مكاتب الصرافة في سوريا: ما بدائل المواطنين بعد التضييق الأمني على الحوالات الخارجية؟

مكاتب الصرافة في سوريا: ما بدائل المواطنين بعد التضييق الأمني على الحوالات الخارجية؟

تلعب مكاتب الصرافة في سوريا دوراً كبيراً في إعانة كثير من المواطنين على مواصلة حياتهم. إذ يلجأ السوريون إلى استلام حوالات مالية، مرسلة من أبنائهم وأقربائهم المقيمين خارج البلاد. في ظل انحدار الأحوال المعيشية عموماً. وعدم قدرتهم على تأمين الضروريات الأساسية. إلا أن الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة السورية فرضت مؤخراً قيوداً صارمة على أصحاب تلك المكاتب. بحجة مراقبة عمليات التحويل الخارجية.

مصادر محلية من مدينة دير الزور، الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية والميلشيات الموالية لإيران، أكدت لـ«الحل نت» أن «فرع أمن الدولة استدعى في شهر تشرين الأول/أكتوبر الفائت أصحاب محال صرافة من حيي “الجورة” و”القصور”. ووجه لهم تعليمات، مرفقة بتحذير شديد اللهجة، لكل من يخالفها. بهدف ضبط التحويلات القادمة من خارج البلاد ومناطق سيطرة المعارضة».

وأوضحت المصادر أنّ «التعليمات تضمّنت أخذ صورة لهوية مستلم الحوالات، أو لجواز سفره. ولا يتم قَبُول أي وثيقة أخرى. كما تؤخذ صورة شخصية للمستفيد من الحَوالة. ذكراً كان أم أنثى. إلى جانب التركيز على الحوالات التي تصل بشكل دوري ومتكرر». ما يشير إلى تضييق ممنهج على مكاتب الصرافة في سوريا. 

فروع أمنية أم مكاتب صرافة؟

“نور الهدى العلو”، من سكان حي “القصور” في دير الزور،  تقول لـ«الحل نت» إنها «اضطرت لإلغاء حوالة مالية.  كانت قد وصلتها من زوجها المقيم في السعودية، إلى مكتب حوالات في الحي الذي تسكنه. بعد طلب صاحب المكتب أخذ صورة شخصية لها. وهو الأمر الذي رفضته. رغم أن صاحب المكتب أخبرها بأنه ملزم بهذا بأمر من الجهات الأمنية».

وأضافت “العلو” أنها «تواصلت مع زوجها لإيجاد طريقة أخرى. بدلاً من التحويل عن طريق مكاتب الصرافة. لأن الدخول إليها بات بمثابة زيارة فرع أمني». حسب تعبيرها.

“الحاج تيسير”، من سكان الحي ذاته، يقول للموقع: «في كل آخر شهر أقبض حوالة مالية من ابني المقيم في ألمانيا. عن طريق مكاتب الصرافة. إلا أن التشديد الاخير من قبل أصحابها أجبر عدداً كبير من سكان المنطقة على تحاشي الدخول إليها. إذ يتم أخذ صورة شخصية لوجهك وصورة عن هويتك أو جواز سفرك. واسم ومعلومات المرسل ورقم هاتفه. ولا يتم تسليم الحوالة بدونها».

من جهته يقول “عمر العكل”، صاحب محل صرافة في المدينة إنّ «هذا التضييق يخلق بيئة غير ملائمة لعمل مكاتب الصرافة في سوريا. سواء بالنسية لنا نحن الصرافون. أو للمستفيدين من الحوالات».

مضيفاً أنّ «أغلبية الناس لا يقبلون أن تؤخذ لهم صورة. ولاسيما النساء، حتى لو اضطروا إلى عدم استلام الحَوالة».

وأشار “العكل” إلى أنّ «نسبة كبيرة من الأهالي باتوا يخشون الدخول إلى مَحَالّ الصرافة في دير الزور. ويلجؤون إلى استلام حوالتهم باليد من أشخاص يعملون بالخفاء. الأمر الذي تسبب بجمود الحوالات المالية. وفقدان مكاتب الصرافة في سوريا ثقة الناس بها. بوصفها مؤسسات مالية».

للقراءة أو الاستماع: شركات صرافة في سوريا تعلن استقبال الحوالات بسعر صرف 2825 ليرة.

خطر الاستلام باليد بدلاً من مكاتب الصرافة

بدأ الأهالي يتجهون إلى استلام حوالتهم المالية  باليد عن طريق أشخاص يعملون بالسر. بعيداً عن مكاتب الصرافة في سوريا. المراقبة من أجهزة الأمن. إلا أن الأمر لا يخلو من المجازفة أيضاً.

(س.ص)، الذي فضّل عدم ذكر اسمه لسلامته الشخصية، يعمل بإيصال الحوالات لأصحابها باليد. ويقول لـ«الحل نت» إن «هذه الطريقة ليست بالجديدة. لكن الإقبال عليها لم يكن كبيراً مقارنة بالوضع الراهن. على الرغم من الخطورة الكبيرة المرافقة لها. إذ بات معظم الأهالي في مناطق سيطرة حكومة دمشق يتجنّبون مكاتب الصرافة في سوريا. ويفضّلون التعامل معنا لاستلام الحوالات المالية. بعد التشديد الأمني على مكاتب الحوالات».

وأضاف أن «طريقة تسليم الحوالة باليد يوفر تعباً ومشقة كبيرة على المستفيدين منها. في ظل عدم توفر المواصلات معظم الأحيان. وارتفاع أجورها. خاصة أهالي الريف. لأن مكاتب الصرافة في سوريا غالباً ما تكون في مراكز المدن».

موضحاً أنه «يقوم يومياً بتوزيع أكثر من عشر حوالات مالية. تتراوح قيمتها بين أربعة إلى خمسة آلاف دولار. ويتقاضى عمولة عليها. يتفق عليها مع مرسل الحوالة من الخارج. لكن إذا كشف أمره من قبل الأجهزة الأمنية فسيتم اعتقاله وسجنه على الفور».

عقوبات صارمة لمتلقي الحوالات في سوريا

وتفرض الحكومة السورية عقوبات صارمة على من يتعامل بغير الليرة السورية .أو يستلم حوالته بعملة غيرها. وتصل العقوبة، وفق المرسومين رقم 3 ورقم 4، اللذين أصدرهما  الرئيس السوري بشار الأسد سنة 2020، إلى السجن مع الأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن سبع سنوات. وغرامة مالية بما يعادل مثلي قيمة المدفوعات. أو المبلغ المتعامل به أو المسدد. أو الخدمات أو السلع المعروضة.

هذا الواقع أدى لنشوء مكاتب غير رسمية لتحويل الأموال. إلى جانب مكاتب الصرافة في سوريا الحائزة على تراخيص. وتقوم تلك المكاتب بتداول الأموال دون غطاء قانوني. ودون حماية لدافع الحوالة أو مستلمها. ولكنها الناس باتوا يلجأون إليها بعد التشديد الأخير على الحوالات المالية.

“مالك”، اسم مستعار  لصاحب مكتب حوالات  في ولاية أورفا التركية، يشرح لـ«الحل نت» آلية عمل المكاتب غير الرسمية بالقول: «.يتم إيصال الأموال عن طريق مندوبين في أغلب المحافظات السورية. سواء الواقعة تحت سيطرة الحكومة أو المعارضة. ونملك داخل  تركيا مندوبين في كل الولايات أيضاً».

وأضاف: «يقوم مندوبونا في مناطق سيطرة المعارضة  بتسليم المبلغ لأصحابه باليد. أو عبر مكاتب تابعة لنا. أما في مناطق سيطرة الحكومة فيتم تسليم الحوالة عن طريق المندوبين والمكاتب وفق آلية عمل معينة. فيتم تسليمها للمستفيد على أنها قادمة من داخل سوريا وليس من الخارج».

وعن الصعوبات التي تواجه عمل مكاتب الصرافة في سوريا، التي تعمل دون ترخيص، يقول “مالك” إن «أكبر الصعوبات تحصيل رأس المال المتداول بين مناطق سيطرة الحكومة ومناطق المعارضة».

مقالات قد تهمك: خبير اقتصادي: نحو ٧٠٪ من السوريين يعتاشون من الحوالات

وحاول «الحل نت» الحصول على أرقام تقريبية لحجم الأموال المتداولة عن طريق مكاتب الصرافة في سوريا، التي لا تملك ترخيصاً رسميا في مناطق سيطرة المعارضة. إلا أنه لا توجد أي دراسة أو مصادر تظهر أرقاماً تقديرية للمبالغ المالية المتداولة. لكن الاعتماد الكثيف في هذه المناطق  على الحوالات القادمة من الخارج. سواء من الأفراد أو المؤسسات، يشير إلى حجم الحركة المالية الكبيرة في المنطقة.

إلى أي مدى يعتمد الناس على مكاتب الصرافة في سوريا؟

وأكدت مصادر محلية، من عدة مناطق سورية خاضعة لسيطرة الحكومة السورية، أن «نسبة قليلة جداً من السوريين مازالت تعتمد على شركات عالمية مثل  “ويسترن يونيون” في استلام الحوالات الخارجية ضمن سوريا».

وقال مصدر من داخل العاصمة دمشق، فضّل عدم الإفصاح عن اسمه، لموقع «الحل نت» إن «النسبة الأكبر من الأهالي لم يعودوا يتقاضون حوالاتهم عبر مكاتب الصرافة في سوريا، وإنما عن طريق وسطاء أفراد. ما أدى إلى حدوث عدة حالات سرقة وابتزاز من قبل بعض أولئك الوسطاء. مستغلين عدم وجود غطاء قانوني لعمليات التحويل».

وأظهرت دراسة لـ”مركز البحوث والسياسات” (opc) أن «ٔأكثر من ربع سكان العاصمة السورية دمشق يعتمدون على الحوالات المالية من الخارج في تغطية تكلفة معيشتهم. ونحو 50% منهم يعيشون تحت خط الفقر الدولي».

وتفرض السلطات السورية رسماً مالياً على كل التحويلات القادمة من الخارج. تحت مسمى “إعادة الإعمار”.

وأكد سوريون، تواصل معهم موقع «الحل نت» مؤخراً أن «مكاتب الصرافة في سوريا بدأت تقتطع من كل حوالة قادمة من الخارج مبلغاً يتجاوز ألفين وخمسمئة ليرة سورية. رسماً لـ“إعادة إعمار”، يعود إلى الحكومة السورية».

وأعلنت شركات صرافة، في مناطق سيطرة السلطات السورية، في نيسان/إبريل الماضي. أنه «سمح لها بتسليم الحوالات الخارجية من الأفراد السوريين، بسعر 2850 ليرة للدولار».

ويقترب سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية من سعر الصرف المتداول (نحو 3300 ليرة للدولار).

وأكد “علي كنعان”، رئيس قسم المصارف في كلية الاقتصاد بدمشق، في تصريحات صحفية، أن «حوالات السوريين من الخارج بالقطع الأجنبي تتراوح بين ثلاثة وأربعة ملايين دولار يومياً. وفي شهر رمضان تتجاوز العشر ملايين دولار يومياً».

وأوضح استطلاع للرأي، نُشر مطلع العام الجاري، واستهدف خمسمئة عائلة في دمشق وحلب واللاذقية وحمص، أنّ 67.6% من الأسر المستطلعة، تعتمد على الحوالات الخارجية لتأمين متطلبات المعيشة. وكل هذه الأرقام تؤكد حيوية دور مكاتب الصرافة في سوريا.

وتصدّرت أوروبا القائمة بالنسبة لمصدر الحوالات بنسبة 45%. تلتها الدول العربية بنسبة 43%. وفي المرتبة الثالثة أميركا بنسبة 8.6%.

للقراءة أو الاستماع: 20 مليار ليرة الحد الأدنى لفتح شركة صرافة في سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.