تنطبق مقولة “التجارة لا دين لها”، أي أنها تتكيف مع حالة الحرب، حيث تجاوزت التجارة مستوى العلاقات السياسية بين دمشق وأنقرة، إذ يتضح من إعادة تنظيم القنوات التجارية على الحدود التركية السورية، أن مسار المؤشرات الاقتصادية بين البلدين لا يزال مرتفعا رغم حالة الصراع المستمر بين أنقرة ودمشق.

ارتفاع الصادرات

في رسم بياني، يوضح قيمة التجارة السورية مع تركيا، قدم موقع “التقرير السوري”، اليوم الثلاثاء، رسما بيانيا عن التجارة الثنائية بين سوريا وتركيا خلال السنوات العشر الماضية، حيث بلغ بين عامي 2014 و 2021، متوسط ​​إجمالي التجارة 2 مليار دولار أميركي، بمتوسط ​​رصيد 1.74 مليار دولار لمصلحة تركيا.

من المعلوم أن الأزمة في سوريا دمرت اقتصادها، بما في ذلك مكانة البلاد في التجارة الدولية، إذ بلغت التجارة السورية ذروتها في عام 2010 بقيمة 31 مليار دولار أمريكي، لكنها انخفضت إلى 9 مليارات دولار فقط في عام 2013، حيث أصبحت المعابر الحدودية غير آمنة وغادر التجار إلى مواقع أكثر استقرارا للقيام بأعمال تجارية.

لكن خلال الحرب استثنيت تركيا نفسها من التأثر بالحرب السورية، إذ تضاعفت قيمة صادرات تركيا إلى سوريا تدريجيا من عام 2012 إلى عام 2013 وتصاعدت حتى عام 2021، وبذلك حلت تركيا محل الصين كأكبر مصدر لسوريا.

ويقول الخبير الاقتصادي التركي، خير أكمان، أن زيادة الصادرات التركية إلى سوريا خلال الحرب، تركز على إحصاءات وتقديرات تركية رسمية متاحة من الاقتصاديين السوريين. على عكس الماضي، حيث تتكون هذه الصادرات من منتجات استهلاكية أساسية موجهة إلى كل سوريا، وليس فقط المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. 

ونتيجة للعقوبات المفروضة على سوريا، يشير أكمان خلال حديثه لـ”الحل نت”، إلى أن الصادرات التركية لعبت دورا في إنشاء شبكة تجارية خاصة باقتصاد الحرب، وظهرت مدن جديدة كمنصات اقتصادية، فضلا عن مدن تجارية “حدودية” بين الحكومة والمعارضة.

فبلغت صادرات تركيا إلى سوريا 1.6 مليار دولار أميركي خلال عام 2020، وفقا لقاعدة للبيانات التابعة للأمم المتحدة بشأن التجارة الدولية. في حين بلغ متوسط ​​الصادرات من سوريا إلى تركيا 117133.06 دولارا أميركي من 2014 حتى 2021، ووصلت إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 311719 دولار أميركي في تموز/يوليو 2014، وأدنى مستوى قياسي بلغ 5340 دولار أمريكي في نيسان/أبريل من عام 2021. 

للقراءة أو الاستماع: أسعار الفحم الحجري يرهق جيوب السوريين بتركيا

الصادرات التركية لسوريا رغم الحرب

في عام 2015، لفت رقم انتباه المراقبين، وخاصة الأتراك. إذ عادت الصادرات التركية إلى سوريا إلى مستوى ما قبل الأزمة. وبحسب مكتب الإحصاء التركي، فقد وصلت هذه الصادرات إلى 1.8 مليار دولار في عام 2014. أو نفس العام 2010، الذي كان عاما استثنائيا لهذه الصادرات.

وأوضح أكمان، لـ”الحل نت” أن هذا المستوى من الصادرات التركية يثير الدهشة بشكل أكبر. حيث شهدوا انخفاضا دراماتيكيا – ومفهوما – في عام 2012، وهو العام الذي تحولت فيه الاحتجاجات الشعبية إلى حرب مفتوحة. في المقابل، اتسم عام 2014 بقتال عنيف بين الحكومة والمعارضة، إلا أن الصادرات زادت.

ويقول أكمان، أن المفاجأة أكبر عندما تفكر في أن هذا المستوى من الصادرات لا يتوافق مع نسبة كبيرة من إجمالي الواردات السورية. والتي انهارت مع العقوبات والفقر العام للسكان، إذ ارتفعت الصادرات التركية من 9 بالمئة من إجمالي الواردات السورية في عام 2010. وإلى 15 بالمئة في عام 2014، ثم إلى 20 بالمئة في عام 2015. ومن ناحية أخرى، ظلت مستويات التجارة – الرسمية  السورية – مع لبنان والأردن متواضعة جدا.

وقلل أكمان من أن تكون هذه الزيادة في الصادرات إلى موجة الاستثمارات السورية في تركيا التي رافقت موجة هجرة الصناعيين من الحرب. ومع ذلك، فإن السجل التجاري الذي نشره اتحاد الغرف وبورصات السلع في تركيا. يوضح أن إنشاء الشركات السورية كان ضئيلا قبل عام 2013. وقد نمت تدريجيا لتصل إلى الحد الأقصى في بداية عام 2016. حيث مثلت شراكات استثمارية سورية أكثر من 40 بالمئة من إنشاء المشاريع الجديدة برأس مال أجنبي في تركيا. وتجاوزت بكثير بأعدادها الشراكات الإيرانية والألمانية التي سبقتها. 

للقراءة أو الاستماع: فرص عمل السوريين بتركيا: كفاحٌ للبقاء وسط منافسة شديدة واستغلال قاسٍ

إلى أين تتجه المنتجات التي تصدرها تركيا؟

وبالتدريج، احتلت غازي عنتاب وهاتاي وأضنة ومرسين المراتب الأولى في عمليات التصدير إلى سوريا. وزادت حصة هذه المناطق الجنوبية من تركيا من 20 بالمئة إلى 60 بالمئة من إجمالي الصادرات إلى سوريا.

وتعكس بيانات “الاتحاد التركي الدولي للنقل” نمو الصادرات التركية في عام 2021 أكثر من 108 ألف شاحنة نقلت المنتجات إلى سوريا. رغم أن إحصاءات البريد الحدودي لا تظهر هذه الأرقام والحركات. وهو أمر مثير للريبة، لأن هذا النقل لا يشمل الصادرات التركية فحسب، بل يشمل أيضا الواردات السورية من البلدان الأخرى. 

ورغم قطع العلاقات بين أنقرة ودمشق، ظلت الصادرات التركية تتزايد باستمرار إلى سوريا. حيث يلاحظ على الدوام وجود البضائع التركية في الأسواق في دمشق وطرطوس واللاذقية، وكذلك بشكل أكبر في إدلب حلب.

للقراءة أو الاستماع: بعد غزوها للأسواق.. طرق ملتوية لإدخال البضائع الإيرانية إلى إدلب

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.