معتقلو داعش في سوريا.. ما مصداقية تحقيق صحيفة بريطانية حول هروبهم؟

معتقلو داعش في سوريا.. ما مصداقية تحقيق صحيفة بريطانية حول هروبهم؟

بعث التحقيق الاستقصائي الذي نشرته صحيفة “الغارديان” البريطانية، مؤخراً، بردود فعل متفاوتة، على خلفية المعلومات الواردة بخصوص إطلاق قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، سراح عناصر من تنظيم “داعش” مقابل مبالغ مالية، الأمر الذي تسبب بنقاش حاد ومحتدم داخل المجتمع السوري، بشكل عام.

أجرت الصحيفة البريطانية مقابلات مع رجلين زعما أنهما من عناصر “داعش”، وتم الإفراج عنهما مقابل مبالغ مادية، وانفردت بوثيقة يُزعم أن مصدرها أحد عناصر “قسد”، بينما تجاهلت بقية المصادر من الجهة الأخيرة، والمسؤولين عن مخيم الهول وسجن الحسكة المركزي الذي يضم نحو عشرة آلاف عنصر من “داعش”، كما يُحتجز حوالي 8000 رجل سوري وعراقي من المنتمين للتنظيم الإرهابي، وقرابة 2000 أجنبي آخر لم يتم إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية، محتجزون في ثلاثة سجون مكتظة تديرها “قسد” في شمال شرقي سوريا.

وفي ظل حالة الاستقطاب القصوى، محلياً وإقليمياً، بدا طبيعياً أن يفاقم التحقيق من تداعيات ذلك الأمر، فحظيت المادة المنشورة بالصحيفة البريطانية بالترجمة والتناول على نطاق واسع بين أوساط سورية معارضة مناوئة لـ “قسد”، بينما شهدت منصات التواصل الاجتماعي ملاسنات عديدة بين طرفي الأزمة.

وبحسب مصدر خاص لدى “قسد”، تحدث لـ”الحل نت”، فإن ثمة مساومات متفاوتة تجري من قبل بعض الدول الغربية مع قوات سوريا الديمقراطية. بعض هذه الدول الغربية تريد إخراج رعاياها في “سرية تامة ومقابل مبالغ مالية”، وذلك حتى لا تثير حالة من الغضب الشعبي، داخل الأوساط السياسية والمجتمعية التي تنبذ عودتهم لبلادهم، من جهة، فضلاً عن عدم الصدام مع قوى إقليمية ترتبط هذه الدول بمصالح معها، من جهة أخرى، من بينها تركيا، ويتابع المصدر (فضل عدم ذكر اسمه): “غير أن قوات سوريا الديمقراطية تصر أن يكون التسليم، بوثائق رسمية، لعدم اتهامهم بقتلهم أو إخفائهم أو أي شيء آخر”.

“قسد”، قد سبق ودعت مراراً وتكراراً شركائها الغربيين إلى إنشاء نظام محاكم معترف به دولياً لتخفيف الضغط على سجونها، لكن مطالبهم لم تتم تلبيتها. ثم قامت وكجزء من الحل، بتشكيل «مصالحة قبلية» وهي الإفراج عن بعض عناصر “داعش” بضمانات عشائرية بعد استكمال التحقيقات وثبت عدم تلطخ أيديهم بالدماء أو الأعمال الإرهابية إنما هم من الموظفين المدنيين واضطروا للعمل في مؤسسات “داعش” المدنية، حيث عادة ما يتم الإفراج عنهم بشكل علناً وأمام وسائل الإعلام، ويمكن التأكد من ذلك عبر الانترنت.

شكوك حول المصداقية

بدوره، رأى الصحفي المصري المختص بالشأن السوري كريم شفيق، أن التحقيق البريطاني “من خلال الاعتماد على شهادة حالتين فقط دون تقصي كاف واختبار أقوالهما، من خلال البحث الميداني، أو التحقق بواسطة مصادر أخرى، رسمية أو حقوقية، وتحديداً بين المنظمات المدنية الموجودة بالمنطقة، المحلية والأجنبية، يضع شكوك جمة حول مصداقية المعلومات”.

وتابع “لا يمكن التعاطي مع معلومات بهذه الدقة والحساسية على أنها حقائق، من خلال أصوات مباشرة لا تتخللها أصوات أخرى، بهدف دعم وتوثيق ما جاء على لسانهما لإكمال الصورة، أو توضيح ملابساتها أو نفيها، وبالتالي، غاب عن التحقيق وجود ثمة مصادر أخرى”، لافتا بأن التحقيق “تورط، سواء بقصد أو دون قصد، في فخ التصنيف السياسي”.

وأردف “ربما، لا يمكن الإدعاء أن الصحيفة منحازة عن عمد لجهة أو طرف لحساب آخر، لكن، في الواقع، أن ثمة قواعد مهنية تم التهاون في تحقيقها، والنتيجة كانت استجابة الصحيفة البريطانية لإغراء المعلومات الدعائية من قبل المصدرين، وقد تحولت المنصة في ظل عدم التحقق والاختبار والبحث عن مصادر أخرى، إلى أداة دعاية سهلة، فضلاً عن نقل المعلومات وكأنها بمثابة حقائق”.

يتفق والرأي ذاته، الحقوقي السوري مدير منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بسام الأحمد، والذي يشير إلى أن التحقيق عمد إلى الاستعانة بشهادة مصدرين فقط، مما وضع التحقيق والمعلومات الواردة في متنه في صورة ضعيفة وباهتة، لا يمكن الاعتماد على كونها حقائق مثبتة ومهنية.

وأضاف لـ”الحل نت: “عادة المواضيع الحساسة تكون مستندة إلى عدد أكبر من ذلك فيما يخص الشهادات والمصادر، مثلاً هنالك بعض التقارير الموثقة والمطولة تستند إلى ما لا يقل 40 شهادة حتى نقول عنها تقرير منهجي وموثوق”.
ويلمح الحقوقي السوري إلى أنه حتى مع افتراض وجود حالات إطلاق سراح فردية تتم، كما ورد في التحقيق، لكن لا يمكن اعتبار ذلك بمثابة ممارسة رسمية أو سياسية تتبعها “قسد”، إذ إن الأمر يتطلب، كما أسلفنا الذكر، وجود شهادات موثقة لا تنحصر في شهادتين أو مصدرين.

اللافت أن القضية تمس نقطة مثيرة، حيث تتصل بمستقبل أعضاء التنظيم المصنف على قوائم الإرهاب، وهو ما يشكل عبئاً هائلاً وهاجساً مريراً حول إمكانية وآليات وفرص عودتهم لدولهم، والإطار القانوني والإجرائي لذلك، والأمر ذاته ينطبق على وجودهم بالمنطقة، وذلك من الناحية الأمنية والسياسية، فضلاً عن محاكمتهم وإعادة تأهيهلم، وتحديداً الأطفال.

في سياق التحقيق، ورد أن الرجلين التقيا بزوجتيهما وأطفالهما، الذين أفرج عنهم من مخيم “الهول” شمال شرقي سوريا، بواسطة صفقة، لكن دون ذكر تفاصيل هذه الصفقة المزعومة أيضاً.

تناقضات

ويضاف لذلك ثمة تناقضات أخرى؛ فقد أشير إلى أن ما لا يقل عن 10 أشخاص معروفين للشاهدين منذ تواجدهم في سجن الحسكة قد غادروا بنفس الطريقة منذ تنفيذ مخطط المصالحة عام 2019. الغريب هنا، كيف عرف الشاهدان أن هذا العدد من عناصر “داعش” قد غادروا بنفس الطريقة، مع العلم أنهما ذكرا في سياق أقوالهما، أن عملية الإفراج لم تكن سهلة، حيث بعد التواصل مع عدد من قادة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” تمكنت أسرهم من إخراجهم من السجن وبعد دفع “الرشاوى” وبهذه الطريقة السرية للغاية التي لم تعلنها “قسد” للعلن.

نفى البيان الصادر عن “قسد” المعلومات والتواريخ الواردة في الوثيقة المنشورة بالتحقيق، وقال: “المادة 13 من المرسوم رقم 20 لعام 2019، تبين أن المرسوم المذكور في الوثيقة هو مرسوم عفو صادر عن النظام السوري عام 2019، وغير مطبق إطلاقاً في مناطق شمال وشرق سوريا. وبات واضحاً للرأي العام أن مناطق شمال وشرق سوريا لا تتعامل إطلاقاً مع مراسيم النظام السوري، لا سيما في قضايا محاكمة داعش، إضافة إلى عدم وجود مرسوم مماثل في قوانين الإدارة الذاتية”.

كذلك، تشير “قسد” إلى أن تحقيق “الغارديان” وقع ضحية لأشخاص لا يميزون بين شعار القيادة العامة لوحدات حماية الشعب (YPG) وشعار “الإدارة الذاتية” ، وكذلك مصطلح “مقاطعة الجزيرة” التي استبدلت منذ عام 2017 بمصطلح” إقليم الجزيرة”. والوثيقة المرفقة في “الغارديان” مؤرخة بعام 2020. وأن جميع مؤسسات “الإدارة الذاتية” و”قسد” بخاصة الحساسة على مستوى “المالية العامة”، لديها أختام، ولا تستخدم التواقيع بشكل فردي بدون أختام، التي من السهل التلاعب بها.

وبالعودة إلى الحقوقي بسام الأحمد، فإن من الأمور التي تشكك في مصداقيتها في تحقيق الصحيفة البريطانية “الوثيقة المرفقة بالتحقيق، والتي تثير شكوكاً جمّة من ناحية نوعية الخط المستخدم والمصطلحات، حيث من خلال تجربتي في العمل الحقوقي، استطيع التمييز بين عدة تفاصيل مهنية تخص مثل هذه المواد، وقد كان واضحاً من خلال الخطوط والمصطلحات وطريقة الكلام والأسلوب، وجود تفاوت شديد عن الصيغة المستخدمة لدى الإدارة الذاتية، الأمر الذي يمكن مراجعته بسهولة من خلال أرشيف البيانات والأوراق والوثائق المتباينة، المعروفة والمتداولة، خلال عشرية الحرب في سوريا”.

ويختتم الأحمد: “لا أستطيع القول إنه لا توجد حالات، فردية، ربما، يتم إطلاق سراحها، لكن الغارديان أعطت انطباعاً سياسياً ممنهجاً بأن ذلك الأمر يكاد يكون سلوكاً أو بالأحرى ممارسة سياسية تقوم بها الإدارة الذاتية وهذا غير صحيح بينما أخفق التحقيق في إثباته”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.