أعلنت أستراليا في الأيام الأخيرة حزب الله، بكافة أوجهه منظمة إرهابية. قبلها صنفته ضمن قوائم الإرهاب كلا من أمريكا وإسرائيل وألمانيا ومجلس التعاون الخليجي، وحتى الجامعة العربية في 2016، وكذلك اليابان وكندا والأرجنتين والتشيك، ودول كثيرة.

 لا يزال الاتحاد الأوربي، باستثناء بعض الدول فيه يمايز بين جناحه العسكري، ويحظره، وجناحه السياسي، ويسمح له بالحركة. من الواضح أن فرض الحظر الكلي، تَكرّس في السنوات الأخيرة.

 قبل ذلك، تم تحذير حزب الله لتغيير سياساته، داخلياً، عبر التخلي عن سلاحه للجيش اللبناني، وخارجياً عبر الكفِّ عن التدخل في سورية والعراق واليمن والتبعية لإيران، وكذلك إيقاف تصدير المخدرات.

 ونتيجة ذلك فُرضت عقوبات كثيرة على قياداته، وشملت حسن نصر الله نفسه؛ وأخطر اتهام له، مسؤولية عن مقتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري 2005.

في الأزمة اللبنانية الأخيرة، ومنذ الثورة 2019، ووقوف حزب الله ضد المتظاهرين المتأثرين بها، والقيام بممارسات عنيفة ضدهم ولا سيما منهم الشيعة.

تلا ذلك، تفجير مرفأ بيروت، وتوافر تقارير صحفية كثيرة تؤكد مسؤوليته عن تخزين نترات الأمونيوم، وتمريرها للنظام السوري، وأن ذلك التخزين السيء، أدّى إلى التفجير، وهو ما دمّر نصف مدينة بيروت، وزاد في الطين بلّة، رفضه الحاسم للتحقيق القضائي في التفجير.

الأحداث الأخيرة، ووجود جاليات لبنانية كبيرة في استراليا وفي العالم، ربما ساهم في تصنيفه حزباً إرهاّبياً بقضه وقضيضه.

 لم يكتفِ حزب الله بالمواجهة الميدانية وتهديده القضاة “بالقبع”، بل وقام بتعطيل العمل بمؤسسات الدولة كافة، ومنها تأجيل انعقاد الحكومة، والذي استمر لأشهرٍ طويلة.

 تعيين الأخيرة منذ بعض الوقت لم يكن “فال خيرٍ”، حيث شَكلت تصريحات وزير الإعلام المؤيدة للحوثيين سبباً جديداً، لمقاطعٍة كاملة للبنان من قبل مجلس التعاون الخليجي، وليُفرض حظراً كاملاً، ليس عل حزب الله فقط، بل وعلى لبنان بأكمله.

يضع حزب الله لبنان بأكمله في جيب الدبلوماسيين المكلفين بالتفاوض على الموضوع النووي في فيينا، والذي بُدء به في 19-11-2021؛ قبل ذلك، وبزمن طويلٍ أعلنت قيادة حزب الله تبعيتها الكاملة لإيران، والأخيرة استخدمته في تفتيت الدواخل العربية، ولا سيما في سورية ولبنان.

 هذا الحزب لا يعنيه لبنان بحق، وحديثه عن الانتصارات “الوطنية” من قَبل كان لصالح المشروع الإيراني في المنطقة، وضد المشروع العربي وشعوب المنطقة بأكملها؛ ولهذا وقف ضد الثورات العربية.

التضييق العالمي والعربي على هذا الحزب، يجعل إعادة تفكيكه وتعويمه من جديد أمرا مستحيلا. إن حجم المشاركة بخلخلة الدواخل العربية، وتهشيم الدولة المحليّة “لبنان، والعراق وسورية واليمن”.

 ومحاولته الدخول إلى بنية مجتمعات الخليج العربية يقول بضرورة تفكيك هذا الحزب في لبنان أولاً، وهذه مسألة معقدة، وطويلة الأمد، ولكن الحالة البائسة للبنان، والوضع العربي، وارتفاع حدّة التوترات بين إيران والمحيط العربي، رغم الكلام عن تقارب سعودي إيراني، يمنع ذلك التعويم، بل وربما يقوم على جثته كذلك.

 أي أن إقامة علاقات طبيعية مع إيران تستدعي “قصقصة” تدخلاتها الإقليمية، و تفكيك ميليشياتها الموزعة على شكل دول داخل الدول؛ الحشد الشعبي وميليشياتٍ طائفية تعد أكثر ولاءً لإيران في العراق، وهكذا الحوثية في اليمن، وحزب الله في لبنان.

 إضافة لكل ما سبق، هناك حديث عن ميليشيات تمَّ تأسيسها في سورية، ولم تتوضح قوتها الفعلية، رغم الحديث الكثيف أن إيران تكاد “تبتلع” سورية، وأسست فيها لوجودٍ استراتيجي و ديموغرافي طويل الأمد.

 الفكرة السابقة، ومع تشكل حلف خليجي إسرائيلي، وتضرّر عربي واسع من الوجود الإقليمي لإيران، ورغبة دولية في تحجيم إيران، ستضطر الأخيرة إلى وزن حساباتها جيداً، فإمّا تحجيم دورها الإقليمي أو انتقال المعركة إلى الداخل، وهو ما تهدّد به إسرائيل خاصة، وتلمح به أمريكا في حال إخفاق الاتفاق النووي، وفي حال التوصل إليه سيشمل صواريخها الباليسيتة، ووجودها الإقليمي، وإن بشكل غير معلنٍ.

أتوسع بالفكرة الأخيرة؛ إن حزب الله، كذراعٍ عسكرية إيرانية في لبنان، أصبح مفسداً للحياة السياسية في هذا البلد، وكذلك أدّى إلى تغيرات ديموغرافية كبيرة، حيث تَركَ السنة والمسيحيين وسواهم”الجمل بما حمل”، وهاجروا إلى أصقاع الدنيا، وهذا أمر مرفوض أوربياًّ وأمريكيًاً وحتى إسرائيليّاً وعربيًاً؛ وحلّ ذلك لا يكون إلى بإعادة حزب الله إلى حزبٍ سياسيٍّ، ووضع سلاحه في خدمة الدولة اللبنانية.

جوهر الحظر الكلي الدولي والإقليمي لحزب لله يكمن في ضرورة ألّا يكون له جناح عسكري، ودون ذلك سيستمر الكثير من التضييق على لبنان وليس على حزب الله فقط، وكذلك سيستمر التضييق على إيران، أمّه وأبيه.

 إن أيّة انفراجة في الوضع اللبناني لا يمكن أن تتأسس، وتتطوّر دون إيقاف أوهام العظمة لدى هذا الحزب، وشرط ذلك يتحدّد بالقرارات الإيرانية بخصوص ما ذكرنا.

 القضية هنا ليس سهلة سيما أن إيران تعتبر نفسها “وريثة” أمريكا في المنطقة، ولنقل أبرز ورثتها، إضافة إلى تركيا وإسرائيل وهناك روسيا، وتحاول الإمارات الدخول إلى ذلك الخط بقوة مؤخراً. هذه القضية ربما تجعل المفاوضات بين إيران وأمريكا معقدة، ولا سيما أن إيران خلقت قوىً إرهابية عديدة لها في منطقتنا، ومنها حزب الله.

لا يمكن للأخير أن يظلُّ واقفاً على قدميه دون الدعم الإيراني، وحتى تجارته للمخدرات أصبحت محاصرة بشكلٍ كبير، وكذلك الدعم المالي، الذي كان يأتيه من العالم أصبح مراقباً بشدّة، وبالتالي “العنتريات” بأنه سينقذ لبنان من أزمته، وسيُورد له غازاً ونفطاًمن إيران سقطت، وقبالة ذلك تتعقد أحوال لبنان أكثر فأكثر، وحتى تحالفه المتين مع تيار الجنرال عون تشوبه الكثير من التعقيدات على وقع رفضه للقضاء في موضوع تفجير المرفأ، وهناك الانتخابات النيابية والرئاسية القادمة.

حزب الله لم يعد إرهابيّاً لوقوفه إلى جانب النظام السوري، ومشاركته في المجازر التي حدثت هناك، بل،وها هو يدمر لبنان بأكمله لما أسلفنا، وكذلك تفعل بقية الميليشيات في العراق واليمن.

إن كافة هذه الميليشيات إرهابية، وممسوكة من إيران، وهو ما تعيه الدول التي فرضت حظراً كليّاًّ عليه، وهو ما لن تتراجع عنه، كما أعتقد، وهذا مشروط بتحوّله إلى حزبٍ سياسي.

 التحوّل نحو السياسة يكتنفه ألف تعقيد وتعقيد، ويبدأ بمصالح إيران الاستراتيجية، ولا ينتهي بالتشكيل الصلب الذي أصبح عليه حزب الله وبقية الميليشيات، والتعقيد الذي سيشوب تفكيكها، وهذا بدوره يتطلب تحالفات إقليمية ودولية، وتغييرٍ كبيرٍ في الدواخل العربية؛ النتيجة، لقد ازداد الحظر على حزب الله وبقية الميليشيات، وأمّا تفكيكها فيحتاج للكثير الكثير من التفاوض بين إيران والعالم والأنظمة العربية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.