يبدو أن الوجود الروسي في سوريا قد تضاءل إلى حد ما، كما يؤكد كثير من المعنيين بالشأن السوري، وخاصة في قاعدة حميميم على ساحل المتوسط.

وتركز القوات الروسية حاليا على إرسال الضباط الروس المدربين، لخوض غمار المعارك في المدن الأوكرانية، التي استنزفت الإمكانيات البشرية واللوجستية للجيش الروسي، مما أضطره لاستخدام النهج التدميري ذاته، الذي استخدمه في المناطق المناهضة لحليفه بشار الأسد في سوريا.

لكن، من جهة أخرى، أدى تراجع الوجود الروسي في سوريا إلى تمدد الحرس الثوري الإيراني والميلشيات الموالية له، إذ تشير تقارير إعلامية عديدة إلى توسع إيران بمناطق مهين في حمص وسط البلاد، وكذلك بمطار النيرب في حلب. وهي مناطق متنازع عليها بين الجانبين الروسي والإيراني، في محاولة لفرض أمر واقع من قبل الإيرانيين، واستغلال انشغال الروس في أوكرانيا.

من ناحيتها واصلت إسرائيل ضرباتها الجوية على المواقع الإيرانية بالقرب من حدودها الشمالية، وخاصة بعد المعلومات التي تحدثت عن جلب إيران لطائرات مسيرة من نوع “مهاجر 2″، والتي يمكنها التحليق لارتفاع سبعة كيلومترات، والبقاء في الجو لمدة أربع وعشرين ساعة.  وهو ما يقلق حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي نيفتالي بينت، التي وقفت على الحياد في بداية الغزو الروسي لأوكرانيا.

مقالات قد تهمك: الغارات الإسرائيلية في سوريا: ما الجديد بعد غزو أوكرانيا وتطورات الملف النووي الإيراني؟

تراجع لافت للعمليات الروسية

وسبق لـ”المرصد السوري لحقوق الإنسان” الحديث، بعد مضي شهر واحد على غزو أوكرانيا، عن  انحسار الدور الروسي في سوريا. مؤكدا “تراجع الضربات الجوية الروسية”.

وأشار المرصد إلى أن “الأراضي السورية شهدت تراجعا لافتا وملحوظا في نشاط القوات الروسية بمختلف مناطق تواجدها”. مسجلا “تراجعا بالقصف الجوي الروسي على البادية السورية، بمعدل  أربع مرات عما كان عليه قبل الحرب الأوكرانية”.

وبحسب تقرير المرصد فإن “التوثيقات والإحصائيات سجلت 298 غارة جوية، نفذتها المقاتلات الروسية على مناطق انتشار تنظيم داعش في البادية السورية، وذلك منذ الرابع والعشرين من شباط/فبراير وحتى الثاني والعشرين من آذار/مارس، أي خلال أقل من شهر على بدء الحرب في أوكرانيا”.

ويلفت التقرير إلى “رصد أكثر من 1250 غارة روسية، طالت مناطق متفرقة في البادية السورية، خلال نحو ثلاثين يوما قبل الحرب الروسية على أوكرانيا، أي من الرابع والعشرين من كانون الثاني/يناير وحتى الثالث والعشرين من شباط/فبراير”.

الوجود العسكري الروسي في سوريا: طائرات أقل.. صواريخ أكثر

ويطرح مراقبون سوريون أسبابا لتراجع الوجود الروسي في سوريا خلال الشهرين الأخيرين، لكن جميعها يصب في تفرغ موسكو لحربها في أوكرانيا، والتصدي للعقوبات الغربية، التي أرهقت حكومة بوتين خلال مدة قصيرة جدا.

ويرى الخبير العسكري والاستراتيجي فايز الأسمر، في حديثه ﻟ “الحل نت”، أن “الغزو الروسي لأوكرانيا لم يؤثر، من الناحية العملية، على الأعمال القتالية، التي تقوم بها القوات الروسية في مناطق المعارضة السورية، حيث ما تزال طائراتها تنفّذ غاراتها على تلك المناطق، وإن كان بشكل أقل من المعتاد”.

معللا ذلك بـ”انشغال الطيران الروسي بالمعارك الأهم، التي تدور في أوكرانيا، واستنزافه على كل الجبهات. بل وتكبّد القوات الروسية خسائر فادحة، على صعيد القوات البرية والبحرية والجوية، وفشلها حتى الآن، وبعد مرور عشرة أسابيع، على إحداث أي اختراقات نوعية، تُحسب لها”.

وأكد الخبير العسكري أن “روسيا بدأت تحسب حساب الطلعات والذخائر والصواريخ الجوية التي تستهلكها طائراتها في قاعدة حميميم، أثناء تنفيذ مهامها في مناطق شمال غرب البلاد. ما أدى لتراجع الوجود الروسي في سوريا، لرغبة موسكو في استخدام كافة إمكانياتها في معارك كسر العظم، التي تتعرض لها على الأراضي الأوكرانية”. وهذا أيضا “أحد أسباب انخفاض طلعتها على إدلب ومحيطها”، وفقا للأسمر.

بينما يرى الخبير في الشؤون الروسية بسام البني، المقيم في موسكو، أن “الغاية الأساسية من الوجود الروسي في سوريا هي السيطرة على البحر المتوسط. وفي حال ازداد تأزم علاقات الغرب مع موسكو ستلجأ الأخيرة إلى نشر صواريخ فوق صوتية في قاعدة حميميم. وحينها ستستطيع روسيا ضرب أي هدف في المتوسط”.
 لافتا، في حديثه لـ”الحل نت”، إلى أن “هذه الصواريخ لا يمكن التصدي لها من قبل الدفاعات الجوية الغربية”.

الدور السياسي للوجود الروسي

سياسيا لم يلاحظ أي دور للوجود الروسي في سوريا بالفترة الأخيرة، سوى من خلال تقريب وجهات النظر بين قوات سوريا الديمقراطية “قسد” وحكومة دمشق. على خلفية حصار الفرقة الرابعة، التابعة للقوات النظامية، لأحياء الأشرفية والشيخ مقصود، ذات الغالبية الكردية في حلب، وقطع المؤن عنها. والرد بالمثل من قبل قسد في محافظة الحسكة.

العميد أحمد رحال، الخبير العسكري والاستراتيجي، أكد، في اتصال هاتفي مع “الحل نت”، أن “القيادة الروسية خُدعت في أوكرانيا، بعد تصديقها للتقارير الاستخباراتية المكتوبة لإرضاء الرئيس بوتين، الذي بات الآن في ورطة لا يحسد عليها. علما أن الخطط التي قدمت لبوتين كانت تؤكد إمكانية سيطرة القوات الروسية على أوكرانيا في غضون اثنتين وسبعين ساعة. ولكن الحسابات الاستخباراتية الروسية كانت خاطئة. والغزو تجاوزت مدته الشهرين، والنتائج ما تزال صفرية. وكل هذا أثّر على الوجود الروسي في سوريا”.

وأضاف: “خسائر القوات الروسية في أوكرانيا دفعت بوتين لاستدعاء ضباط من طاقم العمليات الروسية في سوريا. إضافة إلى سحب ستين بالمئة من الطائرات من قاعدة حميميم، وإرسالها إلى أوكرانيا”.

وتابع العميد رحال: “الأمور لم تتوقف عند هذا الحدّ، بل تم سحب قوات برية، وعدد كبير من قوات شركة “فاغنر” العاملة في سوريا. مما ساهم بانحسار الوجود العسكري الروسي في سوريا. مع الإبقاء على الدور السياسي”.

إلا أن الخبير الاستراتيجي يعتبر أن “الأوراق السياسية لبوتين في سوريا ما تزال قوية، رغم كل الخسائر التي تعرض لها في أوكرانيا”.

وحول تصاعد التنافس الإيراني الروسي بعد تراجع الوجود الروسي في سوريا يؤكد رحال أنه “على الرغم من تخفيض عدد الجنود الروس في سوريا، إلا أن حلفاء الأسد الآخرين، وعلى رأسهم إيران، لن يستطيعوا الاستغناء عن الدور الروسي في المحافل الدولية. ومهما عظم الدور الإيراني في سوريا فلا يمكنه تجاوز الروس”.

مختتما حديثه بالقول: “لكن الخلاف الإسرائيلي–الروسي، بسبب موقف تل أبيب الأقرب للغرب في مسألة غزو أوكرانيا، هو ما أتاح الفرصة للإيرانيين بالتمدد في الجنوب السوري، مستغلين تراجع الوجود الروسي في سوريا للاقتراب أكثر من الحدود الإسرائيلية”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.