بات تعليم العربية في تركيا للأطفال السوريين صعبا بعد أن أغلقت الحكومة التركية مراكز التعليم السورية المؤقتة، منذ عام 2017، من أجل دمج التلاميذ السوريين، الخاضعين لقانون الحماية المؤقتة، في المجتمع التركي. ما أجبر الأطفال، الذين كانوا يدرسون مناهج الحكومة السورية المؤقتة، على الانتقال إلى مدارس تركية حكومية.

وهكذا أصبح الجيل السوري الجديد في تركيا متقنا بشكل كامل للغة التركية، مهملا في الوقت نفسه لغته الأم. وإذا كان معظم الأطفال السوريين قادرين على التكلم باللهجة المحكية، إلا أنهم يفتقرون إلى مهارات القراء والكتابة بالعربية.

فهل ما تزال هنالك فرص لتعليم اللغة العربية في تركيا للأطفال السوريين؟ وما دور الأهالي والمربين في مساعدة الجيل الجديد على تعلم لغته الأم؟

مخاطر عدم تعليم اللغة الأم

لا شك أن الجيل الجديد من السوريين لم يعد يعاني مع اللغة التركية، التي صار يتقنها بشكل ممتاز، ما ساهم في تفوق عدد من الطلاب السوريين في المدارس كما الجامعات التركية.

إلا أن مراقبين يحذرون من مخاطر عدم إمكانية تعليم اللغة العربية في تركيا. لأن جهل الجيل الجديد بلغته الأم قد تكون له انعكاسات اجتماعية وثقافية صعبة، فضلا عن مشاكل في تحديد الهوية، وزيادة مشاعر الاغتراب والعزلة عن المجتمع، سواء المجتمع العربي الذي ينحدر منه الأطفال، أو المجتمع التركي الذي يعيشون فيه حاليا.


ويرى عدد من المتابعين لشؤون اللاجئين السوريين في تركيا أن المسؤولية تتوزع على الأهل والحكومة التركية. ففي حين لا يمكن تجاهل دور العائلة في الحفاظ على اللغة العربية، فإنّ قرارات الدمج، التي أصدرتها أنقرة، هي من أهم أسباب عرقلة تعليم اللغة العربية في تركيا.

كما لا يمكن تجاهل رغبة الأطفال السوريين أنفسهم في إتقان التركية على حساب العربية، ربما ليهربوا من حالات التمييز والعنصرية والتنمر، التي زادت في المجتمع التركي في العامين الأخيرين.

دور الأهل في تعليم اللغة العربية

إيناس خليف، وهي معلمة في إحدى مدارس ولاية غازي عينتاب التركية، وأم لطفلين، تتحدث لموقع “الحل نت” عن تجربتها مع ابنها، ومحاولتها الحفاظ على لغته الأم، رغم صعوبة تعليم اللغة العربية في تركيا.
تقول خليف: “إذا لم يكن لدى الأهل الإلحاح والإصرار الكافيان، فستزول اللغة العربية تماما في أوساط الجيل الجديد”.

وتتابع: “هناك عدد من أولياء الأمور المهتمين بتعليم أولادهم اللغة العربية إلى جانب التركية. إلا أنهم لا يشكلون إلا نسبة قليلة”. معتبرة أن “الأهالي هم من يتحملون المسؤولية الأولى والأخيرة في تعليم الأطفال اللغة العربية في تركيا”.

من جهتها ترى المعلمة آية مصطفى أن “دمج الأطفال في الروضات التركية بعمر صغير هو ما يجعلهم مقبلين على تعلم اللغة التركية. في مقابل غياب الحزم لدى الأهالي في تعليم الأطفال اللغة العربية في تركيا. إلى أن يصل الطفل إلى مرحلة يكون رافضا فيها تماما لتعلم اللغة العربية، بل حتى مخالطة الأصدقاء العرب”.

وعلى صعيد تجربتها الخاصة تقول مصطفى لـ”الحل نت”: “رغم معرفتي التامة باللغة التركية إلا أنني لم أتحدث مع طفلي منذ ولادته باللغة التركية أبدا. وملتزمة بالحديث معه بالعربية. وبحكم اختلاطه مع بقية الأطفال في المدرسة، ممن يتحدثون التركية، أصبح طفلي يتحدث اللغتين، ولكن تبقى لغته العربية أضعف قليلا للأسف”.

مقالات قد تهمك: الطلاب السوريون في تركيا: هل توجد خيارات سوى التسرّب من المدارس؟

حلول لتعليم اللغة العربية في تركيا

مصطفى درويش، مدرس اللغة التركية في إحدى المعاهد بإسطنبول، يرى أنه “لا بد من إطلاق مبادرة لإعادة بناء أصول التواصل بين الطفل السوري ولغته الأم، عبر دعم تعليم اللغة العربية في تركيا عن بعد”.

موضحا في حديثه لـ”الحل نت”: “نسعى الآن لتعليم اللغة العربية عبر الإنترنت في مجموعات صغيرة، ليتمكن الطفل من إجادة اللغة بشكل دقيق، مع وجود تحفيز مستمر من قبل الأهل، واستخدام الأساليب التفاعلية البعيدة عن أسلوب التلقين”.

مؤكدا “وجود أساليب عدة، يمكن اعتمادها لتحفيز التلاميذ على تعلم اللغة العربية. مثل تنظيم الحفلات والحوارات والمسرحيات الناطقة باللغة العربية. وكذلك إقامة مسابقات بين التلاميذ باللغة العربية. خصوصا بعد إمكانية إدخال اللغة العربية رسميا إلى المنهاج الدراسي التركي. وستعمّم التجربة العام المقبل على المدارس، بوصف العربية مادة اختيارية. وهذا يساعد على تعليم اللغة العربية في تركيا”.

ويتابع درويش: “بعض المدارس، خصصت عددا من الساعات في الأسبوع لتعليم اللغة العربية لتلاميذها، كما تعتمد مشروعا باسم تعلم اللغة من الكتاب إلى الحياة، أي تعليم اللغة عبر الرحلات والمحادثة وتنظيم الفعاليات، وعدم الاقتصار على الكتاب والحصة الدراسية، وذلك لتطوير مهارات المحادثة”.

وبحسب آخر البيانات ،التي كشف عنها ضياء سلجوق، وزير التربية التركي، يبلغ عدد التلاميذ السوريين، الذين يتلقون تعليمهم في المدارس التركية، 839 ألفا و735 تلميذا وتلميذة، وذلك في العام الدراسي 2020 – 2021.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.