الواقع الاقتصادي الهش الذي يخيّم على معظم السوريين، دفع نسبة كبيرة منهم إلى تقليص مشترياتهم الغذائية، والتخلي عن بعض السلع، والاكتفاء بالمواد الأساسية والضرورية فقط.

حيث أدى الارتفاع الحاد في الأسعار، خاصة خلال شهر رمضان، والذي تفوق قدرة معظم السوريين مقارنة بمستوى رواتبهم، نتيجة سنوات الحرب السورية الطويلة والغزو الروسي لأوكرانيا، إلى شراء ثلث أرباع السوريين من المواد الغذائية والخضار وغيرهم “بالدَين”، بحسب تقرير لـ”برنامج الأغذية العالمي”.

شراء الأكل بـ”الدَين” بسبب الفقر

مع دخول النزاع في سوريا في عامه الحادي عشر، تواجه الأسر في جميع أنحاء البلاد مستويات غير مسبوقة من الفقر وانعدام الأمن الغذائي. يكافح المزيد من السوريين اليوم أكثر من أي وقت مضى لوضع الطعام على موائدهم، وفقا لتقرير “برنامج الأغذية العالمي” خلال شهر آذار/مارس الفائت.

وبحسب المنظمة الدولية التابعة لـ”الأمم المتحدة”، تشير الأعمال العدائية واسعة النطاق والنزوح الجماعي عبر المحافظات الشمالية، إلى جانب الانكماش الاقتصادي الحاد، إلى أن الوضع العام للأمن الغذائي يتدهور في جميع أنحاء البلاد، وأن العائلات بحاجة إلى الدعم لتلبية احتياجاتهم وإعادة بناء حياتهم.

وقد أصدر “برنامج الأغذية العالمي“، 21 نيسان/أبريل الجاري، أصدر برنامج الغذاء العالمي، تقريرا عن الوضع الإنساني في سوريا، من خلال استطلاع أجراه في جميع المحافظات السورية.

وبحسب آخر بيانات البرنامج الصادرة في آذار/مارس الفائت، فإن أكثر من نصف العائلات التي تمت مقابلتها 52 بالمئة في شباط/فبراي الفائت، أفادت باستهلاك غذائي ضعيف أو محدود في سوريا.كما وأدى التآكل المستمر في القوة الشرائية وسبل العيش غير المستقرة إلى تحمل العديد من العائلات السورية المزيد من “الديون”، ففي شهر شباط/فبراير الفائت، أفادت 72 بالمئة من الأسر التي شملها استطلاع “برنامج الأغذية العالمي”، أنها اشترت الطعام بـ”الدَين” بسبب تدهور الوضع المعيشي، وأن شراء الطعام عن طريق الديون كان أكثر شيوعا بين النازحين داخليا والعائدين مقارنة بالسكان الأصليين.

وأشار التقرير الدولي إلى أن قرابة 14 بالمئة من الأسر التي شملها الاستطلاع في جميع أنحاء سوريا تقوم بإخراج الأطفال في سن الدراسة الإلزامية من المدرسة، لجعلهم يعملوا ويشاركوا في دخل الأسرة، مما يحرمهم من التعليم ويعرضهم لقضايا أخرى تتعلق بالسلامة والحماية.

وفي تقرير آخر لـ”برنامج الأغذية العالمي”، يوم أمس، أفاد بأن “عدد المتسوقين انخفض هذا العام إلى مستويات غير مسبوقة نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود بشكل فجٍّ على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا”.

ويقول روس سميث، نائب المدير القطريِّ  لـ”برنامج الأغذية العالمي” في سوريا: “كنا نأمل أن تتمحور مساعداتنا الغذائية حول تغيير حياة الناس للأحسن، ولكن عِوضا عن ذلك، وأكثر من أي وقت مضى، فإن إساهماتنا تدور الآن حول إنقاذ حياة هؤلاء الناس”.

وتابع التقرير، خلال شهر رمضان، كانت موائد الإفطار في المنازل مليئة بالتمور والمشروبات مثل قمر الدين والتمر الهندي لكسر الصيام – إلا أن قلة منهم باتوا يستطيعون تحمل تكاليف توفير هذه الاحتياجات البسيطة هذا العام بسبب الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تجتاح البلاد، بحسب المنظمة الدولية.

قد يهمك: سوريون يبيعون أغراضهم في “سوق الجمعة” من أجل الهجرة

الملايين يعانون من الانعدام الغذائي

ويقدر “برنامج الأغذية العالمي” أن 12.4 مليون سوري يعانون حاليا من انعدام الأمن الغذائي. وهذه زيادة قدرها 4.5 مليونا في العام الماضي 2021 وحده وأعلى رقم تم تسجيله على الإطلاق.

وأردفت المنظمة الدولية في تقريرها في آذار/مارس الفائت، بأن النزاع والنزوح والانكماش الاقتصادي الحاد، وانخفاض قيمة الليرة السورية، أدى إلى زيادة الضغوط على الأسر التي تكافح الآن من أجل تغطية تكاليف توفير الاحتياجات والسلع الأساسية.

وأدت الأزمة السورية المستمرة إلى استنفاد أصول المجتمع والقضاء على سبل كسب العيش وتآكل قدرة الأسرة والمجتمع على الصمود. وتعطلت النظم الغذائية بشدة في العديد من المناطق، مما أدى إلى انتشار انعدام الأمن الغذائي والحاجة إلى المساعدة الغذائية، بحسب “برنامج الأغذية العالمي”.

يشار إلى أن “برنامج الأغذية العالمي”، قد أرسل مساعدات غذائية ومالية تكفي ما يقدر بنحو 5.7 مليون شخص في جميع المحافظات السورية الـ 14، عبر جميع الأنشطة في سوريا في آذار/مارس الماضي.

ووزع البرنامج 3.4 مليون دولار أمريكي على شكل تحويلات قائمة على النقد على 175 ألف مستفيد من البرنامج.وشكلت عمليات التسليم عبر الحدود من تركيا 27 بالمئة من إجمالي المساعدات الغذائية العامة التي أرسلها البرنامج، ويشمل ذلك الحصص الغذائية لنحو 1.45 مليون شخص في مناطق إدلب ومحافظة حلب التي يتعذر الوصول إليها من داخل سوريا.

ويحتاج برنامج الأغذية العالمي إلى 515 مليون دولار أمريكي لمواصلة تشغيل العمليات بالمستويات الحالية حتى أيلول/سبتمبر 2022.

قد يهمك: سوريا.. ربط رواتب الموظفين بمعدل إنتاجهم

الهجرة من سوريا

في محافظة حمص نشّطت ظروف الحرب سوقا شعبيا لبيع الأثاث المنزلي، للعوائل العازمة للسفر، في حين يتوجه الكثير من الأهالي للشراء من هذا السوق، نظرا للانخفاض النسبي في أسعاره.

ويقول موقع “سناك سوري” المحلي في تقرير سابق، إن السوق يحوي أدوات منزلية جديدة ومستعملة، إلى جانب الألبسة والأحذية، ويقع على امتداد ثلاث شوارع بين البيوت في حي باب الدريب بمحافظة حمص لتشكل سوق الجمعة (الحرامية)، الذي يعتبر مقصد الأهالي لشراء حاجياتهم هرباً من غلاء الأسعار في الأسواق.

وجاء في تقرير الموقع المحلي: “يعد هذا السوق المنصة التي بيعت فيها ذكريات آلاف السوريين وبيوتهم قبل الهجرة“، مع انعدام الأمل بأي تحسن للواقع المعيشي في البلاد.

حيث يبحث السوريون لا سيما الشباب عن أي فرصة للهرب من الواقع المزري التي تعيشه البلاد، وانعدام أي فرصة لتحقيق “حياة كريمة” مستقبلا في الداخل السوري.

وكان مركز “قاسيون” للأبحاث بدمشق، أشار في وقت سابق إلى أن متوسط تكاليف المعيشة للأسرة السورية قفز في شهر رمضان إلى 2.8 مليون ليرة سورية، في حين لا يتراوح راتب الموظف السوري بين 250-100 ألفا.

ويعتمد “قاسيون” لحساب الحد الأدنى لتكاليف المعيشة على سلة الغذاء الضرورية وفق ما صاغها مؤتمر الإبداع والاعتماد على الذات للاتحاد العام لنقابات العمال في سوريا، والتي يحصل من خلالها المواطن المنتج على السعرات الحرارية التي تكفل له الحياة وإعادة إنتاج قوة عمله من جديد.

وأوضح المركز السوري أن تكاليف الغذاء تمثل 60 بالمئة من مجموع الحد الأدنى لتكاليف معيشة الأسرة، بينما تمثل الـ40 بالمئة الباقية الحاجات الضرورية الأخرى للأسرة (تكاليف سكن، ومواصلات، وتعليم، ولباس، وصحة، وأدوات منزلية، واتصالات… وغيرها).

بهذا فقد أصبح الوضع الاقتصادي في سوريا شديد الصعوبة خلال سنوات الحرب الأخيرة، خاصة في الأشهر الماضية، حيث شهدت الأسواق ارتفاعا حادا، وبالتالي زادت مظاهر الفقر بشكل واضح، لدرجة أنه بدأ بعض الناس في المحافظات السورية عموما بالتخلي عن أطفالهم وتركهم في الأماكن العامة.

قد يهمك: نسبة الثراء الفاحش في سوريا أكبر من الطبقة الوسطى

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.