تشير تصريحات المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسن، بوجود مباركة دولية لمبادرته التي يسميها “خطوة مقابل خطوة” لحل الأزمة السورية، بما في ذلك دعم أميركي روسي للمبادرة، إلا أن المجتمع الدولي قد نفض يده من القضية السورية، وسلمها لأي طرف، لديه أي حل، بغض النظر عما صدر من قرارات أو مواقف دولية حيال هذه القضية طوال السنوات العشر الماضية.
وهذه الخطة التي يتحدث عنها بيدرسون ويدعي أنها ستؤدي في النهاية إلى تطبيق قرار مجلس الأمن 2254، ستشمل تنازلات متبادلة مع النظام في دمشق إزاء ملفات مثل المعتقلين والمفقودين، المساعدات الإنسانية وعودة اللاجئين، وتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية، وترسيخ الهدوء في عموم سورية، إضافة إلى التعاون في مكافحة الإرهاب.
ويرى المبعوث الدولي أنه في حال التحرك في مثل هذه الأمور، سيمكن ذلك من تحقيق الثقة بين الأطراف المعنية، بما ينعكس إيجابا على على حياة السوريين، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي يدعمون هذه المبادرة.
ليس من الواضح بعد ما الذي يجعل بيدرسون متفائلا بأن خطته هذه سيكتب لها النجاح، وهو الذي لمس لمس اليد مدى تعنت النظام في دمشق ومماطلته ورفضه التقدم خطوة واحدة الى الأمام بعد 6 جولات من اجتماعات اللجنة الدستورية، لم يتحقق خلالها أي تقدم في كتابة دستور جديد لسورية، كان من المأمول أن يكون الخطوة الأولى لإطلاق حل سياسي في البلاد.
يقول بيدرسون أنه ما زال في مرحلة “العصف الفكري” لبلورة مبادرته بشكل نهائي، وسيقوم بجولات إضافية من المشاورات في دمشق ومع هيئة التفاوض المعارضة، برغم إعلان كل من النظام بلسان وزير الخارجية فيصل المقداد، والمعارضة بلسان رئيس هيئة التفاوض أنس العبدة، رفضهما للخطة.
وبطبيعة الحال، ليس على بيدرسون أن يقلق من رفض النظام والمعارضة لخطته، لأنه يعلم، كما نعلم جميعا، أن قرارهما ليس بيدهما، بل بيد أولياء أمورهم في الخارج، وبالتالي فهو يعول على جدية المواقف الدولية، وأنها تتعدى مجرد المباركة الشكلية لجهوده، وصولا إلى ممارسة ضغوط جدية على النظام لإرغامه على اتخاذ خطوات فعلية في هذا المسار، أما المعارضة السياسية، والتي لا وزن فعليا لها، فأمرها مقدور عليه، والحصول على موافقتها مجرد تحصيل حاصل، برغم كل المواقف الرافضة التي قد تصدر عن هذه الجهة أو تلك، وهو ما يشهد عليه عقد من التنازلات التي قدمتها خلال المراحل السابقة. وهذا ينطبق أيضا على الفصائل العسكرية، بما فيها “هيئة تحرير الشام” التي ليس لديها أجندة وطنية شاملة، وأقصى ما سوف تفاوض عليه في لحظة الحقيقة، هو مستقبلها، ومصير قادتها بالدرجة الأولى.
إذن، نحن أمام خطة قيد التبلور لإنضاج حل ينتفي معه مبدأ إسقاط النظام، ويندرج تحت ما تلوكه واشنطن منذ وقت طويل بشأن تعديل سلوك النظام، وهذا أمر نسبي، لن يجد الأميركيون صعوبة في تكييفه وتفسيره وفق ما تقتضي مصالحهم. وحتى الأوروبيين وجدوا ضالتهم في مقولة ربط الانفتاح على النظام والمساهمة في إعادة الاعمار، بتحقيق تقدم في المسار السياسي، أي أنهم سيكونون جاهزين لهذا الانفتاح في اللحظة التي يخبرهم فيها بيدرسون بوصفه المكلف من الأمم المتحدة بإنجاز الحل السوري، بأن هناك تقدم في الحل السياسي، وأن عليهم عدم عرقلته، وسيكون ذلك بالطبع ضمن تنسيق مع الولايات المتحدة.
ومن هنا، فإن بيت القصيد في كل هذا الأمر هو الموقف الروسي. هل موسكو جادة فعلا في الضغط على النظام من أجل تقديم تنازلات ذات معنى تمكن بيدرسون من القول أن هناك تقدم حصل في المسار السياسي، وبالتالي أزفت ساعة الانفتاح على النظام، بغية إنجاح هذا الحل؟
كل المؤشرات السابقة لا تشير إلى جدية روسية في إلزام النظام بالسير في أي مسار سياسي جدي، حيث ما زالت موسكو تدور في المساحة الضيقة التي حددها لها النظام نفسه، والتي لا تعدو أن تكون مجرد ألاعيب ومناورات لكسب الوقت وإعادة تثبيت النظام كخيار وحيد دون أي تبديل في سلوكه أو مواصفاته أو تركيبته الأمنية الطائفية.
وبمعنى آخر، ما زالت روسيا أسيرة أوهام النظام بأنه انتصر في الحرب، وليس عليه تقديم تنازلات، وعلى الآخرين أن يأتوا اليه، لا أن يذهب هو اليهم، بما في ذلك المعارضة والجامعة العربية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بعد أن اختبر النظام مواقفهم طيلة السنوات الماضية وتيقن من عدم جديتهم في زواله، أو عدم رغبة معظمهم في ذلك.
وبطبيعة الحال، فإن دوافع النظام للتجاوب مع هذه الجهود ستكون محض اقتصادية ومالية، وبدرجة أقل استعادة شرعيته السياسية، وهي أمور يراهن على الوقت، وعلى التناقضات الدولية والمصالح الإقليمية لتحقيقها، خاصة مع بدء خطوات للانفتاح عليه دون مقابل من جانب بعض الدول العربية.
ولا يخفى أن مقاومة نظام دمشق لأية خطط جدية خارجية للحل، مصدرها اعتقاده الراسخ أن مجرد الانخراط في مثل هذه الخطط، سيكون بداية النهاية له، لأنها ستنتزع منه تدريجيا مفاصل قوته، وخاصة جهازي الجيش والامن اللذين يرهب بهما الداخل السوري، وهو لا يقبل تاليا أية حلول تقود إلى مشاركة آخرين له في السيطرة على هذه الجهازين، أو تشاركه في الإمساك بمصادر المال أو تفرض قيودا ورقابة على سياسته الداخلية من جانب مؤسسات لا تخضع له بشكل مطلق مثل الحكومة أو البرلمان أو وسائل الاعلام.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.