تقول إنه لا إمكانية للسعودية أن تستقلّ عن السياسات الأميركية، ولكن من غير المسموح إعادة تطبيع العلاقات بشكلٍ كامل، أو إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية وسواها.

صحيحٌ أن روسيا لا تتوقف عن تدوير الزوايا، والزيارات للخليج، ومحاولة تعويم النظام السوري عربياً، ولكن ذلك غير مرحب به أميركياً.

بكل الأحوال، لم تغير واشنطن سياساتها بما يخص سوريا في زمن بايدن بعد، سيما أنها تنسحب من أفغانستان، وتدير حوارات حساسة مع إيران بما يخص الاتفاق النووي، أو ربما أيضاً مسألة الصواريخ الباليستية والوجود الإقليمي لإيران.

وهذا يقتضي التشدد إزاء روسيا وتجاه أي تغيير كبير في الشرق الأوسط، كتعويم النظام السوري، وترك دول المنطقة لصالح روسيا أو الصين، وبالتأكيد لن تسلمها لإيران كما تطمح الأخيرة.

ضمن كل ذلك، لا يمكن لأميركا أن تسمح بتطبيع العلاقات بين السعودية والنظام السوري، كما أنه ليس من مصلحة الرياض السير بذاك الاتجاه، فهناك تنسيقٌ خليجي إسرائيلي ضد إيران، ولن تتورّط بعلاقةٍ جديدة مع النظام السوري، وتكون بالنهاية لصالح إيران. الممكن فيما يجري ليس التطبيع؛ بل ربما إعادة التنسيق الأمني، وحتى الأخير تمّ نفيه.

الأوهام التي يُحلِقُ بها النظام السوري بعيداً، ويبني عليها أفكاراً كثيرة، أوّلها أنّه نجا من أزمته المفتوحة منذ 2011، يُوقفُها قانون قيصر، واستمرار القوات الأميركية في شمال سوريا، كذلك الحضور التركي الوازن في شمال وشرق سوريا، أيضاً ملف السلاح الكيماوي وجرائم الحرب وسواها، يضاف إلى كل ذلك، رفض الاتحاد الأوروبي أيّ تعويمٍ للنظام.

فالأسد مشغولٌ بمسألة إعادة العلاقات الدبلوماسية إقليمياً، واستقطاب الأموال لتجديد الروح في أوصال نظامه، وربما إعادة إعمار بعض المناطق المفيدة له، والتي تتطلب المليارات، ونظام وطني جديد، وهذا غير ممكن التحقق قبل إجراء تغييرٍ كبير في السلطة السوريّة.

لا تختلف طبيعة النظام السعودي عن السوري كثيراً، وكذلك كافة الدول التي انفكت عن النظام السوري منذ 2011 و2012. فقد أغلقت السعودية سفاراتها في سوريا عام 2012، حيث رفض النظام أي إصلاحات طالبت بها تركيا وقطر والسعودية ومختلف دول العالم، واندفاعه للخيار الأمني، أجبر تلك الدول على تغيير سياساتها إزاءه.

الدعم المُقدّم للمعارضة منذ حينه، كان بهدف تخريب الثورة السوريّة، وقضايا التمويل والعسكرة وتفتيت الفصائل والمعارضة وأسلمتها، قضايا باتت معروفة جيداً، والخليج قاد هذه العملية كتكملة لدور النظام وإيران.

إذاً هناك أسباب كثيرة، لعدم التقارب بين السعودية والنظام السوري في هذه الآونة، وأيضاً عكس ذلك، علينا الانتباه إلى أن السعودية دفعت نحو شطب المجلس الوطني السوري، وتشكيل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في سوريا، والذي كان عباءة كبيرة تجمع كل ما هبّ ودبّ في المعارضات السوريّة، من أجل القبول بمفاوضات مع النظام السوري.

الفكرة الأخيرة ظهرت مع الاجتماع الثاني لهيئة التفاوض، والتي أَدخلت فيها السعودية منصتي موسكو والقاهرة، المحسوبتين على خط التفاوض مع النظام، وليس تغييره والالتزام بجنيف 1 وبقية القرارات الدولية، كما ابتعدت الرياض عن التنسيق مع تركيا منذ أن شعرت بإمكانية إسقاط النظام في 2015.

إعادة التقارب بين الدولتين، إن حصل، سيكون ضمن استراتيجية أميركا إزاء النظام السوري، أي استراتيجية “الخطوة الخطوة”. فالنظام السوري لن يحلم بعلاقات إيجابية مع دول المنطقة قبل أن يتحرك نحو علاقات متوازنة مع إيران، وأن تعيد الأخيرة النظر بعلاقتها مع دول المنطقة.

إذاً، ليس هناك من علاقة جديدة بين السعودية والنظام السوري تسمح بإعادة تعويم النظام، وإعادته إلى دوره الإقليمي تفرض بالضرورة تغييراً كبيراً فيه، وهذا ما يرفضه النظام، وبالتالي تظل قضية تغييره ضمن أيّة تسوية مستقبلية خاصة بين روسيا وأميركا.

وعليه، فإن العلاقة بين السعودية والنظام السوري لن تعود إلى ما قبل 2011، ولا بينه وبين دولٍ كثيرة، في ظل فشل وعدم تطوّر العلاقات التي أقامها مع مصر والإمارات والبحرين وحتى العراق، وكذلك ليس بمقدور إيران وروسيا حمله على أكتافهما إلى ما لا نهاية.

في كل ذلك، يبدو أن وجود تسوية تهدف لتغيير النظام السوري، سيكون أكثر نجاعة لإيجاد حلولٍ تكون بمثابة مفتاحٍ لكل أقفال المنطقة المغلقة منذ أكثر من عقد.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.