ماذا تبقى من تنظيم “داعش” بعد مقتل “القرشي”؟

ماذا تبقى من تنظيم “داعش” بعد مقتل “القرشي”؟

لعل مقتل عبد الله قرداش، أو ما يعرف أيضا بـ”أبو إبراهيم القرشي” يحمل تأثيرا لا يمكن إغفال وقعه على تنظيم “داعش” ونشاطه، بغض النظر عن عدم اعتماد التنظيم بشكل رئيسي على تماسك القيادة، إلا أن الضربات المتتالية التي وجهت للتنظيم تركت أثرها الذي لن يزول أثره، وسيضاعف من تقهقر لخلاياه، سواء كانوا في سوريا أو العراق.

مثّل مقتل زعيم تنظيم “داعش” أبو إبراهيم القرشي الأسبوع الفائت، ضربة جديدة لـ”داعش” بعد تصفية الزعيم الأول للتنظيم “أبو بكر البغدادي”، نهاية عام 2019، وسبق ذلك كله الانكسار الأكبر لقيادات التنظيم وزعيمهم “البغدادي” إثر تحطم وهم الخلافة في الباغوز بريف دير الزور (آذار/مارس 2019).

تحطم “وهم الخلافة”.. ماذا بعد ذلك؟

وهم “دولة الخلافة” انتهى في أذهان عناصر التنظيم، منذ هزيمة الباغوز، ومع تولي “القرشي” مهام تزعم التنظيم، تعقد مشهد وجود التنظيم وعودة نشاطه في الساحة الجهادية، لا سيما في ظل التململ الداخلي لعناصره، إثر الانتكاسات المتكررة، والصراعات والتناحر بين القوى المتطرفة.

صحيح بأن تأثير ونفوذ “القرشي” داخل التنظيم الإرهابي هو مختلف عن سلفه “البغدادي”، حيث ظهر ذلك من خلال صورة التنظيم الخارجية، أو حتى الأثر داخل الصفوف، إلا أن مقتل “القرشي” لا يعني أنه لم يشكل ضربة قوية تلقاها التنظيم، فوفق أدبيات التنظيم، فإن الحديث هنا لا يكون فقط عن مقتل قائد تنظيم، وإنما عن “خليفة”. وذلك ما يدفع إلى التنبؤ بارتدادات وتصدعات أكبر داخل صفوف التنظيم خلال الفترة المقبلة، وفق ما أفاد به الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، أديب الجلالي، لـ”الحل نت”.

وأضاف “منذ الباغوز تغيرت الاستراتيجية التي عمل بها التنظيم، التوسع والتمدد الذي كان قبل تلك المرحلة لم يعد موجودا ولن يكون، إلا أن الآلية التي انتهجها التنظيم منذ ما قبل مقتل البغدادي هي الاعتماد على الفروع، رغم إثبات فشل اللامركزية الجهادية خلال الفترة الحالية. هناك صعوبات جمة بالنسبة لملف التجنيد بالنسبة للتنظيم، هذه الإشكالية لهم على سبيل المثال لن تكون ممكنة المعالجة في أي مرحلة مقبلة”.

أنشأ “القرشي” قبل مقتله، بمجرد توليه زعامة التنظيم أواخر العام 2019 ، لجنة خاصة إلى جانب مجلس اشورى، بالإضافة إلى جهاز أمني. انقسمت القيادة إلى 4 مجالس: المجلس العسكري، والمجلس الشرعي، والمجلس الأمني، بالإضافة إلى المجلس الإعلامي. ويمتد هذا التقسيم نزولا إلى أسفل الهرم في المفارز أو القواطع، بحيث يوجد مسؤول عسكري وآخر أمني وثالث شرعي ورابع إعلامي. تتولى القواعد، عبر مسؤوليها الأربعة، اتخاذ القرارات والتنفيذ بمعزل عن القيادة، ظنا من “القرشي” أن ذلك سيقوي من نفوذ الأذرع والفروع ويشتت الجهود لمكافحة الإرهاب، ويبعد عنه شبح الملاحقة، إلا أن أي من ذلك لم يحدث.

على مدار 26 شهرا التي قضاها كزعيم لتنظيم “داعش”، ظل أبو إبراهيم القرشي بعيدا عن الأنظار، ولم يُصدر أي تصريحات أو مقاطع الفيديو مثل سلفه أبو بكر البغدادي وقادة الجماعات الإرهابية الأخرى، كما لم يجر أي اتصال عام مما جعل من الصعب تتبعه.

لكن في الأسابيع الأخيرة، كسر القرشي هذا الغطاء عندما أشرف على هجوم شنه داعش على سجن غويران في مدينة الحسكة شمال سوريا، لتحرير عناصر التنظيم، بحسب ما قاله مسؤولون أمنيون غربيون لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية.

ما الذي ينتظر “داعش”؟

من المنتظر بعد مقتل “القرشي”، اختيار قيادات التنظيم وكوادره “خليفة للزعيم” وذلك في مسعى من “داعش” للإيحاء بأن هناك كتلة مستقرة داخل التنظيم، تسير الأمور وما تزال الأوضاع داخل جسم التنظيم تحت السيطرة، رغبة من تلك الكتلة من منع أي خلاف مستقبلي. ورغم أي محاولة للتنظيم، بتجديد دمه والترويج لقوته التي يدعي محافظته عليها، إلا أن الغموض يلف بشدة مصير التنظيم وقيادته.

لقد فتح أمر تصفية “القرشي” المجال للتساؤل بشأن آلية عمل التنظيم الحالية. وكما كانت تصفية البغدادي محطة للانتقال من التركيز إلى التشتت، يمكن أن تؤدي تصفية “القرشي” التنظيم إلى تعزيز اللامركزية، التي تعني مزيدا من الضياع والتشرذم، وفق ما اعتبره الباحث السياسي، سليمان الحياري.

كما يعاني “داعش”، من تحدي السيطرة على أذرعه المنتشرة في المنطقة، والتي بات بعض منها أقوى من مركز التنظيم، لا سيما تلك التي تنشط في ساحات مهيئة للتغلغل الإرهابي والأعمال الجهادية، كـ”ولاية خراسان” في أفغانستان، و”ولاية غرب أفريقيا” في الساحل الأفريقي، بحسب قول الحياري لـ”الحل نت”.

يمكن أن يتجه التنظيم إلى منح أذرعه مساحة أكبر لحرية الحركة واتخاذ القرار، بحيث يصبح قرار هذه الأذرع ليس مرتبطا بتخطيط مركزي أو لمراجعة من القيادة في سوريا والعراق.

وبالنظر إلى احتمالية أن يكون زعيم التنظيم المقبل أحد أفراد الصف الثاني أو الثالث، في الوقت الذي قد تقوى فيه أذرع التنظيم أكثر فأكثر، ما يعيد إلى الأذهان جدل “الشرعية الجهادية”، بمعنى ادعاء بعض الفروع الأكثر قوة في التنظيم الشرعيةَ في القيادة، وأن تستخدم هذه الأذرع قوة حضورها من أجل المطالبة بتركز القيادة لديها، وفي المنطقة التي تنشط فيها.

ضمن هذا السيناريو، يبرز “داعش خراسان” بصورة كبيرة، وخصوصا بسبب ما يوفره الوضع الأمني والسياسي في أفغانستان من إمكان الوصول إليها في إطار تجنيد المقاتلين، وما توفره أيضا في إطار تمويل التنظيم ماليا، وهو ما يعانيه التنظيم في سوريا والعراق.

بينما وفيما يتعلق بفرع التنظيم في الساحل الأفريقي، وبسبب مساحة الحركة الواسعة هناك، وإمكان قيامه بعمليات، بالإضافة إلى تقارير ودراسات أشارت مؤخرا بشأن ضرورة إحداث تغيير في صعيد تركز القيادة، وأن نقلها إلى بقعة جغرافية بعيدة سيوفر للتنظيم فرصة في التقاط الأنفاس بعيدا عن المناطق الأكثر استهدافا، مثل سوريا.

الجدير ذكره أن تصفية زعيم التنظيم للمرة الثانية، يفتح الباب للصراعات الداخلية، تأسيسا على ما عاشه التنظيم خلال السنوات السابقة، من حركات تمرد وانقلابات.

هذا وقد جاءت عملية قتل “القرشي” في حين كان داعش يحاول على ما يبدو العودة إلى ترتيب صفوفه بعد فشل جهوده لإقامة “خلافة” عام 2019، بعد عدة سنوات من القتال في سوريا والعراق. وفي الأسابيع والأشهر الأخيرة، شن التنظيم سلسلة من الهجمات في المنطقة، بما فيها هجوم استمر 10 أيام أواخر الشهر الماضي للاستيلاء على سجن “الصناعة” في شمال شرق سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.