إن الدمار والتخريب الذي سبّبه تنظيم “داعش” بحق الآثار أثناء غزوه سوريا والعراق منذ 2014، لا يقارن ببعض المشاريع العملاقة التي نفّذتها  وتنفّذها العديد من الحكومات الشرق أوسطية، تحت مسمى التحديث.

ومع رغبة البعض بإضفاء هوية جديدة على الأرض القديمة، تظهر مآسي بشرية، فإعادة رسم وتصميم المخططات تؤدي إلى تشريد الناس ومحو تراثهم، بحسب تقريرٍ لموقع (The Economist).

تدمير التاريخ

فالحكومة العراقية مثلاً، والتي بدأت قبل بضعة أشهر ببناء (سد مخول) القريب من آشور (العاصمة الدينية للإمبراطورية الآشورية)، بمجرد اكتمال بنائه، من المحتمل أن يغمر آشور و200 موقع تاريخي آخر.

وهو  ذات السد الذي حذّرت منظمة اليونسكو في عام 2002،  من أن بناءه «سيمحو عنصراً أساسياً من الحضارة الإنسانية إلى الأبد».

كذلك أمر الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” بإزالة أجزاء من القاهرة، العاصمة القديمة، لإنشاء الطرق السريعة والجسور وناطحات السحاب التي تصطف على الطريق المؤدية إلى العاصمة الإدارية الجديدة التي يقوم ببنائها.

ولتخفيف الازدحام، فتح طريقاً يسمى (الجنة) عبر مقبرةٍ عمرها ألف عام وهي موقع تراث عالمي غير محدد، حيث دُمِّرت مئات القبور وطُرِد عشرات الآلاف من السكان من منازلهم في (بولاق) على طول نهر النيل، بعملية أشبه بتطهير الأحياء الفقيرة.

كان هذا هو المكان الذي ازدهر فيه ميناء القاهرة القديم في العصر العثماني، وبدلاً من إعادة ترميمه، سمح “السيسي” لأصحاب العقارات بإعمار المنطقة بالمباني السكنية الشاهقة.

مشاريع ضخمة على حساب التراث

سمح الرئيس المصري أيضاً، لمستثمرين من الإمارات المتحدة ببناء مدينة دبي مصغّرة في أكبر مساحة خضراء في القاهرة، وهي محمية طبيعية في جزيرة الورّاق. غالباً ما سيُحوّل سكانها إلى العقارات الواقعة على أطراف المدينة.

لم يكن “السيسي” أول حكّام مصر الحديثين الذي يتمتع بطموحات فرعونية، فقد شيّد “جمال عبد الناصر” السد العالي في “أسوان” في ستينيات القرن الماضي لتنظيم الفيضانات الموسمية وتوفير الكهرباء.

لكن هذا السد، غمر مهد الحضارة النوبية القديمة، وسارع علماء الآثار الغربيين إلى إنقاذ أكبر عدد ممكن من المعابد والمقابر والمدن الواقعة على امتداد 550 كيلومتراً من نهر النيل، ولا تزال بعض الآثار التي أُنقِذت تزيّن المتاحف الغربية.

أما “عمر البشير” الذي أُطيح مؤخراً في السودان، نشر الدمار جنوباً حتى نهر النيل عام 2009 من خلال استكمال سد مروي وإغراق 170 كيلومتراً إضافياً من ماضي النوبية.

وخلال الحرب الأهلية السورية، دمّر “بشار الأسد” ورعاته من الروس أجزاءً من المدن القديمة في حمص وحلب، وهي كنز من العصور القديمة والتي كانت أيضاً معاقل للمعارضة، من خلال قصفها بالبراميل المتفجرة.

حتى في ليبيا، طمس “معمر القذافي” الكثير من الماضي اليهودي لبلاده من خلال بناء أفخم فندق، كورنثيا، في الحي اليهودي في العاصمة طرابلس.

إعادة جزء من الكنوز المفقودة

أعادت الولايات المتحدة الأميركية ما يزيد عن 17 ألف قطعة أثرية قديمة كانت قد هُرّبت من العراق منذ 2003.

كما تساعد الأمم المتحدة في إعادة بناء مساجد وكنائس وأسواق تعود للعصور الوسطى في مدينة الموصل العراقية إبّان محاربة تنظيم داعش عام 2017.

كذلك يعيد “باسل الحريري” السوري المنفي في لندن، بناء حلب كمدينة افتراضية، ويشاركه متابعوه البالغ عددهم 150 ألفاً شهاداتهم عن المدينة التي فقدوها عبر الفيسبوك.

لدى الحكومات في بعض الأحيان أفكار وخطط ثانية، فبعد فترة طويلة من شجب المقابر الصخرية النبطية القديمة باعتبارها عبادة وثنية، يروّج حكام المملكة العربية السعودية الآن لها كمناطق جذب سياحية.

كما أن المسؤولين السعوديين يتحدثون عن إعادة فتح الكنائس القديمة، والتي اعتادوا إنكار وجودها، ليس فقط أمام السياح، وإنما أيضاً أمام المصلين.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.