بسبب ما شهدته الأيام الأخيرة من أعمال عنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فقدت “ميرا كريم” رغبتها بالنوم. فقد كانت هذه اللاجئة الشابة تجوب شوارع بيروت، وتوصل صوت شعبها على شبكات التواصل الاجتماعي، مثل العديد من الفلسطينيين في جميع أنحاء العالم. 

«أشعر أن هذه هي المرة الأولى التي تناقش فيها القضية الفلسطينية على نطاق واسع وبهذا الكم من الطاقة والحماس في جميع أنحاء العالم»، تقول هذه الطالبة البالغة من العمر 24 عاماً. وتتابع وهي تجلس على شرفة تطل على مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في بيروت، حيث نشأت: «نشعر اليوم بأن لدينا صوت يُسمع». 

فمنذ نفيهم وتشردهم مع قيام دولة إسرائيل في عام 1948، شهد اللاجئون الفلسطينيون وأحفادهم على قضيتهم وهي تختفي على مدى عقود من الزمن. لكن انفجاراً غير متوقع أعاد الحياة لهذه القضية في أوائل شهر أيار /مايو الجاري. فمظاهرات التضامن مع السكان الفلسطينيين في حي الشيخ جراح في القدس والمهددين بالطرد لصالح المستوطنين اليهود، أعادت الحياة للقضية الفلسطينية. 

وتزايدت حركة التضامن مع الفلسطينيين حول العالم تدريجياً، مع انتشار العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين في المسجد الأقصى ثم إلى الأراضي الإسرائيلية، قبل اندلاع حرب قاتلة أخرى استمرت 11 يوماً بين حماس الحاكمة في قطاع غزة وإسرائيل. 

وبينما أيدت دول، مثل الولايات المتحدة، حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، فإن الخسائر البشرية والمادية للحرب في الجيب الفلسطيني تسببت بغضب عالمي. كما أن مظاهرات التضامن تجري في العديد من العواصم الغربية وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، حيث يتخذ عشرات الآلاف من مستخدمي الإنترنت موقفاً ضد إسرائيل. ومن بينهم مشاهير مثل العارضتين بيلا وجيجي حديد، أو شخصيات المعسكر التقدمي الأمريكي، مثل النائبة في الكونغرس الأمريكي “الكساندرا أوكاسيو كورتيز”. 

غداً عندما نعود

في الخارج، في الأمم المتحدة وبين منظمات حقوق الإنسان غير الحكومية، تزداد اللهجة حدةً تجاه إسرائيل. فنجد منظمة «هيومن رايتس ووتش» ووزير الخارجية الفرنسي “جان إيف لودريان” يستخدمان كلمة “فصل عنصري” عند الإشارة إلى الدولة العبرية. 

وفي مخيم شاتيلا، تنتشر الحماسة الثورية لتصل إلى آلاف اللاجئين الفلسطينيين، متجاوزةً لفترة وجيزة ثقل الأزمة الاقتصادية العميقة التي تضرب لبنان. 

وفي متاهة الشوارع الضيقة تحت الأسلاك الكهربائية المتشابكة، يلوّح الأطفال بالأعلام الفلسطينية وهم في طريقهم إلى المدرسة. وفي المنازل، تجد العائلات متسمّرة أمام أجهزة التلفزيون لمتابعة الأخبار. 

 

واليوم، يعيش اللاجئون الفلسطينيون في لبنان في فقر مدقع في مخيمات ذات بنية تحتية مهترئة. كما أن هناك ما يقارب من 20 مهنة – محام وطبيب ومهندس – ممنوعة عليهم. ويعتمدون في حياتهم اليومية، من أجل التعليم والصحة، على الأمم المتحدة ووكالاتها. 

وإذا ما استمر ملايين اللاجئون الفلسطينيون في المطالبة بحق العودة إلى أرض أجدادهم، خاصة أولئك الموجودين في الأردن أو لبنان أو سوريا، فإن إسرائيل ستكون لهم بالمرصاد. 

وخلال أعمال العنف الأخيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، اضطرت ميرا إلى التوفيق بين الاحتجاجات وتعليمها الجامعي ودروس التطوع في ثلاثة مخيمات للاجئين الفلسطينيين لتعليم الأطفال التاريخ والفولكلور. 

إن طاقة هذه الشابة هي رمز لجيل يحفظ الذاكرة حتى لو أتت ولادته بعد فترة طويلة من «النكبة»، التي تمثلت بالنسبة للفلسطينيين بإقامة الدولة العبرية عام 1948 ونزوح أكثر من 700 ألف فلسطيني، وفقًا للأمم المتحدة. 

“معزولون” 

هذه الذكرى يحتفظ بها كبار السن، مثل “رحمة عبد القادر”، وهي اليوم لاجئة فلسطينية تعيش في دمشق. ولدت رحمة في فلسطين تحت الانتداب البريطاني، وكانت في التاسعة من عمرها عام 1948، عندما اضطرت لمغادرة مدينتها يافا. 

وتقول رحمة، في حديث لوكالة فرانس برس وهي محاطة بأبنائها وأحفادها: «حتى بعد كل هذه السنوات، ما زالت صورة ذلك المكان حية في ذاكرتي. وأتحدث عنه طوال الوقت مع أحفادي». 

كذلك تحتفظ رحمة بعناية بجواز سفرها الفلسطيني القديم الصادر في 19 أيار 1952 في غزة، تدرك هذه اللاجئة الثمانينية أنها لن تر أرضها مرة أخرى. لكنها تقول: «ربما سيعود أحفادي يوماً ما إلى هناك، لأن العدالة تنتصر دائماً في النهاية، حتى لو استغرق الأمر وقتاً». 

من جانبها، تقول إيمان، ابنة رحمة، والبالغة من العمر 55 عاماً، إنها تأثرت كثيراً برسائل الدعم لقضية الشعب الفلسطيني. وتعترف قائلةً: «في السنوات الأخيرة، شعر الفلسطينيون بالعزلة. ولكن بعد كل ما حدث مؤخراً، بتنا نشعر بأن هناك أناساً آخرين معنا». 

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.