منذ عام 2011 ارتفعت نسبة عمل المرأة السورية بشكل أكبر، في ظل عدم اعتياد عمل المرأة وتقبله من بعض الفئات الاجتماعية في سوريا.

لكن ومع بدأ الحرب في البلاد، وظروف الحرب التي فتحت أمام النساء أبوابا لم تفتحها لهن من قبل، فضلا عن أن عمل المرأة كان مقتصرا على التوظيف الحكومي، أو بعض التخصصات الأخرى، مثل دراسة الطب والهندسة وغيرها.

أما بالنسبة للعمل ضمن كوادر عمل منظمات المجتمع المدني، فلم يكن موجودا في سوريا، بسبب تأثير السلطة الحاكمة حاليا، أما بالنسبة للسلك الإعلامي، فقد كان مقتصرا على العاصمة دمشق بشكل رئيسي. أما المحافظات الأخرى وخاصة الشمالية والشرقية، فقد كان هذا المجال غير متاحا أمام الفتيات بشكل شائع.

الحقوقية البارزة، رزان زيتونة، المغيّبة قسرا والتي لا يزال مصيرها مجهولا، نموذجا حيويا في إحياء عمل المجتمع المدني، من خلال مساهمتها في تأسيس جمعية “حقوق الإنسان في سوريا” وبعدها مركز “توثيق الانتهاكات في سوريا”، حيث أصبحت رمزا للإحياء المجتمع المدني وللنشطاء السلميين، في حين أن قطاع المجتمع المدني كان مغيبا في سوريا، منذ استلام سلطة “حزب البعث” دفة الحكم في سوريا.

لقد تأسست عشرات المنظمات المدنية والمؤسسات الإعلامية في المدن والبلدات الخارجة عن سيطرة حكومة دمشق أبّان الحراك الشعبي في سوريا 2011، فتشكلت هذه المؤسسات والمنظمات بقدرات وخبرات محلية ذاتية في البداية، ومن ثم تطورت وجلبت تمويلات وخبرات دولية إلى المنطقة.

عمل المرأة في المجتمع المدني

اكتسبت المرأة في سوريا، ولا سيما في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية، خلال سنوات الحرب، خبرة كبيرة من حيث مشاركتها في عمل المجتمع المدني وقطاع الإعلام والصحافة والحياة السياسية العامة.
لكن السؤال المطروح يبقى هنا: هل كان هذا الوجود الواسع والكمي ناتجا عن حاجة مادية وظروف الحرب القاسية، أم كان تحقيقا للذات، لما يمثل دورا حقيقيا وجدي على الأرض.

تقول أحلام حسن، ناشطة مدنية عملت في العديد من المنظمات المدنية الدولية والمحلية خلال السنوات السبع الماضية، إن “المرأة السورية تعمل لأن الظروف التي تمر بها البلاد والمنطقة بشكل خاص تتطلب هذا الدور، بل ويفرض عليها هذا المسار”.

وأضافت حسن، خلال حديثها لـ “الحل نت”، أن عمل المرأة هو أحد حقوقها الأساسية، لكن فرصة ومساحة الحريات لم تكن متاحة لها قبل عام 2011، حيث كان التضييق الأمني حاضراً من جانب الحكومة السورية في مجال المجتمع المدني والإعلام، إلى جانب التأثير السلبي للعادات والتقاليد من جهة أخرى. لكن بعد 2011 تغيرت كل هذه المفاهيم”، وأردفت حسن، “أما نشاط عملها خلال هذه السنوات حتما كان له نتائج إيجابية على عدة مستويات، من ناحية تحقيق الذات اجتماعيا والجانب النفسي، وتطوير المستوى المعرفي وغيرها لا حصر لها”.

وأوضحت الناشطة المدنية، أن “تحقيق الذات لا يقتصر فقط على العمل. فالمرأة تعمل في الأعمال المنزلية، ولكن الفرق هنا هو أن العمل المنزلي غير مأجور، وبالتالي فإن العمل ليس العامل الوحيد لتحقيق الذات”.

أما بالنسبة للحاجة المادية تقول أحلام، “طبعا الجانب المادي له دور أساسي في الحياة، لا سيما في ظل الظروف المعيشية السيئة، وبالتالي فإن هذا الأمر ضروري وحتمي ولكن لا نستطيع حصر عمل المرأة للحاجة المادية فقط”.

عمل المرأة في السلك الإعلامي

خلافا للصورة النمطية للمرأة ، خاصة في المناطق الشمالية والشرقية، فقد حاربت المرأة في عدة مجالات سياسية وإعلامية ومجتمع مدني وسوق العمل بشكل عام، بل وحتى شاركت في القتال على الجبهات، فضلا عن مختلف الأنشطة الثقافية والأدبية.

بالإضافة إلى العمل الإعلامي والصحافي الذي كان محدودا وشبه غير متاح لأهالي مناطق شمال وشرق سوريا، بسبب سياسة الحكومة في سوريا، إلا أن سلطة “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا والمناطق الأخرى الخارجة عن سيطرة دمشق، أعطت مساحة كافية لتفعيل هذا مجال الإعلام بشكل جيد.

بيريفان محمد، التي تعمل في المجال الإعلامي، تقول إن ظهور المرأة في المجال الإعلامي ربما يكون قد بدأ مؤخرا في المناطق الشمالية والشرقية، وذلك بعد عام 2011، ومنحها امتيازات عديدة منها على الصعيد الاجتماعي والذاتي والمادي ومستويات أخرى.

وأردفت محمد، خلال حديثها لـ “الحل نت”، إلا أن ذلك لا يعني أنها لم تواجه عدة عوائق، وخاصة في البداية، وكانت العادات والتقاليد في المجتمع من أكبر المشاكل التي تواجه الإعلاميات وتقف عائقا أمام تطورها في هذا السلك، إضافة إلى مسألة المحسوبيات التي تمارس في مؤسسات إعلامية سورية، التي من شأنها أن تعرقل جهود المرأة الطموحة والقادرة على منافسة الرجل في ذات المجال.

واختتمت حديثها بالقول: “هذا التحول في ثقافة عمل المرأة في المجتمع سرعان ما دعمه واقع الحرب وتداعياتها الاقتصادية، حيث لم يعد العمل واجبا في نمط الحياة، بل أصبح واجبا تفرضه الظروف المعيشية، خاصة وأن هذه الظروف تتطلب عمل عدة أفراد في الأسرة الواحدة حتى يتمكنوا من إعالة أنفسهم”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.