استراتيجية إيران في التغلغل داخل المجتمع السوري.. حي دمر الدمشقي نموذجا

استراتيجية إيران في التغلغل داخل المجتمع السوري.. حي دمر الدمشقي نموذجا

تتحضر الحكومة السورية لتصفية ملف حي دمر الدمشقي، بعدما عمدت الحكومات المتعاقبة في فترة الرئيس السابق حافظ الأسد منذ عام 1976 وحتى وقت قريب مؤخراً إلى استملاك أجزاء واسعة من دمر الغربية وقدسيا ومعضمية الشام، وذلك في ظل مخطط جديد يحسم الملف لصالح إيران التي تمضي في مسعى استحواذها على مناطق مختلفة من سوريا ضمن مسارين: التغيير الديمغرافي والتغلغل الاقتصادي.

يعد حي دمر الشرقية، القسم الأخير الذي لا يزال بحوزة سكانه الأصليين، فيما تمت عمليات الاستملاك أو الاستحواذ بالقوة على أحياء دمر البلد وحارة الرناكسة ووداي السيل وجبال دمر خلال العقود الماضية.

ترى مصادر خاصة في محافظة دمشق بأن هناك أياد إيرانية ساهمت في ضياع حي دمر أو ما يعرف بالشام الجديدة من أيدي أصحابه الأصليين، بحسب ما أفادت به لـ”الحل نت”. في حين أتى المخطط الأخير بالتوازي مع ما تم تسريبه من معلومات تتعلق بمنح إيران مجموعة كبيرة من الشركات السورية المملوكة للدولة، ومن ضمنها معمل الإسمنت الواقع على طريق بيروت في منطقة دمر الشرقية، ويعد أكبر معامل الإسمنت السورية وأقدمها.

يشير الباحث الاقتصادي سمير طويل لـ “الحل نت” إلى أن هدف إيران من أي تغلغل داخل المنطقة هو تطبيق مشروع الهلال الشيعي الممتد من طهران إلى بغداد ثم دمشق فلبنان. ويضيف بأن حكومة دمشق منذ العام 2015 بدأت بمنح استثمارات سيادية وأراض ومشروعات لإيران إرضاء لها، ولدفع فاتورة تدخلها في سورية ووقوفها إلى جانب الجيش السوري ضد المعارضة.

الورقة الأخيرة

بدءا من عمليات الاستملاك لصالح المؤسسة العامة للإسكان التي قادت للاستحواذ على قرابة 40 بالمئة من حي دمر تطبيقا للمرسوم التشريعي رقم 188 للعام 1976، والذي أدى لنشوء مشروع دمر، وانتهاء بعمليات نهب الممتلكات والاستيلاء عليها، والتهديد بالاعتقال، وعمليات تزوير الملكية، منذ اندلاع الاحتجاجات السورية مطلع العام 2011، تمكنت الحكومة السورية من أن تستحوذ على القسم الأكبر من حي دمر وتمنحه لسكان سوريين إضافة لآخرين قادمين من العراق موالين لإيران بحسب ما تؤكده مصادر “الحل نت”.

وتوضح المعلومات التي تمكن “الحل نت” من تجميعها، بأن الحكومة قررت الاستفادة من الواقع غير القانوني لحي دمر الشرقية المشيد أساسا على مناطق زراعية غير منظمة، لإحداث منطقة تنظيمية يرجح أن القسم الأكبر من السكان الحاليين لن يتمكنوا من الاستفادة منها لاعتبارات مادية بحتة.

يقع الحي الذي يعد شريطا زراعيا ضمن المناطق الزراعية المروية من نهري يزيد والمزاوي، و قد اضطرت عمليات الاستملاك والاستيلاء السابقة سكان دمر الأصليين للتمدد نحو هذه الأراضي كبديل عن الأحياء الأخرى، وتشييد المنازل و الأبنية الطابقية فيها، بشكل غير قانوني كون المنطقة غير منظمة.

ومؤخرا، طالبت لجان تابعة للطابو والمالية أهالي دمر الشرقية بإبراز أوراق الملكية الخاصة بالحي، محاولة حصر الحصص السهمية والتثبت من أوراق الملكية. ويخشى السكان في حال تم تنفيذ المنطقة التنظيمية في الحي من نفس مصير سكان منطقة بساتين الرازي بعد إحداث منطقة تنظيمية فيها، إذ يقول السكان إنهم سيجبرون على بيع منازلهم كما جرى مع سكان بساتين الرازي لصالح آخرين موالين لإيران، كما أن إحداث المنطقة سيجعلها لقمة سائغة لكبار المضاربين، وهو سيناريو مشاهد حاليا في المنطقتين التنظيميتين “ماروتا سيتي” و”باسيليا سيتي”.

فيما تقوم اللجان التابعة للحكومة السورية بأولى ترتيبات تنظيم دمر الشرقية تؤكد المعلومات ما تم تسريبه مؤخرا حول منح معمل الإسمنت الواقع في نفس المنطقة لإيران.

وإذ تنفي مصادر “الحل نت” وجود أي نشاط حالي لإيران داخل المعمل، إلا أنها تشير إلى أن ما تم منحه هو أرض المعمل، لكن هذه المعلومات بحاجة لتوثيق.

تأسست شركة إسمنت دمر عام 1931، وجرى تأميمها بعد وصول حزب البعث إلى السلطة، في العام 1965، وكانت تضم قرابة ألف عامل، وتعد أولى شركات إنتاج الإسمنت في سوريا.

مرحلة جديدة

ما يجري في حي دمر يعد نموذجا لتمدد إيران في سوريا والذي دخل مرحلة جديدة منذ تدخلها إلى جانب حكومة دمشق، تتجلى أبرز معالمها في سياسة الاستيلاء والاستحواذ، وتطال هذه السياسة العقارات والشركات والمصانع، يساندها في عمليات التغلغل، قرارات الحكومة السورية المتتالية.

يرى الباحث يونس الكريم، أن هدف إيران من تمددها في سوريا “اقتصادي في المقام الأول لكنه يواجه رفضا دوليا في وصول إيران إلى البحر المتوسط، وهو ما سيجعل منها قوة إقليمية حقيقية تستطيع تحريك قضايا دولية عديدة”.

ويضيف لـ”الحل نت” بأن المجتمع الدولي غير راغب بمساعدة إيران، وفتح المجال أمامها للحصول على تمدد حقيقي في سوريا، لاسيما في الساحل السوري، وهذا يفسر كيف أن روسيا منذ تدخلها العسكري في سوريا قد حصلت على مكاسب كبيرة جدا خاصة في الساحل.

مع أن إيران عززت وجودها بكثافة في المؤسسات الدينية في سوريا، إلا أن الجانب الاقتصادي يتغلب على الطابع الديني لهذه المؤسسات نظرا لأن أساس التدخل هو مساعدات مالية تطال الحوزات العلمية ورجال الدين والحسينيات والجامعات.

تتجه إيران -وفقا للكريم- إلى المشاريع الاقتصادية السوري ذات الكثافة العمالية لأنها تفضل استقطاب الطبقات الفقيرة دون النظر بجدية إلى الأرباح لأن الهدف الرئيسي في النهاية هو الحصول على مشاريع سيادية، ما يجعلها تصلح لاعبا أساسيا في مستقبل الإقليم. وهذا ما يحدث أيضا في اليمن، العراق، ولبنان.

رغم أن كل من موسكو وطهران تتبعان سياسة الاستحواذ على المجال العام في الدولة السورية، إلا أن هناك فارقا كبيرا بين ما يحصل عليه كل طرف. يلاحظ الكريم أن روسيا تمسك المشاريع الاستثمارية السيادية وهو هدف إيراني طويل المدى، لكنه بعيد المنال. فيما تستثمر إيران بـ “اقتصاد الفتات”.

تسعى روسيا للحصول على استثمار محطات الكهرباء، في حين يهدف الإيرانيون للاستثمار في توصيل الكهرباء إلى المنازل والقيام بأعباء الجباية. فيما تسيطر روسيا مثلا على معمل الفوسفات، تعمل إيران على إحداث مناطق تنظيم عقاري تشكل هدفا طويلة المدى يرتبط بالتغيير الديمغرافي.

ما غايات إيران من عمليات الاستيلاء؟

إذا كانت إيران تحاول تعزيز نفوذها بالحصول على مكاسب اقتصادية كبيرة تتضمن الإمساك بملفات استثمارية حتى وإن لم تكن سيادية، إضافة لتملك مؤسسات تابعة للدولة ودخول السوق العقارية من أوسع أبوابها، فلم لم نشهد حتى الآن استثمارات إيرانية جادة في سورية على الرغم من مضي عقد كامل على تدخل طهران إلى جانب دمشق؟

يطرح الخبير الاقتصادي سمير طويل، فرضية يمكنها إيجاد إجابة مبدئية عن هذا السؤال الملح، وتتلخص في أن سياسة إيران الاقتصادية في سوريا لا تهدف إلى الاستثمار المربح بل إلى مجرد الاستيلاء والاستحواذ لتسديد فاتورة تدخلها في المنطقة.

يضيف طويل لـ “الحل نت” أن حكومة دمشق أدركت الهدف الإيراني هذا، فمنحتها حقوقا في استثمارات حصرية في مجال العقارات، وقدمت لها كافة التسهيلات في هذا القطاع لتحقيق طموحاتها في التغلغل داخل المجتمع السوري، وإحداث نوع من التغيير الديمغرافي من خلال توطين فئة معينة من الأجانب الموالين لطهران عسكريا وعقائديا.

يوضح طويل أن المشاريع والأراضي والمناطق التنظيمية ومناطق التطوير العقاري الممنوحة لإيران لا تهدف، في المجمل، لتحقيق استثمارات تدر أرباحا كبيرة بخلاف الاستثمارات الروسية التي تهدف لتحقيق مكاسب مادية ضخمة.

ويتابع بأن “الاستثمارات الايرانية حقيقة غير واضحة. قبل الثورة كان في سورية شركتان إيرانيتان لتجميع السيارات، ومحطات إيرانية لتوليد الكهرباء، بينما لا نلحظ أي وجود لهذه الشركات اليوم”. الغاية إذن، وفقا لطويل، هي التملك والاستحواذ ووضع اليد على مدن وقرى، كما جرى في حي دمر، وكما يرجح أن يتم في مناطق أخرى مثل داريا، الزبداني، جنوب العاصمة، وهو ما يمكن أن يطلق عليه حزام دمشق الشيعي، بهدف التغيير الديمغرافي ونهب الخيرات فقط.

بدورها، ساعدت السلطات في دمشق إيران على تنفيذ مشاريعها في مجال العقارات من خلال إصدار سلسلة من القوانين أبرزها القانون رقم 10 عام 2018، الذي يمنح لجنة حكومية سلطة تقييم وتحديد المباني التي ستخضع لإزالة الأنقاض والهدم، والمرسوم 63 من قانون مكافحة الإرهاب لعام 2012، الذي سمح للحكومة بتجميد الأصول والممتلكات العائدة إلى من يُنظر إليهم على أنهم معارضون، بالإضافة إلى المرسوم 66، المتعلق بتنظيم الأحياء العشوائية في مدينة دمشق، والقانون رقم 11 الخاص بتملك غير السوريين للعقارات في سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.