تُرحب الدول العربية بعودة بشار الأسد إلى الحاضنة العربية. وتلك أخبار سيئة بالنسبة للملايين من اللاجئين السوريين، وفق تقرير نشره موقع مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية.

يستعرض التقرير الذي ترجمه موقع “الحل نت”، إحدى الحالات التي ستعاني من التطبيع العربي مع دمشق، أكثر مما عانته في بلد مثل لبنان، يوجد في مساحات واسعة منه قوى وتيارات تساند حكومة دمشق.

اعتُقل يوسف، وهو ناشط معارض لحكومة دمشق، للمرة الأولى في لبنان عندما كان قد تم تهريبه للتو إليها عبر الحدود السورية. وكان يوسف قد شارك مطلع عام 2011 بإدارة صفحة معارضة على “فيسبوك”. وعندما أدخله أحد المهرّبين إلى لبنان بعد ثلاثة أعوام، أدرك يوسف أنه قد لا يرى وطنه مرة أخرى. ولكن بينما يرى الآن الدول العربية تتخذ خطوات لتطبيع العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد، فإن يوسف وأقرانه يخشون أن يجبرون على العودة قبل أوانها.

لقد تم توقيف يوسف في بلدة عرسال الحدودية، بعد فترة قصيرة من عبوره إلى لبنان، عند حاجز تفتيش يديره “حزب الله”، المدعوم من إيران والحليف الرئيسي للأسد. ونُقل يوسف بعدها إلى عهدة المخابرات العسكرية اللبنانية، حيث تم احتجازه لمدة 33 يوما تعرض خلالها للضرب والتعذيب. وما يوسف ليس إلا واحدا من مئات السوريين الذين تقول الجماعات الحقوقية السورية أنهم تعرضوا للاعتقال التعسفي والتعذيب من قبل السلطات اللبنانية، وأن البعض منهم تعرض للحرمان من النوم والصعق بالكهرباء. وتم الإفراج عن يوسف بشرط أن يجد في ذلك الأسبوع صاحب عمل يرعى إقامته في لبنان.

يبلغ يوسف اليوم من العمر ثلاثون عاما، وهو يعيش بشكل غير قانوني في لبنان منذ ذلك الحين. ويوسف ليس وحيدا في هذا الوضع، فنسبة السوريين الذين تزيد أعمارهم عن أربعة عشر عاما والحاصلين على الإقامة في لبنان هي فقط 16 بالمئة، بحسب الأمم المتحدة. هذه النسب ليست من قبيل الصدفة، فقد أقرت السلطات اللبنانية منذ العام 2015 سلسلة من القوانين التي تعوق بقاء اللاجئين.

وتعتبر تلك القوانين وشروطها الصارمة بعيدة المنال بالنسبة لمعظم السوريين الذين لا يمكنهم تحمل الرسوم السنوية لتجديد الإقامة والبالغة 200 دولار. “يتعلق الأمر بمجمله بالمال”، يقول يوسف الذي يتوجب عليه اليوم دفع 1600 دولار غرامة.

إن عدم حصول يوسف على الإقامة أدى إلى اعتقاله للمرة الثانية. وفي بيروت وبدون كفيل، لجأ يوسف إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أملا في التأهل للحصول على المساعدة على الأقل، حيث يقول أنه كرجل أعزب لم يحصل على أي شيء وأن معظم المساعدات تذهب لصالح العائلات. وقد قيّدت المفوضية طلبه من أجل المساعدة، منذ أن أوقف لبنان السماح للوكالة بتسجيل اللاجئين في العام 2015، في محاولة أخرى لتقييد طلبات الإقامة.

وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، قامت عشرات البلديات بإجلاء سوريين وفرض حظر تجوال في أماكن تواجدهم ووضع حد أقصى للأجور. كما هدمت السلطات الخيام في مخيمات اللاجئين وأغلقت محلات العمل غير المرخصة. “لم يسبق أن شهدنا حقا مثل هذا التمييز الصارخ من قبل السلطات ضد اللاجئين السوريين في الخطاب والممارسات بالشكل الذي رأيناه في لبنان”، تؤكد سارا كيالي، وهي باحثة في “هيومن رايتس ووتش” ضمن القسم المختص بسوريا.

ومع سيطرة الأسد اليوم على أكثر من 70 بالمئة من الأراضي وانخفاض معدل القتال، بدأت بعض الدول الأوربية بالسير ببطء على خطى قواعد اللعبة في لبنان. “يريدون طي الصفحة والتظاهر بأن ما حدث في العقد الماضي لم يكن”، تقول كيالي.

فرغم توثيق العشرات من حالات انتهاك حقوق الإنسان التي وقعت بالقرب من العاصمة دمشق، جردت الدنمارك اللاجئين السوريين القادمين من دمشق أو ريفها (موطن يوسف) من الإقامة المؤقتة التي منحتهم إياها. ولم تتبع أي دولة غربية أخرى بعد خطى الدنمارك، إلا أن الدول الأخرى تبحث في نموذج الدنمارك وتتساءل عما إذا كان بإمكانها القيام بالشيء ذاته، بحسب كيالي.

تغيرت الديناميكية الإقليمية في الشرق الأوسط في غضون ذلك. ففي شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، زار وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان الأسد في دمشق، وهو أكبر مسؤول إماراتي يزور دمشق منذ عام 2011. وجاءت زيارته تلك بعد شهر واحد من مكالمة هاتفيه بين العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني والرئيس السوري بشار الأسد والتي كانت الأولى أيضا منذ عقد من الزمن. كذلك عينت البحرين حديثا أول سفير لها في سوريا منذ عام 2011.

وشجبت الولايات المتحدة علانية مبادرات حلفائها تجاه الأسد، محتفظة بعقوباتها الخاصة على سوريا. “ما لم نفعله وما لا ننوي فعله هو التعبير عن أي دعم لجهود تطبيع العلاقات أو إعادة تأهيل الأسد أو رفع عقوبة واحدة عن سوريا أو تغيير موقفنا لمعارضة إعادة إعمار سوريا حتى يكون هناك عملية انتقال سياسية حقيقية”، قال وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكين في تشرين الأول/أكتوبر من العام 2021.

قد يبقى الأسد في السلطة، لكنه يحكم بلدا في حالة فوضى. وقد شهد الاقتصاد السوري، الذي دُمر بسبب الفساد وسنوات الحرب، مزيدا من التدهور منذ العام 2020، بسبب جائحة “كورونا” والعقوبات الجديدة والأزمة الموازية في الجارة لبنان. والليرة السورية في حالة تدهور، بينما يواجه الآن ما يزيد عن 12 مليون سوري، من بين 18 مليون ممن بقوا في البلاد، الجوع. فقد ارتفعت أسعار المواد الأساسية بنسبة 236 في المائة وأسعار النفط بنسبة 500 في المائة على مدار عام 2020.

لقد انخفض التمويل الدولي السنوي للبلدان المضيفة للاجئين السوريين بمقدار 1.39 مليار دولار بين عامي 2017 و 2021. وبالنسبة للبنان، لا يمكن أن يكون التوقيت أسوأ! فالبلاد تعاني الانهيار الاقتصادي الخاص بها، الأمر الذي جعل ثلاثة أرباع سكان لبنان البالغ عددهم 6.7 مليون نسمة (4.5 مليون منهم فقط مواطنون لبنانيون) تحت خط الفقر.

وفي دراسة استقصائية للسوريين أجرتها “الأمم المتحدة”، أعرب 70 بالمئة عن رغبتهم في العودة إلى ديارهم يوما ما. لكن 9 من كل 10 أشخاص شملهم الاستطلاع قالوا أيضا إنهم لا يخططون للعودة في الأشهر الـ 12 المقبلة، رغم أنهم لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الأساسية في البلدان المضيفة لهم. وبغض النظر عن مدى صعوبة وضعهم، قال معظم اللاجئين إن الظروف في الوطن ستحدد قرارهم في العودة.

وفي بيان صدر في تموز/يوليو 2021، قالت “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” بأنها ترحب بكل الجهود المبذولة لبناء بيئة تمكّن اللاجئين والنازحين داخليا من ممارسة حقهم في العودة، وأنه “يجب على جميع أصحاب المصلحة العمل بشكل جماعي، على معالجة العوائق التي تحول دون العودة كما عبّر عنها اللاجئون أنفسهم، إذا أردنا زيادة احتمالية أن يصبح هذا حلا واقعيا وآمنا ومستداما لعدد أكبر من الأشخاص”.

لكن كيالي غير متأكدة من أن تعزيز بيئة آمنة للعودة أمر ممكن مع بقاء الأسد في السلطة، حيث تقول: “بدون إصلاح جدي للحكومة السورية وأجهزتها، أعتقد أنه من غير المرجح أن تكون الظروف مهيأة للاجئين للعودة بأمان وطوعية”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.