هل سمعتم/ن يوما بأن القانون يقف ضد الإنسان؟ إن لم تسمعوا/تسمعن، فعليكم/ن أن تعلموا أن هذا القانون يوجد في العراق. قانون يعفي المجرم بل ويكافئه على جريمته تلك. قد تستغربون/تستغربن، لكنها حقيقة، وأي حقيقة، حقيقة مرة وبشعة.

قليلا ما يتم الحديث عن مساوئ القانون العراقي، وفي هذا الصدد كان من اللافت حديث الفنانة العراقية رحمة رياض، قبل أشهر وجيزة عن المادة 398 من قانون العقوبات العراقي لعام 1969، والتي تعفي المغتصب من العقوبة في حال زواجه من الضحية.

تحدّثت رياض إبان لقاء معها في برنامج “جعفر توك” عبر شاشة “DW” الألمانية، عن تلك المادة بلهجة حادة، قائلة: “هذه جريمة أكبر من الاغتصاب”، مع تعابير تظهر الحسرة على وجهها.

تلك المادة المعمول بها في العراق حتى الآن، ترفع العقوبة عن المغتصب في حال زواجه من الضحية، شريطة أن يستمر الزواج بينهما 3 سنوات على الأقل.

بحسب عدد من المحامين والمحاميات، ومنهم/ن المحامية الناشطة بمجال حقوق الإنسان، هيلين حسين، فإن الضحية لو تعرضت لاغتصاب جماعي، يمكن رفع العقوبة عن جميع المشتركين في الجريمة، إن تزوج أحدهم من الضحية. 

“نظرة سلعية”

هيلين حسين تقول، إن المشرع وباشتراطه استمرار الزواج لمدة 3 سنوات، سيتسبب بالكثير من المشاكل التي تضاف إلى “الجريمة الأصلية”، وهي اغتصاب الزوج لزوجته التي تصبح ضحية للمشرع والقبيلة التي قد تقتلها إن لم يتزوجها المغتصب.

“في سنوات الزواج الثلاثة، على الأغلب قد يولد طفل للزوج والزوجة، لكنه أي طفل هذا الذي يولد لأب مغتصب وأم ضحية، وكيف سيعيش في ظل بيئة أسرية غير صحية من الأساس؟”، تردف حسين متسائلة.

هيلين حسين – “الحل نت”

حسين تكمل في حديث مع “الحل نت”، أن “تلك المادة القانونية (سيئة الصيت)، تتسبّب بآثار نفسية على الضحية أكثر من تلك الآثار التي تعيشها بعد ارتكاب المغتصب لجريمته بحقها. كان على القانون معاقبة المجرم لا مكافأته”.

يبرّر المشرّع العراقي، بأن تشريعه للمادة 398 من قانون العقوبات، هو “سفكا للدماء وللحفاظ على سمعة وشرف العائلة والعشيرة”، في وقت تعد ناشطات حقوقيات، التبرير بحد ذاته، إشارة إلى ضعف وعجز القانون أمام العشيرة.

للقراءة أو الاستماع: في يومها العالمي: المرأة العراقية تناضل ولا تحتفل

“من المخجل أن نناقش في وقتنا الحالي أسباب مُطالبتنا بإلغاء وتعديل المادة 398 من قانون العقوبات، لكن النظرة السلعية للمرأة منذ زمن بعيد لم تختلف كثيرا حتى اليوم”، تقول ذلك الناشطة الحقوقية وعضو منظمة “إيسن” لحقوق الإنسان، نوف الطائي.

تردف الطائي لـ “الحل نت”، أن التبرير المُقدم هو حفاظا لشرفِ الضحية وحمايتها من الفضيحة، بينما في الحقيقة هو حماية للمُغتصِب من الفضيحة، ولا يؤخَذ بنظر الاعتبار الحالة النفسية والجسدية للمرأة، ضاربينَ بكرامتها وإنسانيتها عرض الحائط.

نوف الطائي – “الحل نت”

بحسب الطائي، فإن عدم الاستقرار السياسي الذي عانى منهُ العراق على اختلاف الحكومات المتعاقبة، وعدم وجود لنيّة فِعلية متوّحدة بالقضاء على كافةِ القوانين الظالمة للمرأة، “جعلَ من ثبوت هذه المادة أمرا حتميا للأسف”.

تحرك بنطاق ضيق

يتركز اهتمام المنظمات الحقوقية والنسوية في العراق، حول الكثير من القضايا والمواد القانونية التي تضطهد المرأة، وتضغط بشكل منتظم لتشريع قانون “الحماية من العنف الأسري”، لكن الضغط والتركيز على خطورة المادة 398 يكاد يكون منعدما.

تبيّن الناشطة النسوية نور العنزي، أن المنظمات الحقوقية والنسوية، غالبا لا تستطيع التحدث بحرية مطلقة في هذه المواضيع الحساسة؛ “لأن الكثير من العاملين بتلك المنظمات قد تعرّضوا للتهديد الجسدي واللفظي والمعنوي”.

“لذلك فإن تلك المنظمات تتحرك بنطاق ضيق يصعب فيه التصرّف، ما لم يتوفر قانون لحمياتها (…) كل شيء يفترض أن يبدأ بالقانون وينتهي عنده”، تضيف العنزي في حديثها مع “الحل نت”.

نور العنزي – “فيسبوك”

العنزي تتابع، أنه بعد اعتداء المغتصب على حرمة الجسد البشري وحرمة الإنسان، يقوم القانون بدل إيجاد رادع قوي يحمي المُغتصَبة من القتل؛ بتزويجها حتى لا تُقتل تحت شِعار “أهون الشرّين”. “هذا قتل آخر تتعرّض له المُغتصَبة تحت رعاية القانون وإشرافه”.

“مَن مِن المفترض أن يحمي المرأة المُغتصَبة من مغتصِبها ومن عشيرتها غير القانون؟ وإذا كان القانون يمنحه شرعية الزواج منها دون أن يحميها من عشيرتها، فمَن يحميها من القانون الآن؟”، تردف العنزي متسائلة

للقراءة أو الاستماع: العابرات جنسيا في العراق: “إعدام قانوني” يمنعهن من العبور

https://7al.net/2022/01/25/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d8%a8%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%ac%d9%86%d8%b3%d9%8a%d8%a7-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a7%d9%82/elkarmaly/news/

في وقت سابق من شهر آذار/ مارس من هذا العام، قالت “لجنة حقوق الإنسان” التابعة إلى “الأمم المتحدة”، إن الأحكام التشريعية في القانون الجنائي العراقي، تنص على عقوبات مخففة لما يسمى بـ “جرائم الشرف”.

ما الحل؟

وفق اللجنة الأممية، فإن تلك الأحكام لا تزال تمييزية ضد المرأة العراقية في الوقت الحالي، ويجب على العراق مراجعة تشريعاته المحلية لإلغاء أو تعديل الأحكام التي تسمح بالعنف ضد المرأة.

تقول عضو منظمة “آيسن” نوف الطائي، إن “هناكَ محاولات متواضعة لتعديل المادة 398، إلا أنها لا تحصل على الدعم من صنّاعِ القرار ومن مجلس القضاء الأعلى؛ لأن المجتمع العراقي عشائري ويمارس بعض أفراده السلطة الأبوية عن طريقِ القوانين التي تسمَح لهم باضطهادِ المرأة”.

الطائي ترى، أنه بالإمكان لفت نظر الرأي العام عبر توحّد المنظمات الحقوقية بحملات لإلغاء أو تعديل المادة 398، إلا أن الصعوبات ستُواجه من قبل الأحزابِ الدينية ومن أي فرد يتمتع بصفة معنوية مؤثرة، مُنتميا لأيديولوجيةٍ عنصرية وعشائرية.

للقراءة أو الاستماع: جرائم الشرف في العراق: مجزرة ضد النساء بتواطؤ من الحكومة والأحزاب المتنفّذة؟

من أجل ضمانِ التخلّص من حكم هذه المادة، يجب التوعية بالمخاطر النفسية البديهية، وسلبية “ثقافة لوم الضحية” التي تقتات عليها الممارسات المُغيِّبة لحقوق المرأة، تقول الطائي مُختتمةً.

أولوية إلغاء أو تعديل المادة 398 من قانون العقوبات العراقي، يفترض أن تكون من نصيب “لجنة المرأة النيابية”، لكن من المفارقات أنه أعضاء تلك اللجنة في البرلمان الحالي هن من خليفات قبلية وينتمين لأحزاب دينية، وغير معنيات بموضوعة الحقوق والحريات.

بالتالي ما الحل؟ الحل هو بتعديل المادة 398 عبر المطالبة بتشديد العقوبة على المغتصب وعدم تخفيفها، وإعداد ورقة تخص التعديل من قبل المنظمات الحقوقية وتقديمها إلى البرلمان، ليأخذ دوره التشريعي بتعديل المادة 398، وفق المحامية هيلين حسين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.