تزوير الأوراق الثبوتية في أوروبا: “حل” لمعاناة المهاجرين يهدد بعواقب وخيمة

تزوير الأوراق الثبوتية في أوروبا: “حل” لمعاناة المهاجرين يهدد بعواقب وخيمة

تزوير الأوراق الثبوتية، السورية وغيرها، في أوروبا ليس ظاهرة جديدة. ولكنه أصبح أكثر علنية وانتشاراً في الآونة الأخيرة. فقد ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديداً “فيس بوك”، منشورات مموّلة لصفحات، تعلن قدرتها على استخراج جميع الأوراق الثبوتية. من إقامات وجوزات سفر ورخص قيادة، وغيرها العشرات من الأوراق، للمقيمين في أوروبا بشكل غير شرعي.

ولعل المستهدف الأبرز من هذه الاعلانات الممولة أبناء المغرب العربي، من جزائريين وتونسيين ومغربيين. إضافة للأفغان والسوريين بدرجة أقل.

موقع «الحل نت» تواصل مع عدد من القائمين على تلك الصفحات. ومن خلال المتابعة والبحث، والحديث معهم عبر تطبيق “واتس أب”، تبيّن أن معظم من يعمل في مجال تزوير الأوراق الثبوتية من الجنسية السورية والعراقية، ويقيمون في تركيا.

وطلب معدّ التحقيق من عدد من أصحاب الصفحات عدداً من الوثائق المزوّرة، فأكدوا، من خلال تسجيلات صوتية، يحتفظ بها «الحل نت»، أنهم قادرون على تزوير أية وثيقة مهما كان نوعها. وأن أسعار تزوير الأوراق الثبوتية تختلف بين الإقامات ورخص القيادة وجوازات السفر.


ضحايا شبكات التزوير في سوريا


لم يكن “سعيد هرموش”، البالغ من العمر خمسة وثلاثين عاماً، يعلم أن سيكون ضحية تزوير الأوراق الثبوتية السورية. وأن شهادة القيادة، التي أتته بدل مفقود من سوريا، نهاية عام 2018، مزوّرة، إلا عندما قدّمها إلى السلطات الألمانية، لاستخراج رخصةٍ ألمانية. فبعد تقديم الرخصة السورية تلقى رسالةً من الشرطة الألمانية، تخبره بضرورة مراجعة السلطات، لأن أوراقه مزوّرة.
“هرموش” يقول لموقع «الحل نت»: «صدمت عندما رأيت بلاغ الشرطة. وتساءلت عن الأوراق المزوّرة التي يتحدث عنها. فكل أوراقي قانونية. ثم تذكّرت أني كنت في وقت سابق قد راسلت أهلي ليقوموا باستخراج رخصة قيادة جديدة لي. بسبب تلف رخصتي القديمة أثناء رحلة هروبي من سوريا. وقد وكّل أخي معقب معاملات لاستخراج الرخصة، مقابل مبلغٍ مالي. ولم يكن يخطر في بال أحدنا أننا وقعنا ضحية مزوّر».
قصة سعيد واحدة من بين عشرات القصص عن تزوير الأوراق الثبوتية، التي تواجهها السلطات الاوربية  مؤخراً. والتي أوقعت كثيراً من السوريين، المغتربين واللاجئين، في مشاكل قانونية. ولكن ما الذي يدفع السوريين وغيرهم إلى شراء وثائق مزوّرة؟

الطريقة الأخيرة للحصول على الإقامة

“محمد”، اسم مستعار لشاب سوري يبلغ الثلاثين من العمر، يروي لـ«الحل نت» قصته، والأسباب التي دفعته للجوء إلى من يعملون في مجال تزوير الأوراق الثبوتية: «أثناء رحلة هجرتي إلى أوروبا. ألقى الدرك البلغاري القبض علي، وقام بإجباري على إعطاء بصمتي. فبقيت في بلغاريا قرابة العام. إلا أن هذا البلد يعيش أحوالاً سيئة، لا تختلف من الناحية الاقتصادية كثيراً عن الشرق الأوسط. ولأن لدي أقارب في فرنسا سعيت لإكمال طريقي إلى هناك، حيث تقدمت بطلب لجوء. لكنه قوبل بالرفض. بسبب وجود بصمة لي في بلغاريا. ورغم كل الطعون التي قدمتها جاء قرار ترحيلي إلى بلغاريا، بلد البصمة الأول. فقمت بالتواري عن الانظار لفترة».

متابعاً: «بالصدفة شاهدت إعلانات عبر صفحات موقع “فيس بوك”. يقول القائمون عليها إنهم قادرون على استخراج جميع أنواع الوثائق الثبوتية. في البداية تخوّفت من أن يكون الأمر عملية نصب واحتيال، إلا أن الحاجة دفعتني للمغامرة. وبالفعل غامرت وقمت بطلب وثيقة فرنسية باسمي، تسمى “كرت سيجور”. وتعطى عادة لمن يتمتع بحق الإقامة في فرنسا. وقمت بطلب شهادة قيادة إيطالية. كونه يصعب كشف تزويرها في فرنسا، من خلال التحديق العادي فيها من قبل الشرطة».

ويشرح “محمد” وضعه الحالي، بعد لجوئه إلى المزورين: «بناء على “كرت سيجور” المزوّر الذي حصلت عليه وجدت عملاً في أحد المطاعم التركية في فرنسا. وأسكن الآن في شقة، مع مجموعة من الشباب من جنسيات مختلفة، وأقوم بتجديد الأوراق،  كلما تطلّب الأمر، بالاستعانة بالمزورين. لكنني أتحاشى الدخول الى الدوائر الحكومية. لأنه يسهل هناك كشف تزوير الأوراق الثبوتية التي أحملها».

مختتماً حديثه بالقول: «أعيش أيامي على أمل أن أجد حلاً لمشكلتي هذه. نصحني بعض الأصدقاء بالزواج من فتاة فرنسية. وبالتالي أحصل على الإقامة الدائمة. ولاحقاً الجنسية».  

«إيجاد عمل يصبح أكثر سهولة بدون أوراق»


“عبدالله”، شاب جزائري قدم إلى فرنسا مروراً بإسبانيا، عبر ما تسمى “قوارب الموت”. وهو أحد من لجأوا إلى المختصين بمجال تزوير الوثائق الثبوتية.

يسرد “عبد الله” لـ«الحل نت» قصته بالقول: «عند وصولي إلى فرنسا تقدّمت للمحكمة الوطنية للهجرة واللجوء، المسماة “اوفبرا”، بطلب لجوء. وبعد انتظار دام لأكثر من عام، جاءني موعد لإجراء مقابلة اللجوء. ووصلني قرار الرفض بعد المقابلة بسبعة أشهر. لأن البلد الذي أتيت منه يعتبر آمناً. ولا يوجد فيه خطر على حياتي. نصحني بعض الاصدقاء الجزائريين والمغاربة هنا بتقديم طعن. لكني كنت أعلم النتيجة مسبقاً. فهناك مئات، بل آلاف من أمثالي، لم يحصلوا على حق اللجوء».

ويضيف: «تواصلت مع بعض مزوري الأوراق الثبوتية عبر “فيس بوك”. وقمت بتزوير أوراق اقامة ورخصة قيادة. لكي يسهل عليّ البحث عن عمل. فلا أحد يقبل هنا أن يشغّلك إذا لم تكن تملك أوراقاً رسمية. وبطبيعة الحال فإن صاحب العمل، وخصوصاً أصحاب المطاعم، لن يدقق بمسألة ما إذا كانت الأوراق مزوّرة أم لا. وأنا أقبل العمل بدون عقد عمل مكتوب، لكي لا يتم كشف أوراقي المزوّرة. وهذا الأمر يسهّل على صاحب العمل تشغيلي. فهو لا يجعله مضطراً لتسجيلي في الضرائب والتأمينات. وغيرها من المؤسسات الفرنسية. أعيش حياتي الآن على أمل أن أجد حلاً لمسألة إقامتي هنا».

الكشف عن عصابات تزوير الوثائق الثبوتية


وكانت السلطات الإيطالية قد أعلنت مؤخّراً عن تفكيك عصابة إجرامية في مدينة نابولي، تعمل بمجال تزوير الوثائق الثبوتية. لتمكين المهاجرين من الحصول على تصاريح الإقامة، أو تجديد تصاريحهم القديمة. وتضمّ المنظمة مواطنين إيطاليين وأجانب، من بينهم ألباني وتونسي. فضلاً عن موظف رسمي في مؤسسات الدولة الإيطالية.
بدورها أوقفت السلطات اليونانية شخصين أجنبيين، بتهمة الانتماء لعصابة متخصصة بمجال تزوير الوثائق الثبوتية، مثل جوازات السفر. مصادر متابعة للتحقيق قالت لوسائل إعلامية يونانية محلية إن «العصابة زوّدت شبكات تهريب المهاجرين بتلك الوثائق.  كما أن هنالك شكوكاً حول إمكانية ضلوع أعضائها بأنشطة إرهابية».

وعثرت الشرطة أثناء مداهمة مخبأ العصابة على 627 بطاقة هوية، و111 جواز سفر، و77 تأشيرة، و48 شهادة أكاديمية، كان قد تمّ الإبلاغ عن فقدان معظمها في دول مختلفة من الاتحاد الأوروبي.
ومن بين المضبوطات، التي تم العثور عليها في المخبأ، هواتف محمولة وأجهزة لوحية ونظام تحديد مواقع. تم إرسالها جميعها إلى مختبرات جنائية لتحليلها. واسترداد أي معلومات، قد توفّر إجابات حول الجهة التي انتهت إليها الوثائق المزيّفة.

العواقب القانونية لتزوير الوثائق الثبوتية


“باسم سالم”، المحامي والمستشار القانوني بقضايا اللجوء في فرنسا، أكد لموقع «الحل نت» أن «عقوبة تزوير الأوراق الثبوتية في أوروبا تختلف حسب الجهة التي يفترض أنها أصدرت الوثيقة. فاذا كان المستند يحمل شعار هيئة حكومية. أو مستنداً عادياً، مثل شهادة أو تصريح ضريبي أو غيره، فإن العقوبة تصل لسنة ونصف سجن. مع دفع غرامة قيمتها خمسة عشر ألف يورو. أما في حال كان المستند قد يسبب ضرراً لهيئات أو أشخاص آخرين، فيتم زيادة العقوبة لثلاث سنوات سجن، وغرامة قدرها خمسة وأربعين يورو . أما بالنسبة لحيازة الأوراق المزوّرة، مثل شهادات الاقامة ورخص القيادة أو غيرها، دون استخدامها. فيعاقب عليها القانون بالسجن لمدة سنتين، وغرامة تبلغ ثلاثين ألف يورو. وفي حال استخدام الأوراق المزوّرة فتصل العقوبة إلى خمس سنوات سجن. وغرامة تبلغ خمسة وسبعين ألف يورو. ومن ثم الترحيل من البلاد».
ويتابع “سالم”: «العواقب بالنسبة للأشخاص المتقدمين بطلب لجوء، ويمتلكون أوراقاً مزوّرة، هي رفض طلب لجوئهم. أما الأشخاص الذين امتلكوا حق اللجوء بفضل أوراق مزوّرة فيتم سحب اللجوء منهم. وبالتالي ترحيلهم لبلدهم الأم. أو أي بلد آخر تختاره الدولة المضيفة».

مقالات قد تهمك: سياسي تركي: قدمت شكوى رسمية للمحكمة الأوروبية للتحقيق في تزوير شهادة إردوغان الجامعية!

ويختتم حديثه بالقول: «حتى من هم حاصلون الآن على الجنسيات الأوربية، وتورّطوا بامتلاك أوراق مزوّرة أو حيازتها. أو المساعدة في تزوير الوثائق الثبوتية لأشخاص آخرين، سيتعرّضون لسحب الجنسية منهم. وبالتالي ترحيلهم». 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.