لم يعد ارتفاع الأسعار في الأسواق السورية أمرا مفاجئا لأحد من السوريين، حيث يمكن أن يرتفع سعر أي مادة في اليوم مرتين، فغياب الرقابة عن الأسواق جعل التجار يتحكمون بكل شيء، ولم يبق أي قطاع لم يشهد ارتفاع الأسعار، وقد ساهمت الحكومة عبر قراراتها برفع الأسعار، كرفع أسعار المحروقات التي أثرت على مختلف الأسعار، ورفع سعر النقل الذي يؤثر على الشحن، كل ذلك في حين لا يتجاوز راتب الموظف 10 بالمئة أمام قيمة الاحتياجات الحقيقية التي يحتاجها.

إجراءات حكومية خفضت الثقة بالحكومة

أوضح صفوان قربي، عضو مجلس الشعب السوري، لـ صحيفة “الوطن” المحلية”، أن الحكومة وضعت عنوانا لأدائها في المرحلة السابقة، بأنها لن تتجه إلى زيادات كبيرة في الرواتب كما يقتضي المنطق، وذلك بحجة أن السوق سيمتص هذه السيولة ولن يستفيد منها الموظف الاستفادة الحقيقية المطلوبة، وسيكون الاتجاه نحو تخفيض الأسعار.

وبين قربي أن هذا الكلام جميل ومقنع، من الناحية النظرية، لكن ما حدث على الأرض هو أن الأسعار حلقت بجنون، ودخل المواطن وقدرته الشرائية انخفضا بشكل كبير، والأهم هو أن هامش الثقة بالإجراءات الحكومية انخفض كثيرا، وهو أمر خطير، لأن الثقة تبنى بشكل تراكمي، وفقدانها يحتاج إلى زمن وجهد كبيرين لترميمه، كذلك انخفض مؤشر الأمل بأن القادم القريب سيكون أفضل، ما أدى إلى ارتفاع معدل اليأس وهبوط في عزيمة العمل، وأصبحت اتجاهات المواطن غير مفيدة وأولها الهجرة.

 كذلك اتجهت الحكومة بشكل مفرط باتجاه الجباية، فأصدرت حزمة قوانين كبيرة أتت تحت عنوان زيادة الرسوم، “هي رسالة سلبية بوقت حساس كنا أحوج ما نكون فيه إلى منطق الرعاية وليس الجباية، مع تخفيف للمنغصات والعراقيل الإدارية، وأن يكون العنوان الاقتصادي الكبير دع الجميع يعمل في هذه المرحلة، وكثير من القضايا قابلة للتعديل والتصويب لاحقا”، وفق قربي.

ويرى العديد من الاقتصاديين أن قراءة الحكومة للواقع الاقتصادي وواقع السوق غير واقعية، خاصة أن الاقتصاد السوري حاليا معظمه اقتصاد ظل بعيد عن الضبط والتقييم والقراءة، كما أن بعض الإجراءات خاطئة فالاستيراد مفتوح للجميع شكليا، أما عمليا فهو محصور بيد فئة محددة، وهذا ما يلغي تنافسية السوق، وبالتالي ارتفاع الأسعار وليس انخفاضها.

قد يهمك:أسعار غير مسبوقة في الأسواق السورية منذ 30 عاما

من أين تأتي استراتيجية “دبّر راسك”؟

لم تجد الإجراءات التي تدعي الحكومة القيام بها كتسيير دوريات لمراقبة الأسواق وتحرير ضبوط بحق المخالفين نفعا، كما أنها لم تؤثر في الأسعار مطلقا، فالأسعار لا تزال في صعود بشكل يومي، وهذا ما جعل المواطنين في حالة تساؤل وتشكيك حول دور الحكومة الموافق ضمنا على ما يجري.

أسباب مختلفة أدت لمعاناة المواطن، فهناك الضرائب والرسوم، والجمارك والتموين، وارتفاع الأسعار من قبل التجار، ما يعطي مؤشرا على أن السبب الرئيسي للتضخم سببه ارتفاع أسعار الكلفة الداخلية، والتي جعلت من أسعار المواد المحلية مساوية للمستوردة، ما تسبب بتدهور وضع المواطن في ظل انعدام القدرة الشرائية لديه، حسب متابعة “الحل نت”.

وفي هذا السياق، نقلت “الوطن” عن الباحثة الاقتصادية، رشا سيروب، أنها لا تعتقد أن القرارات الحكومية تستند إلى دراسات وأبحاث، وخير مثال على ذلك برأيها، ما حدث من فوضى عند صدور قرار استبعاد من لا يستحق الدعم، “فالحكومة تعتبر التاجر هو الفاعل الاقتصادي الوحيد الذي يجب الاهتمام به”.

وتؤكد سيروب أن العامل الحاسم الذي أدى إلى ارتفاع الأسعار لا يزال يتم تجاهله إلى حد كبير، وهو أن القدرة الإنتاجية للاقتصاد أصبحت محدودة جدا وتتضاءل مع مرور الزمن، لذلك أصبح الإنفاق يتجاوز الطاقة الإنتاجية، ليس لأن الإنفاق مرتفع للغاية “كما يتم الترويج له”، بل بسبب وجود نقص في العرض.فمنذ العام 2010 انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي “المعدل حسب التضخم” بنسبة 6. 16 بالمئة بالمتوسط سنويا خلال السنوات “2010 – 2019” ليصبح 32271 ليرة في العام 2019، وهو أقل مما كان عليه عام 1963 حيث كان 32434 ليرة، ولا يوجد اتجاه اقتصادي أكثر إثارة للقلق من انخفاض طويل الأجل في النمو.

ونتيجة لكل ما سبق، فإن الحكومة دفعت المواطن إلى أسلوبين، تركت بموجب أولهما حياة المواطن تسير بشكل عادي فمن يتمكن من الدفع يحصل على السلع والخدمات، كما غضت النظر عن الموضع الذي يتقاضى “الإكرامية”، وانتشار أنواع مختلفة من التعاملات السابقة لم تكن موجودة من قبل، وهو ما يؤدي بالنتيجة لمقولة “دبر راسك”، وهي مقولة قديمة ومتعارف عليها في سوريا، قيلت يوما ما للعسكريين بسبب سوء الخدمات في الجيش السوري، لكنها اليوم تقال للمدنيين في إشارة إلى “استباحة الاقتصاد”.

هذا وتشهد سوريا اليوم طفرات بالأسعار ولاسيما على المواد الغذائية بسبب ارتفاع أجور النقل وقلة المحروقات عالميا وارتفاع التصنيع والتوريد وغيرها، وكقطاع أعمال تفاجىء بالأسعار التي لم يشهدها خلال أكثر من 30 عاما في قطاع التجارة، مع تفهم أنه يكون هناك ارتفاع سنوي على سلعة من السلع من 3 إلى 5 بالمئة وليس 30 إلى 40 بالمئة، حسب متابعة “الحل نت”.

إقرأ:ارتفاع الأسعار ليست المشكلة الوحيدة في الأسواق السورية

ومن الجدير بالذكر أن الأسعار ارتفعت في الأسواق المحلية بنسبة تصل إلى 313 بالمئة لمختلف المواد الاستهلاكية منذ مطلع شهر آذار/مارس الفائت، واستمر هذا الارتفاع بالتصاعد حيث رأى العديد من المختصين أنه من غير المرجح أن تنخفض خلال شهر رمضان والذي بدأ في يومه الثاني، لعدم وجود دلائل ومؤشرات على ذلك خلال الوقت الحاضر.





هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.